ثورة البراقع اللامرئية



نضال نعيسة
2009 / 5 / 16

هذا العنوان ليس من عندياتنا، كما أنه ليس من تلك المواقع "المشاغبة"، التي تثير "الزوابع والغبار"، اللا مرغوبة أحياناً، في محيطنا العربي والإسلامي، إنه وببساطة مركزة، عنوان لتحقيق مثير لصحيفة كريستشن ساينس مونيتور، وقعته بقلم هيئة التحرير في الجريدة المذكورة، تتحدث فيه عما أسمته ثورة البرقع الخفية أو اللامرئية An Unseen burqa Revolution ، تلحظ فيه جوانب عدة لما تقول عنه أنه ثورة "المبرقعات"، لكنها، ثورة صامتة هادئة وغير مرئية، في عموم العالم الإسلامي تحقق المرأة المسلمة من خلالها إنجازات عدة وعلى صعد، مختلفة ومتنوعة. وربما هذه "اللامرئيانية" الصامتة ستكون أحد الوسائل التغييرية المبتكرة ضد الهيمنة الذكورية الطاغية والتي لم تسمح، أبداً، بسلبها مكتسباتها التي حافظت عليها عبر التاريخ والزمن، والحاجة، حاجة المرأة للخروج من شرنقتها، هي أم الاختراع، والدافع على ما يبدو لثورة البراقع الخرساء.

فعلى الرغم من أن مكاسب المرأة في الدول الإسلامية ما تزال متفاوتة من مكان لآخر، غير إنها، أحياناً، جديرة بالاعتراف والتوقف. ففي كل سنة هناك تقدم جديد يتم إحرازه على صعيد حقوق المرأة في الدول الإسلامية، ورغم أنه يتم التعتيم على تلك الإنجازات والمكاسب بأدخنة أنباء نارية قد توحي بالنقيض من ذلك.

وفي الجانب "النيجاتيف"، أو والأسود من الصورة، يمكن أن نلحظ عدة حوادث وإشارات، ففي هذا الربيع، مثلاً، ارتفعت صيحات احتجاج أنثوية شديدة من إحدى مدارس البنات الباكستانية، غير أنها قوبلت، بالطبع، بقمع صارم من قبل الطالبان. وقد استرعى، على سبيل المثال، قانون أحوال مدنية أفغاني جديد، مثير للجدل، يرتقي إلى درجة الاغتصاب الزوجي المصادق عليه شرعاً، وقانوناً، وبحق المرأة الشيعية تحديداً، احتجاجاً عنيفاً من قبل دول الناتو التي وقفت ضده بشدة. وفي الدول العربية، حتى الآن، تمتلك المرأة أدنى قدر من معدلات المشاركة السياسية، وبمفارقة مرة، أعلاها في ميدان الأمية.

ولكن، هذا ليس كامل القصة. فهناك جانب مضيء وإيجابي منها، دائماً. ولذا، فإنه من الأهمية بمكان، الاعتراف بكل الانتصارات الكبيرة منها والصغيرة، فالمرأة فازت، على سبيل المثال، بـ 25% من المقاعد في الانتخابات المحلية العراقية التي جرت في 31 يناير/ كانون الثاني، كما تم تعيين امرأتين بمنصب قضاة في الشريعة في الضفة الغربية ويبدو أنهما من الأوائل من العنصر الأنثوي في الشرق الأوسط، في هذا المجال.

وفي الباكستان، انقلب الرأي العام على الرؤية والتفسير الطالباني المتشدد والمتحجر للإسلام. والسبب الظاهر في ذلك، كان شريط فيديو تم تداوله على نطاق واسع، يظهر جمهرة من الناس يقومون، وعلى نحو وحشي ومنفر، بجلد فتاة شابة على الملأ. ولكن، وفي الوقت الذي يواجه فيه الجيش الباكستاني قوات الطالبان، علينا أن نتذكر بأن هذا البلد المسلم انتخب، ولدورتين، سيدة في منصب رئيس الوزراء، ونعني بها الراحلة بنازير بوتو والتي كانت قد تحدت تحذيرات مسبقة بالموت من قبل الجماعات المتشددة. صورة أخرى أكثر جمالاً، ورونقاً، وهي أنه في السنوات العشرين الماضية، ورغم ندرتها في العالم العربي تحديداً واستثنائه من هذه الإيجابية، تبوأت رئيسات الوزراء دفة القيادة في كل من أندونيسيا، (وهي بالمناسبة أكبر دولة إسلامية في العالم)، كما هو الحال في كل من بنغلادش وتركيا.

