قافلة « فاضمة وحرفو » الثانية لحفظ الذاكرة و المصالحة المغربية



لحسن ايت الفقيه
2009 / 5 / 6

استكمالا لمشروع«حفظ الذاكرة و مصالحة النساء بالسونتات»، الذي يحمل باللغة الفرنسية اختصارا اسم« SMR femmes»، نظمت شبكة الجمعيات التنموية لواحة الجنوب الشرقي ،المعروفة اختصارا ب«الرادوز»«RADOSE»، تحت إشراف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ،وبشراكة مع صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة، «UNIFEM»،المرحلة الثانية من قافلة المصالحة فاضمة أوحرفو. و حسب البلاغ الصحافي للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ليوم الخميس 30 أبريل 2009 فإن هذه القافلة« التي ستحل بكل من الرشيدية، ورزازات، أكدز وزاكورة،» تعرف « مشاركة تلميذات من مركز إيواء الفتيات القرويات بإملشيل ونساء من قصر سونتات (مسقط رأس فاضمة أوحرفو) وفاعلين في التنمية المحلية بإملشيل والراشيدية، وفاعلين محليين منخرطين في برنامج جبر الضرر الجماعي بورزازات وزاكورة، وشابات من مركز إيواء الفتيات ببني زولي بزاكورة.
وتهدف هذه القافلة في مرحلتها الثانية، إلى تحسيس الفاعلين المحليين بورزازات وزاكورة بمعاناة النساء خلال ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وتقديم المشاريع النموذجية المنجزة بإملشيل ،حول حفظ ذاكرة فاضمة أوحرفو والمشروع المنجز بزاكورة حول تعزيز قدرات الجمعيات العاملة في مجال حماية حقوق النساء، وكذا تمكين فتيات إملشيل من الاحتفاء بذكرى فاضمة أوحرفو عبر زيارة قبرها بأكدز. » و أشار البلاغ كذلك أنه «تم استقبال قافلة المصالحة فاضمة أوحرفو، في مرحلتها الأولى (الراشيدية- الرباط 30 مارس 2009) من طرف عدد من الفاعلين الوطنيين والدوليين وكذا منظمات المجتمع المدني.».و استدرك البلاغ بالإشارة إلى«أن مشروع "النهوض بحقوق النساء ودورهن في مسلسل الانتقال الديمقراطي بالمغرب" يهدف أيضا إلى دمج مقاربة النوع وحقوق المرأة في مسلسل متابعة تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة.»
شارك في قافلة فاطمة أوحرفو الثانية حوالي 47 شخصا منهم 33 طفلا ، والباقي أشخاص معنويون منخرطون في جمعية « تايمات » المشرفة على تسيير مركز استقبال الفتيات بإملشيل، و منخرطون في« الرادوز » ،فضلا عن عضو المكتب الجهوي للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان لمكناس تافيلالت و السيد زايد أوحرفو شقيق الشهيدة فاضمة أوحرفو و بعض المؤطرين والمنشطين.
انطلقت القافلة فجر يوم الجمعة فاتح مايو 2009 من مركز إملشيل بالأطلس الكبير الشرقي، في اتجاه مدينة الريش ،الكائنة بغرب تزممات، ثم عرجت نحو الجنوب الشرقي في اتجاه مدينة الرشيدية، لتمكث هناك غير بعيد أمام مقر«الرادوز». و بعد ذلك سلكت الطريق الوطنية الرابطة بين الرشيدية و ورزازات،مرورا بكلميمة أحد مواطن جبر الضرر الجماعي بإقليم الرشيدية. و في مدينة تنغير بإقليم ورزازات ،فضل المشاركون في القافلة تناول وجبة الغذاء . و أخيرا استمرت القافلة في سيرها ،بدون وقوف و لا ميل و لا تعريج، إلى أن دخلت مدينة ورزازات في وقت متأخر من المساء.
