هكذا يعاملون نسائهم ... وبهذه الطريقة نعامل نحن نسائنا .. فهل من مجير ؟؟



حامد حمودي عباس
2009 / 5 / 10

في لحظة من لحظات التجلي ، وحينما ساقنى الاشتهاء لسرقة فسحة من خلوة تبعدني عن هموم العائلة فدخلت الى احدى المقاهي العامة في مكان اغلب رواده من الاجانب .. لقد اعتدت سابقا ان الحظ واحد من الكفار الاوربيين وسواهم من سكنة الكوكب الاخر البعيد عنا ، وهو يقدم المرأة امامه عند مدخل كل بناية يرومان الدخول اليها ، أو ينحني ليقبل يدها وهو لا يحمل شيئا من الشعور بانتقاص الكرامه .. غير انني في ذلك اليوم احسست بضيق شديد كاد ان يستلب مني لحظة السكون ووجدتني في امس الحاجة للبكاء كي اريح نفسي وامنحها اشباعا مفقودا من الراحه ، لقد دخل الى المقهى مجموعة من الرجال والنساء الاوربيات ، وما ان وصلوا الى الطاولة التي اشارت لهم النادلة عليها حتى اسرع الرجال منهم الى تهيئة المكان لجلوس النساء وبحركة خفيفة وكانهم امام تأدية واجب مقدس ، وكنت وانا اتابع كيفية دفع الكراسي من قبلهم لتسهيل جلوسهن ، احس بركامات من ارث مقيت تطبق على روحي وانا مرغم على تصنيف ذاتي بالانتماء الى فصيلة لا تحترم المرأه تذكرت حكاية كانت زوجتي قد روتها لي في صباح نفس اليوم عن شقي يسكن في نفس الحي الذي كنا نستاجر فيه بيتا في العراق ، عندما كان يهرع كل صباح لضرب اخته المطلقه ويكومها بباب الدار وامام الماره مستخدما هراوة غليضه ، وكانت المرأة تتلوى كالطير الذبيح تحت ضرباته الوحشية دون ان يستطيع احد حمايتها منه ، وكانت امها تقف وهي تبكي في مكان بعيد لا تقوى على تخليص ابنتها من ذلك المجرم ، ودائما السبب في القصاص هو ذاته .. تاخرها في تلبية طلباته أو ازعاجه من قبل ابنتها الرضيعة والتي تركها ابوها ليتزوج من ثانية عملا بشرع الله وتعاليم ذوي الفتوى وفقهاء الدين الافاضل . كان الاسم الحركي لذلك الشقي هو ( علي ماليبو ) .. ولم يمر وقت طويل حتى قام ماليبو هذا ببيع الرضيعة ابنة اخته لعائلة ثرية مما اضطر والدها لاقامة الدعوى القضائية عليه طمعا في تعويض ما ، وانتهت القصة حينها برفض الدعوى لعدم ثبوت الادله ولكون امها قد شهدت لاخيها تحت التهديد بان ابنتها ضاعت منها اثناء تأديتها لزيارة ضريح الحسين بن علي بعد ان تركتها امانة عند احدى النساء ، علي ماليبو سمعت عنه قبل أشهر بانه اصبح وبقدرة قادر ضابطا للشرطه في احدى المحافظات ، وانه متنعم ويمتلك سياره قيل عنها بانها فارهه ، غير انه مات بسبب قيادته تلك السيارة وهو متوجها الى بغداد كونه كان ثملا كالعاده ، وقد احتفلت انا شخصيا وعلى طريقتي الخاصة بهذا الخبر السعيد . .. . الصورة القاتمة للفتاة وهي تتلوى يوميا تحت هراوة ماليبو لم تفارقني وانا ارقب اولئك الاجانب وهم يعاملون نسائهم برقة انسانية رفيعة المعاني ، وقد تذكرت كيف ان الشرطة لم تكن بمقدورها محاسبه ماليبو على فعلته لانه لم يكن يقع تحت طائلة القانون ، فهي اخته ، وهي امرأه تستحق التأديب ، وهو رجل وقيم عليها كما قال كتاب الله في محكم آياته ..
لقد اتعبني جلد الذات وكأنني في لحظتها أرى بأم عيني جسد تلك المرأة يدمى بسياط مجرمة موغلة في الجرم ، وما استفز في داخلي الاحساس بالغضب شعوري بأن وحوش ضارية اخرى سوف تتصدى لي ان اعلنت غضبي لتوصمني بالكفر والالحاد وتبين لي بان الامر لا يتعلق بالدين ولا بالشرائع المقدسه ، وانما هو فعل فردي يتحمل صاحبه وزره ، وان الله سيعاقبه يوم القيامة على ما فعل ، وعلينا ان نكتفي بذلك ولا نتدخل فيما هو من اختصاص الرب .
