حقوق المرأة كل لا يتجزأ



ناجح شاهين
2004 / 4 / 17

حقوق الإنسان الديمقراطية برهنت على فشلها الذريع، نقول ذلك بشيء من الثقة. في الواقع لا نتردد في اعتبار النظم الديمقراطية، أو جلها نظماً أحادية شمولية أكثر مما كان نظام ألمانيا النازية، أو نظام شرق أوروبا بتنويعاته.
يحضرنا في هذا السياق آلية الانتخاب وأخذ القرار في النظم الديمقراطية الرأسمالية. وهي كما أصبح القاصي والداني على علم واطلاع دقيقين، تقتصر على من يملك الثروة. أي نخبة النخبة في الطبقة المسيطرة، ونعني بها البرجوازية بطبيعة الحال. ولأن هذا ليس موضوع هذه الورقة الصغيرة فإننا نكتفي بإحالة القارئ إلى التاريخ الأمريكي المعاصر بوصفه نموذجاً صافياً للديمقراطيات الرأسمالية كما هي في ذاتها -كما يقول الفلاسفة- بريئة من كل تشويه. لا جرم أن الرؤساء كلهم من علية القوم، ولا غرابة في ذلك؛ بسرعة نقول إن نظام الانتخاب والدعاية يجعل دور الجماهير من عوام، وحثالات العوام على السواء، يقتصر على اختيار واحد من حزبي النخبة، وواحد من ممثلي حزب النخبة ليكون رئيساً. أما سياسة البلاد في ظل قيادة النخبة فإن المنجمين وخبراء الفيزياء المعاصرة بمجاهرهم الدقيقة يمكن أن يحددوا الفروق بينها سواء أكانت ديمقراطية أم جمهورية.
إذن فإن الاختيار الذي يقوم به الناخب هو اختيار متلاشي على حد تعبير سارتر. إن كل سيدة في أمريكا، والمثال لسارتر كذلك، تشتري نفس بنطال الجينز الذي تشريه غالبية النساء متوهمة أن اختيارها غاية في التميز. والفضل في هذه الأغلوطة في الحكم تعود لمهارة صانعي الدعاية التجارية بالطبع. هذه مجرد أمثلة أولية على كيفية إدارة النظام بشكل يوحي بأن الناس أحرار بينما هم في الواقع أشخاص مستلبون لا حول لهم ولا قوة، ضائعون في مواجهة ماكينة عملاقة تفكر بالنيابة عنهم وتدفعهم بالإيحاء إلى فعل ما تريده ظانين أنه هو بالضبط ما يريدون: إنها تخلق الحاجة وطرق تلبيتها على السواء.
أردت أن أقول هذا مقدمة لقراءة ما يجري في مستوى الجزء الأكثر استهدافاً بالاستغلال الطبقي والسياسي منذ عصر المجتمع الطبقي الأول، وأعني به المرأة التي دخلت لعنة الاضطهاد منذ دخول البشر عصر الزراعة.
يدور الحديث عن تحرير المرأة ومنحها حقوقها في حدود المصالح المحلية أو العولمية. وفي الحالة العربية وخصوصاً الفلسطينية وبسبب من استشراء البطالة الناجمة عن عجز التنمية – نقيضاً لبدايات البطالة الراهنة في الشمال بسبب من المكننة والأتمتة والحوسبة الزائدة والتي بلغت على رأيهم مستوى ما بعد الحداثة- نقول إن الوضع الفلسطيني لا يتهيأ في المستوى التاريخي نعني الاقتصادي في تفاعله مع الاجتماعي-الثقافي؛ أبداً لا يتهيأ لاستقبال ثورة على صعيد المرأة، ومن هنا على وجه التحديد تبدو محاولات السلطة والمنظمات غير الحكومية لتنفيذ الرغبات الممولة " بتحرير " المرأة خصوصا في المستوى السياسي، محاولات هزلية لبعث الروح في مومياء توت عنخ آمون. ولا بد أن إعطاء النساء وزارة للمرأة مع كون صاحب الوزارة امرأة، أو إعطاء النساء بضع مقاعد في "التشريعي" لن تقود إلى اختفاء الاضطهاد الجنسي، إنما ستقود بالضرورة إلى إخفائه، على لأقل في حارة رام الله التي تعيش عزلة نسبية عن بقية أشلاء الجسد الفلسطيني الممزق.