و لقد استقبل النسيج الجمعوي بورزازات ،رفقة عضو المكتب الإداري للمجلس السيد محمد هكاري و السيدة خديجة عسيري ،القافلة استقبالا حارا . وكما هو مضمن في البرنامج الذي أعده «الرادوز»، وقفت القافلة بعض الوقت ، بين ظهران النسيج الجمعوي المذكور ،لعرض مشروع«حفظ الذاكرة و مصالحة النساء بالسونتات»، السالف الذكر ، وتقديم قراءة في كتيب «نساء كسرن جدار الصمت، مرويات نساء سنوات الجمر»، و هما فقرتان رئيسيتان في برنامج اليوم الأول من الرحلة. و ما عدا ذلك، فهو ضمن المجال المفتوح لإلقاء الكلمات بالمناسبة، خصص للهيئات التالية: النسيج الجمعوي التنموي المذكور، الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة، الذي تمثله السيدة خديجة عسيري، المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان.
وورد في كلمات المناسبة، أن القافلة«أتت في إطار الحركة الدينامية من أجل تأسيس مغرب، تُحترم فيه كرامة الإنسان وحقوقه ، و أن المجتمع المدني بالجنوب الشرقي المغربي بات ينزع نحو التكتل و التنسيق». و تمت الإشادة ببعض المبادرات النموذجية في مقاربة النوع الاجتماعي،في إطار المشروع الموازي لجبر الضرر الجماعي ،الذي يشرف عليه صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة ،في إطار تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف و المصالحة. و تم أيضا التعريف بالشهيدة فاطمة أوحرفو التي تنحدر من قصر«دوار» السونتات قرب مركز إملشيل.
و في مداخلة «الرادوز» التي تروم التعريف بمشروع «حفظ الذاكرة و مصالحة النساء بالسونتات»، السالف ذكره ، عرض السيد عبد الله سوهير بالتوضيح و التفصيل مكونات المشروع و أهدافه و إستراتيجيته و محاوره و بعض الأنشطة المهمة فيه. فمن ذلك ما يلي:
- شركاء المشروع المعنويين ستة وهم: صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة، المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، نيابة وزارة التربية الوطنية بالرشيدية،جمعية تايمات إملشيل، جمعية أخيام،جمعية أصدقاء التلميذ القروي.
- استراتيجية المشروع تكمن في تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف و المصالحة لغاية جبر الضرر الجماعي بقصر«دوار» السونتات بإملشيل.
- من أهداف المشروع المصالحة مع الماضي بإحياء الذاكرة ، و إدماج المرأة في مسلسل التنمية، و تشجيع تمدرس الفتاة القروية.
- من محاوره تكوين النساء القرويات و تنفيذ برامج محو الأمية لفائدتهن و إعداد مشاريع مدرة للدخل و دعم تمدرس الفتاة.
- الأنشطة المنجزة ، للآن،في إطار المشروع المذكور،دورات التكوين و التحسيس، وتنفيذ برنامج محو الأمية الذي استفادت منه ، للآن ،49امرأة . و شُرع في نسج الزرابي و تسويقها، وبناء المرافق الصحية من لدن جمعية « أخيام »، وتهيئة مدرسة السونتات.
- من النتائج المحققة ،خلق دينامية محلية بإحياء ثلاث جمعيات و تعاونية نسائية، وتفجير جدل حاد وساخن حول برنامج جبر الضرر الجماعي. و أخيرا توفق البرنامج في إدماج المرأة في سياق محو الأمية.
و في السياق ذاته، انصبت المداخلة الثانية ،بالأمازيغية ، على معاناة النساء في سنوات الجمر ، وهي في الواقع قراءة في الكتيب الذي أصدره المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بشراكة مع صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة. ففي مستهل المداخلة إشارة إلى إشكالية تدوين وقائع الانتهاكات الماضية، التي ظلت مدة طويلة خطابا شفاهيا خجولا يكاد يستحوذ عليه الكتمان، و ذكر بالمجهود الجبار الذي قامت به هيئة الإنصاف و المصالحة المغربية في الاستماع إلى ضحايا الانتهاك الماضي، فضلا عن المبادرة التي قام صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة في إخراج خمس مرويات مدونة في كتيب صغير يتكون من 32 صفحة، بات يشر على نطاق واسع و يشكل أحد وسائل التحسيس في إطار مقاربة النوع الاجتماعي في برنامج جبر الضرر الجماعي. و كما هو ملاحظ فالمرويات منعطفاتها متشابهة، و التجربة المضمنة فيها مختلفة ،لاختلاف الظروف والملابسات ، وكذا اختلاف قدرات التحمل من شخص إلى آخر. و يمكن تمثيل مراحل معناة النساء الخمس في إفريز زماني من ثلاث مراحل:
- المرحلة الأولى: هي مرحلة ما قبل الحدث / المنعطف،و التي تبدو فيها حياة النساء الخمس بأنها عادية. فباستثناء الطفلة «تودة» من إملشيل عاشت النساء الأربع تجربة الحياة الزوجية . و الأكثر من ذلك، أن اثنتين منهن عشن تجربة الطلاق ، وهما خديجة من خنيفرة ، و « أمي حليمة » من قلعة السراغنة. و يعنيا أنه مهما كانت ظروف الزواج أو الطلاق، أو و ضع الطفولة بالنسبة ل«تودة» فحياة النساء المشار إليهن في المرويات ،و صفت بأنها كريمة في هذه الفترة.