لا أعرف متى يحق لنا أن نعتقد بأن على الرب ايقاف الاقدام على تحريف تعاليمه ليرفع عن خلقه كل هذا الظلم الواقع عليهم من قبل محرفي هذه التعاليم ؟ .. متى نستطيع التأكد من أن القسوة بحق النساء والقذف بمقدراتهن الى سلات مهملات تفكيرنا هي ليس من تعاليم السماء ولابد من وضع المرأة في موقعها الطبيعي فلا ترجم ولا تحرم من قيادة السيارة ، وتقبل شهادتها في المحاكم ، ويجوز لها ان تكون قاضية ومحامية تترافع وتدافع عن الحق ، ومتى نجيز لها الطلاق من زوجها متى تشاء وكيف نحميها من فتاوى فقهاء التعسف ضدها لنصرخ بوجوههم انكم اعداء الله لانكم لا تمثلون شريعته السمحاء ، ولا يجوز لكم باي شكل من الاشكال اجازة الزواج منها وهي لم تزل رضيعة وتستمنون شهواتكم القذرة في ايديهن وهن صغار لا يفهمن غير الطبع النظيف ، متى يسمح لنا باصطحاب زوجاتنا وبناتنا الى المتنزهات العامة دون رجمنا بالكفر والتفكك الاسري والحكم علينا بقطع الايدي من خلاف ، متى نتمكن من اعلان التمرد على احكام الجور ضد نسائنا دون ان يقام علينا الحد بالقتل علنا عملا بشريعة هدر دم الكفار ؟؟؟؟ . لقد أضعنا شرع الله وسط هذا الكم الهائل من الفتاوى ومسالك الاجتهاد غير المحصية بعدد ، ولم نعد نفهم اين الحقيقة في خضم هذا الهدير المتصاعد من التفسيرات المتواترة والمتزايدة دوما لشيوخ المنابر وزعماء لجان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .. ودوختنا سير السابقين من اصحاب الفضيلة اسلافنا الاماجد ونحن نبحث في هذه السير مدخلا لنا يدلنا على الحقيقة المفقوده ، فهم الى جانب كونهم كثر ، تختلف سيرهم الذاتية المطروحة على بساط البحث ، فمنهم من نكح مثنى ولم يجز الثلاث ، ومنهم من نكح اثنى عشر وأجاز زيادة العدد ، وغيرهم صرح بتفخيذ الصغيرة ، وآخرون اباحوا لنا اتيان النساء من الدبر ، في حين لم يمانع غيرهم بلمس الرضيعة عن شهوه .. تائهون نحن حقا امام سيل عرم من الاحاديث النبوية والتي يلطموننا بها على هواهم كلما تشجعنا وفتحنا افواهنا لنستنكر فعلا ما ، في حين يصرح الاضداد من حملة مذهب ديني آخر ليقولوا لنا لا تصدقوا ما يقوله أضدادنا من المذهب الاخر فان صاحبهم قال قبل موته ( لقد دسست في دينكم الف حديث كاذب ) ..
انها مصيبة زرقاء تلك التي نحن فيها حيث نجابه الملايين من الوعاظ وخطباء الجمعة والمقربين من أولياء الله وشيوخ الفتوى والمخولين بادارة شؤن العباد ورسم سبل حياتهم رغما عنهم ..
ألنساء في بلادنا لا زلن تحت رحمة مجتمعات لا تبيح لهن حتى ارتياد المرافق الصحية العامة ان شعرن بالحاجة لذلك ، وتقول الناشطة الحقوقية السعودية سعاد الشمري بان المرأة في بلادها حينما يقدر لها أن تقصد مركزا للشرطه لتقديم شكوى بهرع لها الواقفون على باب المركز مستنكرين عليها فعلتها الجرمية الكبيرة ويصرخون بوجهها أن ادخلي الى هذه الغرفه بسرعه .. والغرفة المقصوده هي أساسا قد تكون مخزن للاثاث المستهلك أو مكانا لتجميع اللصوص ممن تم القاء القبض عليهم وهم بانتظار حسم قضياياهم امام القضاء ، وتقول ايضا في مقابلة اجرتها معها قناة الحره بأنها حينما تمردت وأصرت على القيام بالمرافعة في المحاكم كمحاميه كانت في كل مره تتحايل على الشرطة كي تدخل بناية المحكمه متسترة بشتى الاعذار ... كل هذا ونحن لا زلنا نبحث عمن يهدينا الى الصحيح من الاحاديث النبوية كي تحمينا من شطط السلوك .