أما الأحدث في هذا السياق التطوري، فهو ما أعلنته مؤسسة بيت الحرية، التي تتحرى واقع الحريات حول العالم، من أنها وجدت أن ست دول من منظومة دول الخليج الفارسي، قد أحرزت جميعها تقدما في مجال حقوق المرأة سياسياً، واقتصادياً وقانونياً، وذلك اعتباراً من العام 2004، وحتى العام الماضي، حسب دراسة المؤسسة.

لكن هذه المكاسب لا تأخذ طابعاً نسقياً، بشكل عام، وتتفاوت من بلد لآخر. فالعام 2006 شهد تطوراً ملحوظاً لصالح المرأة الكويتية التي اقترعت ونافست على مناصب في انتخابات محلية وعامة لأول مرة في تاريخها. وأما بالنسبة للمرأة السعودية، فالأمر غير ذلك، إذ لا يمكن لها أن تقترع حتى الآن. وأما المرأة المغربية، فقد أصبحت تستحوذ على حقوق مالية في الزواج كما في الطلاق والفضل في ذلك عائد لقانون العام 2004،غير أن 10% من الزيجات الراهنة ما تزال من القاصرات، وتجري اليوم عملية ضغط كبيرة لتغيير هذا الواقع.

وفي الحقيقة فلقد كان الغرب هو الملهم الأول لنساء الدول الإسلامية للتأكيد على حرياتهن. وتتوفر اليوم للرئيس باراك أوباك فرصة ذهبية وسانحة ليدفع ذاك الإلهام مزيداً نحو الأمام، وذلك من خلال خطابه، المزمع توجيهه للعالم الإسلامي من مصر في الرابع من يونيو/ حزيران القادم. ومن جهة أخرى، فإن كثيراً من النساء، والرجال في عمق العالم الإسلامي ما زالوا ينظرون للتأثير الغربي باعتباره نوعاً من التقريع المثير لحساسية ثقافتهم الإسلامية.

وإذا كانت حقوق ومصالح المرأة في حال من التقدم الملحوظ، فإن عملية دفع ذلك ينبغي أن تأتي، بالدرجة الأولى، من العالم الإسلامي نفسه، وليس بالاعتماد على الغرب أو على أية جهة في هذا العالم. والضغط باتجاه التغيير يبدو أمراً جلياً، من القمة إلى القاع، من جماعات النساء على مستوى القاعدة، إلى السيدات الأوائل. وعلماء الإسلام يدلون برأيهم قائلين بأن حقوق المرأة تنسجم تماماً مع تعاليم القرآن. كما أن هناك تقدماً في مجال التحصيل المعرفي، وقوة العمل النسائي تتصاعد باضطراد لتزيد من الرغبة لدى النساء لتحصيل المزيد من الفرص والاستقلال.

ولا يمكن، في هذا السياق، تجاهل ما للشبكة العنكبوتية من تأثير جوهري وحيوي، فالإنترنت يلعب دوراً بارزاً في هذا المجال، لإذ تورد الصحيفة مثلاً عن السعودية بالقول، إن موقع الفيس بوك، يحث النساء على مقاطعة محلات بيع الملابس الداخلية النسائية حتى تستخدم النساء كبائعات بدل الرجال. وفي إيران شنت النساء حملات عبر الشبكة العنكبوتية لتغير القوانين التي تحض على كراهية المرأة الـ Misogyny.

وإجمالاً، من المحتمل أن يكون القانون الأفغاني قد تسبب في موجة الهيجان في الغرب، ولكنه تسبب، وبشكل مثير للعجب، في نفس الأمر في أفغانستان أيضاً. فالمناهضين له، بمن فيهم الرجال، لم يلتزموا جانب الصمت أبداً. وفي الحقيقة، فهذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن للنساء من خلالها، أن يحققن، المكاسب في الدول الإسلامية، وفي كل مكان، وذلك بالدفاع عن أنفسهن، وبإقناع الرجال لمؤازرتهن في ذلك.

إنها الثورة الخفية اللامرئية والصامتة التي تعتمل تحت السطح في عموم العالم الإسلامي الذي يراكم قرونا من ممارسة الاضطهاد والتمييز ضد المرأة، وإنه من المبكر جداً الحديث عن اختراقات كبرى في هذا المجال يمكن تلمسها على شكل تغييرات سلوكية ومفهومية جذرية على مختلف الصعد، غير أنه يمكن الجزم، وبكل تأكيد، أن العمل قد بدأ، وأن قطار التغيير قد شرع بالهدير إيذانا بالنقلة الكبرى المأمولة نحو واقع جديد، ويمكن ملاحظة ذلك من مكان غير قريب.