- مرحلة الحدث: تم الوقوف عندها للإشارة بداية أن النساء دعين للإهانة قبل المساءلة عن فعل لا دخل لهن فيه. و بمعنى آخر، فالمرأة حاضرة إلى جانب الرجل في المعاناة ،على الرغم من براءتها براءة الذئب من دم يوسف. فقد أهينت بفعل موقف زوجها السياسي أو ابنها أو أبيها أو صديق زوجها. أهينت لأنها قدمت خدمة لشخص ما أو أشخاص لا تعرف أسماءهم و لاعن أفعالهم شيئا. فكل النساء المضمنة روايتهن في الكتيب المذكور، سجلن أنهن في غفلة من الأمر. فالسيدة حفيظة من الناظور ، لم تدر شيئا عن انتماء زوجها السياسي، و لم تعلم طبيعة أنشطته خارج المنزل، عدا أنه مستخدم تابع لوزارة الفلاحة. و لم تعلم« يزة » المنحدرة من مدينة لخميسات سبب اختفاء زوجها. و لا تحوي شهادتها سوى أنه غدا إلى المدرسة العسكرية بأهرممو صباح يوم من أيام صيف 1971، و لم يرح إلى البيت . وظل تنتظر طويلا حتى قيل لها ،بعد حين من الدهر، أنه مسجون بتزممارت. و بموازاة ذلك، تبين أن كل ما تعلمه «أمي حليمة» عن ابنها أنه نجيب مثابر يحب العلم والمطالعة ،و أنه رفض السكن معها في بيت زوجها الثاني بالدار البيضاء. و لم تكن «تودة» الطفلة، أكثر علما من خديجة، فكلتاهما لم يدريا سبب إهانتهما. و لا تزال خديجة تتساءل عن سبب خذلانها، لا لشيء سوى أنها قدمت خدمة شريفة بمقابل مادي، لأشخاص لا تعلم عن نشاطهم السياسي شيئا يذكر . أما «تودة» فقد استحوذ عليها الرعب مدة طويلة من حياتها.
و ما يوحد معاناة النساء مكثهن بعيدا، في أهوال العزلة إلى أن تبين لهن أن تغيير الوضع يقضي اتخاذ مجموعة من التدابير لتكسير جدار العزلة أولا، و لتحقيق الانتصار الخافت للحياة في أسوأ الأحوال، ثانيا. فمنهن اللائي اندمجن في المجتمع بالبحث عن الشغل ، و فضلت أمي حليمة الانخراط في العمل الجمعوي دفاعا عن ابنها المعتقل بسجن القنيطرة بعد أن قضى ستة أشهر في درب مولاي الشريف. أما«تودة» فقد استسلمت للقدر و عاشت معزولة بإملشيل ،إلى سمعت مناديا يناديها بالحضور إلى إحدى جلسات الاستماع التي نظمتها هيئة الإنصاف والمصالحة.