يقولون لنا بأن دين الله هو دين الفطره .. فأية فطرة انسانية تبيح لي تصديق ألحق في ضرب المرأة أو ادخالها عنوة الى بيت الطاعة حينما تهرب من بيت زوج باغي ومستهتر بقيم الاسره ؟ .. أية فطرة هذه والتي تجبرني على هتك حقوق زوجتي وابنتي حينما اجبرهن على دفن انفسهن خلف الجدران في حين اتمكن أنا الرجل بموجبها اتيان ما اشاء من نكح وفضح وتلصص والسياحة في ارض الله والنوم في فنادق الدعارة الاوربية والزواج ممن اشاء من النساء ؟ .. أية فطرة تلك التي توحي لي بأن أسفك دم كائن بريء بتهمة غسل العار وأنا تحت حماية الشرع والقانون ، وأية فطرة تلك التي تتيح لي ولمجرد كوني رجل حبس المرأة عن السفر والتعلم والعمل والمساهمة في صنع القرار ؟؟.
ومهما يكن من الامر .. فانني لا زلت ممن يدعون الى ترك الحوار مع هؤلاء الدخلاء على صنف البشر والذين يسعون لاماتة كل فرح في النفوس لحساب دعاواهم الفارغة من كل محتوى معتبر ، وأنهم يسعون فعلا الى اطالة هذا الحوار لايمانهم بأنه مدعاة لاطالة بقائهم في ساحة الصراع بين الحق والباطل ، بين الحياة والموت ، بين السعادة والشقاء ، بين الامل وانطفاء حذوة الاحساس ببناء مستقبل واعد للاجيال المتعاقبه ... ودعوتي ستبقى دوما للمرأة أولا أن تتمرد على واقعها المريض وتخرج الى دنيا الفضاء معلنة سخف كل الافكار التي تدعوها الى الاستكانة والخضوع ، وعليها أن لاتقبل بانصاف الحلول فتظهر نصف ميتة خلف حجاب مفروض عليها دون رغبتها ، عليها أن تلقي بخرق التخلف عن رأسها لتطلق حركتها بكامل حريتها وتقول للعالم بأنها موجودة وغير غائبه ، عليها أن تساهم بحماية اطفالها البنات من زيف حجاب آثم وبغيض جعل الكثير من الصغيرات في الصفوف الابتدائية يرزحن تحت ضغطه مما يعرقل فيهن روح المرح الطفولي البريء .. ولابد لهن من اعلان الحرب باصرار وقوة على جميع مظاهر التخلف المفروضة على المرأة في بلادنا كي لا تنظم مرغمة الى صفوف اعدائها حينما تظهر وكأنها مفسرة للارث العقيم من معالم حياة الاسلاف اثناء دفاعها عن حقوقها المهظومه .. فليس هناك من تفسير غير الخوف والتراجع حينما نرى امرأة واعية ومنتمية للحركات النسوية التقدمية وهي تتلفح بالسواد حتى قدميها عندما تظهر على شاشات التلفزيون مدافعة عن حقوق المرأه ، وحينما تجهد نفسها بتأويل الاحاديث النبوية وتشغل وقت الحوار معها بمحاولات اظهار زيف ما وضع من تاريخ لتستبدله بتاريخ آخر ، كون ان التاريخ الشاخص امامها هو نفسه كما وضعوه لها وليس هناك تاريخ غيره .. ارث مريض لا يتعافى يحمل صور شتى من القتل والسلب والنهب ورجم النساء والاخذ بالشبهه ونفاق السلطان والقتل على الهوية ومحاربة التجديد وهتك الاعراض وسلب الحريات العامه ... ارث عليل في كل صوره يحاولون عبثا تجميله بشتى السبل حين الشعور بتعارض نواميسه وما يحمله من جنايات مفضوحة بحق الطبيعة والارض والانسان ، فيضيفون اليه من خلال محاولات الاحياء البائسة منشطات لا تنفع ، كونه ارث ميت لا حياة فيه ولا رجاء بوقوفه مجددا وقد عافته البشرية لتسير حثيثا باتجاه التقدم والبناء .
على المرأة الواعية في بلادنا أن تستقطب بنات جنسها لرص الصفوف أمام ظاهرة الذكورية المتعنته والمستبده ، والامعان في طعن كل سبل التخلف من خلال حركات نسوية تؤمن بالحرية الكاملة للمرأة ولا ترضى بغير ذلك مهما كانت الاعذار .