لذلك علينا أن نتجه بالبحث إلى "صعيد" فلسطين الذي لا يقل ضراوة من نواحي كثيرة عن صعيد مصر على الرغم من كل ما جرى على صعيد السياسة من مساهمات نسوية وصلت حد المشاركة بالعمليات الإستشهادية ذاتها من قبل فتيات بل وأمهات تركن أطفالهن ليلتحقن بالشهادة. ما تزال المرأة في "صعيد" فلسطين في وضع أسوأ من مثيلتها المصرية بسبب من غياب القانون الذي يسعفها، بينما يوجد هناك حد أدني من التراكم القانوني الذي نفذته مصر البرجوازية: مصر طلعت حرب وواصلته مصر عبد الناصر، ولم ترتد عنه حتى مصر السادات. في فلسطين تبدو حقوق المرأة الاقتصادية في الحد الأدنى والمقرة من قبل الدين بكل ما له من ثقل في مجتمعنا غير قابلة للتطبيق. وبهذا المعنى فإن وضع المرأة الفلسطينية يرتد إلى ما دون القرن السابع الميلادي. أي أنه يقترب من مستوى عصر العبودية. ونقصد بالطبع في نواح معينة مثل ميراث المرأة وفي الجانب المتعلق بميراث الأراضي تحديداً.
تخبرنا الوقائع العارية والمجردة أن المرأة مستثناة من حقوق الملكية إلى درجة أنها لا تجرؤ على المطالبة بها. وهي تعتبر عاقة وبنت حرام وشاقة لعصا الطاعة إلى درجة التبرؤ منها وربما قتلها في بعض الحالات إذا تجرأت على المطالبة بحقها في الميراث. وأما عند الزوج فهي أيضاً لا تملك شيئا. وغني عن البيان أن المرأة العاملة يمكن أن تسهم مع زوجه في بناء بيت باهظ الثمن بل يمكن أن تكون مساهمتها أكثر من مساهمة زوجها، ولكن إذا وقع خلاف فإنها تخرج من المنزل دون أية حقوق، بل إن الأولاد لا يعودون أولادها. إنها تخرج من دنياها صفر اليدين: فلا بيت الأهل يقدم لها أي شيء بوصفه حق، ولا بيت الزوجية، فهي إذا متسولة مهما يكن من حال.
وأما في المستوى الاجتماعي، وخصوصاً البعد الجنسي، فإن المرأة عار منذ الميلاد وحتى الوفاة. وتحديداً فترة صباها وحبها وخطبتها وزواجها، فهذه الفترة كريهة بالنسبة للأهل، ولا بد أن فعل الجنس الذي ُتعدها الطبيعة له هو أمر مقيت ومهين لأهل الفتاة. ومن هنا فهو محتمل بالكاد وسط حماية مؤسسة الزواج، وأما خارجها فهو يستحق القتل، وإن يكن تعبيرا عن حالة عشق لا تتكرر. وأما في حالة الولد الذكر، فإن المجتمع ينظر بعين الرضا والسرور إلى مغامراته الرجولية التي تعبر عن الفحولة، وينطبق عليها المثل الشعبي الفلسطيني: دلع الولد بغنيك ودلع البنت بخزيك؛ هكذا ببساطة.
في مثل هذه الظروف ما تزال الفتاة تتعرض للموت إذا مرضت مرضاً قد يتطلب علاجه الكثير من المال، فلا يمكن بيع قطعة من الأرض من أجل نفقات علاج بنت أياً كانت ثروة الأهل. وكذلك يمكن التضحية بالفتاة بالقتل إذا تعرض شرفها للخدش بأي معنى: مثلاً أن يخدعها شاب أو أن تكون على علاقة حب مع شاب ويتعرض هو لما يمنعه من الزواج بها، فتفتضح ممارستها معه، أو أن تتعرض للاعتداء من أخيها أو أبيها؛ تخبرنا مراكز البحث أنه في كل هذه الحالات تدفع المرأة الثمن. ونحن هنا لا نتحدث عن الاستثناء، نحن على العكس نقصد إلى تقديم معلومات تتعلق بالعادي والمتوسط لكي نخلص منه إلى القول بأن الكلام عن تطوير وضع المرأة سياسياً يبقى في إطار النفاق العولمي الممول ما لم يرافقه قوانين فعلية تحمي المرأة في المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وخصوصاً في أشد القضايا التي تثير الحساسية مثل الميراث، ومثل حقوق الزوجين عند انفضاض شركة الزواج، وكذلك فيما يخص أبعاد القصة الجنسية كلها خارج مؤسسة الزواج أو حتى داخل تلك المؤسسة التي ما تزال ُتملك المرأة للرجل. لكن هذه قصة أخرى تفتح موضوعات كثيرة مثل تعدد الزوجات وغيره، وليس هنا من متسع لمناقشة كل ذلك.