المرحلة الأخيرة: يطبعها بزوغ فجر عصر آخر في الأفق، تم فيه إطلاق سراح المعتقلين الأحياء الذين لهم علاقة بالنسوة اللائي روين ما أصابهن من قرح في سنوات الجمر. و بعد مدة قصيرة، شرعت هيئة الإنصاف والمصالحة في جبر الضرر الفردي للضحايا، بمنحهم تعويضا عما عنوه في السنوات الماضية. و للأسف، لم يكن العصر المذكور نهاية لمعاناة النساء الخمس. فالسيدة حفيظة من الناظور كان قدرها الطلاق، والسيدة «يزة» هاجرها زوجها المعتقل السابق بتزممارت، لما تزوج امرأة ثانية. و أما «أمي حليمة» فلم تدم على حال. فبعد إطلاق سراح ابنها ظلت الشرطة تلاحقه أينما حل و ارتحل، و عان الابن و عانت معه أمه من اضطرابات نفسية إلى النهاية التي كانت مأسوية ،يوم استقبلت «أمي حليمة» نعيّ يخبرها ذات صباح ، بمقتل ابنها بحادثة سير. و لم تتوفق خديجة من الزواج ثانية، لما تعانيه من مرض ألمّ برحمها بتكرار الاغتصاب الذي تعرضت له. و كانت الإعاقة هي الضريبة التي دفعتها« يزة » ،يوم كان الجلادون يعلقونها في رجلها.
و لم يمكّن بعض الوقت منظمي القافلة لعرض فيلم وثائقي حول ذاكرة فاضمة أوحرفو، فاستقر الرأي على إرجاء ذلك ،ليشكل فقرة ثانية في نشاط الاستقبال المخصص للقافلة في قصر «دوار»بني زولي ،الغير بعيد عن حاضرة زاكورة. و بعد قضاء ليلة كاملة في استضافة«جمعية مأوى الشباب بورزازات» التي تملك مأوى بدوار إنزبياطن بجماعة ترميكت . انطلقت القافلة في اليوم الموالي إلى أكذز لغرضين اثنين، زيارة قصبة الأحد التي صارت معتقلا سريا من سنة 1976 إلى غاية 1982 ، ثم المقبرة المجاورة له، حيث يوجد قبر الشهيدة فاضمة أوحرفو.
ففي باب المعتقل نظم للقافلة استقبال حار حضرته جمعية اتحاد درعة للتنمية و جمعية أكدز للتنمية والمحافظة على البيئة، و بعض المستشارين الجماعيين و مختلف الفاعلين بالمنطقة. و بفضاء المعتقل تفضل السيد عبد اللطيف قاسم فاعل جمعوي بالمنطقة، و مسؤول عن المكتب الإداري للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بالجنوب الشرقي بتقديم شروح مستفيضة حول القصبة / معتقل الأمس. و تمكن المشاركون في القافلة،في نهاية المطاف، من تحديد خلايا المعتقل و أجنحته الثلاثة:جناح بنو هاشم و جناح الصحراء و جناح النساء. و بجانب المعتقل ، و على شماله الغربي ، توجد مقبرة قديمة، تكاد أن تخلو قبورها من المعلمة الرمزية ،كالدروع الترابية وشاهدي القبر العلوي والسفلي. ففي جنوبها الغربي تموضعت 21 قبرا للمعتقلين بقصبة الأحد. و في شمالها الشرقي عاينت القافلة 11 قبرا، ضمنها قبر الشهيدة فاضمة أوحرفو، المزدادة سنة 1934 و المتوفاة يوم 20 دجنبر 1976. و يظهر أن الدفن برحاب المقبرة عشائري،كما هو معروف في جل مقابر الجنوب الشرقي المغربي، حيث انتظمت قبور المعتقلين في مجموعتين مستقلتين تطهر للمتمعن فيها، أنها قبور للغرباء عن المنطقة. و يرى البعض من سكان أكدز أن قصبة الأحد التي بناها القائد لكلاوي ، ما بين 1943 و 1946 تذكر ، رغم حداثة بنائها ، بتاريخ مأسوي لواحة مزجيطة بكاملها. ذلك أن بناء هذه القصبة ،التي انخرط فيها أبناء أكدز كرها تحت سياط جلادي القائد لكلاوي، كانت بمثابة نصب تذكاري لإعلان نهاية قيادة تمنوكالت التي يخالها سكان مزجيطة أنها شرعية. و للإشارة فإن هذه القيادة باتت تمارس دورها منذ القرن الثامن عشر الميلادي إلى عشية دخول المستعمر الفرنسي المنطقة. و قد سبق لها أن شهدت هجوما متكررا تعد له دوما أولاد يحيى القبيلة العربية المجاورة لها في الجنوب. وكانت سنة 1924 بداية لتدهور هذه القيادة ،لما رفض القائد ابوبكر بن عبد الرحمان التمنوكالتي الاعتراف بقيادة لكلاوي«أكلاوو» وسلطته. و للإشارة فقد توفقت جيوش لكلاوي من اختراق واحة مزجيطة ،بتغيير المسار و التعريج نحو الجنوب الشرقي مستعينين بأولاد يحيى. و حسب الرواية الشفوية فقد تعذر على لكلاوي المرور عبر معبر أيت ساون لا لشيء سوى أن القائد ابوبكر بن عبد الرحمان، اعترض سبيل لكلاوي بقيادة 10 آلاف «معاركي» مرابطين بالمكان المدعو تفرنين. و لولا استعانة لكلاوي بفرنسا للانتقام من قيادة تمنوكالت ما تم له اختراق واحة مزجيطة، و حط محلته بتاوريرت نتمنوكالت بقيادة ابن أخيه حمو لكلاوي.
و سجل أنه لما أوشكت تمنوكالت أن تسقط ، فكر القائد ابوبكر في تفجير منزله الذي يؤوى معظم نساء القرية، لكي لا يسقطن أسرى بيد جيوش لكلاوي، الذين سيخذلهن بلا ريب. و لحسن الحظ تمكن السادة محمد المكي و احمد بن صالح و محمد التهامي في إصلاح ذات البين بين لكلاوي و القائد التمنوكالتي.و كان من بين شروط الصلح قبول القائد ابوبكر بالتخلي عن القيادة ،و تعيين أخيه السيد علي بن عبد الرحمان على رأس قيادة تمنوكالت التقليدية. و رغم مضايقة القائد علي من لدن لكلاوي فإنه توفق في الحفاظ على منصبه كخليفة لقائد الجنوب إلى غاية الأربعينات من القرن الماضي. و في سنة 1947 تم تعيين المدعو أوحماد خليفة لقائد الجنوب. و في تلك الأثناء فتحت قصبة الأحد أبوابها، وهي قصبة تشبه إلى حد بعيد مقر قيادة تمنوكالت التقليدية. و لا نشك أن بناء هذه القصبة ،على نمط مقر قيادة تمنوكالت ،يوحي للكثير أن لكلاوي بنى نصبا تذكاريا لإهانة سكان واحة مزجيطة. و تعني تمنوكالت بالأمازيغية القرية القائدية نسبة إلى أمنوكال،أي القائد أو كبير القوم. و إذا استحضرنا المعنى الأمازيغي القديم للكلمة، نسجل أن تاريخ هذه القيادة عريق ، مما يستوجب النبش في التاريخ المنسي للمنطقة. وبعد تناول الغذاء و التجول بفضاء قرية تمنوكالت اتجهت القافلة ،في مساء يوم 2 مايو إلى قصر«دوار»بني زولي حيث استقبلت بمركز الاستقبال التابع للجمعية النسائية للتنمية والتضامن« AFDES » و الذي تديره السيدة مجيدة شاهيد.و هنالك عرض السيد عبد اللطيف قاسم عرضا تناول فيه «مقترح التنسيقية المحلية لجبر الضرر الجماعي وحفظ الذاكرة» بزاكورة ،حول قصبة الأحد . و عقب ذلك قدم شريط حول ذاكرة فاضمة أوحرفو.
صنف السيد عبد اللطيف قاسم عرضه في ثلاثة محاور:الإطـار العـام و السيـاق العـام،ثم مسلسل إعـداد التصور حول القصبة
ويأتي السياق العام ضمن مجموعة من التوصيات التي صاغتها هيئة الإنصاف والمصالحة لحفظ الذاكرة وجبر الأضرار الجماعية.« انطـلاقا من تحرياتها، ومن شعور ساكنة مجموعة من المناطق من تعرضها ،المباشر أو غير المباشر ،لأضرار مرتبطة بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ». ومن بين الأهداف التي سطرتها:
-«استعادة ثقة الضحية الجماعية فـي الدولة، و تقوية الشعور بالمواطنة،و دعم التضامن الاجتماعي ،وبالتالـي تحقيق المصالحة.»
و أشار السيد عبد اللطيف قاسم إلى معايير اختيار مواطن جبر الضرر الجماعي، كتواجد معتقلات سرية بالمكان ،أو إحساس الساكنة بعقاب جماعي تلا أحداثا سياسية معينة. و أشار كذلك إلى المقاربات التي سيعتمد عليها البرنامج. و لم يغفل ذكر تبني المغرب فلسفة العدالة الانتقالية و التزام المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بتنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة. و يرى السيد عبد اللطيف قاسم أن مسلسل إعداد التصور« مر بثلاث مراحل:
1994-2003 : مرحلة التحسيس والتعريف بالملف.
2004--2005 : مرحلة اشتغال هيئة الإنصاف والمصالحة.
2005- : الشروع في تنفيذ توصيات الهيئة من طرف المجلس الاستشاري للحقوق الإنسان». و يضيف أنه «بعد تشكيل التنسيقية المحلية لجبـر الضرر بزاكورة يوم الأربعاء 31 أكتوبر 2007، نظمت ورشات للبرمجة والتخطيط حول برنامج جبـر الضرر الجماعي، وحفظ الذاكرة بالإقليم انتهت إلــى صياغة البرنامج المحلـي للتنسيقية.». و في محور الحفظ الإيجابي للذاكرة تم اقتراح ما يلي: «ترميم مراكز الاعتقـال بأكــدز و تاكونيت بتهيئة الأجزاء المهترئة ،و إعادة بناء الأجزاء المهدمة من الجدارن ،و تخصيص أجزاء من المركزين المذكورين لإنشاء مركبين اجتماعيين. و أخيرا وجب تهيئ حديقتين عموميتين ومسرح بالهواء الطلق ،دون إغفال خلق آلية مستقلة للتسيير (هيأة واحدة لتسيير المركبين) «. ويضم المكون الآخر إصــلاح مقبــرة أكــدز بصيانـتها وإنشـاء جـدارية داخـل المعتقل لحفــظ ذاكـرة المتوفين والمعتقلين ناهيك عن إصلاح الطريق المؤدية إلــى المركزين». و دون الوقوف عند التفاصيل الصغيرة نسجل أن السيد عبد اللطيف قاسم ذكر كل الجزئيات ذات الارتباط بالمشروع. و عقب ذلك ،عرض شريط وثائقي حول ذاكرة فاطمة أوحرفو والذي يشتمل على كل ما يتذكره سكان السونتات بمنطقة إملشيل حول الشهيدة فاضمة رجالا ونساء و أطفالا.
و في صباح يوم 3 مايو اتجهت القافلة نحو زاكورة لزيارة مقر النسيج الجمعوي للتنمية و الديموقراطية«RAZDED» الذي تأسس يوم 17 مارس 2007 ، بحضور أربعين جمعية و ثلاثة اتحادات جمعوية تضم جميعها 41 جمعية ،غطت بالتأكيد مختلف المناطق الجغرافية بإقليم زاكورة،لغاية المساهمة في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة و تحقيق الديموقراطية، و ذلك بدعم قدرات الفاعلين ابتغاء بناء قوة اقتراحيه ضاغطة للمرافعة حول الشأن العام بالإقليم. و من أهداف النسيج أيضا تعزيز المصالحة بالحفاظ على الذاكرة و جبر الضرر بالإقليم، و العمل على تحقيق التنمية المحلية المستدامة بأبعادها الاقتصادية الاجتماعية البيئية و الثقافية فضلا عن المساهمة في ترسيخ الديموقراطية و حقوق الإنسان. و للجمعية ميثاق يقضي احترام الكرامة الإنسانية، ورفض كافة أشكال التمييز القائم على أساس العرق والدين و احترام حقوق الطفل، و التنوع الثقافي و المحافظة على البيئة. و على الرغم من حداثة تأسيس النسيج فقد نظم ورشة لإعداد المخطط الاستراتيجي وأعد حفل تأبين إدريس بن زكري يوم 23 يونيو 2007، و شارك في اللقاء الوطني الأخير الذي أعده الفضاء الجمعوي في شهر فبراير الماضي، و قام بتشخيص واقع النساء بإقليم زاكورة منظما دورات تكوينية لفائدتهن. و لقد استفادت من خدمات النسيج في محو الأمية حوالي 5000 امرأة. وللنسيج مستقبل واعد.
و ختاما حملت القافلة رسالة المصالحة بالجنوب الشرقي المغربي و نبشت في ذاكرة المنطقة مستحضرة أواصر القرابة بين أحواز سجلماسة و سوس الأدنى بواد درعة. و سيظل قبر فاضمة أوحرفو شاهدا على أن للجنوب المغربي روابط ثقافية وخصوصيات مشتركة يجب الحفاظ و ترسخها.