المرأة الكويتية فازت رغم الفتاوي الرجعية



ابراهيم علاء الدين
2009 / 5 / 18

انتصار غير متوقع الا من قلة قليلة من صناع الاحداث حققته المرأة الكويتية عندما فازت اربعة منهن في انتخابات مجلس الامة امس، رغم الفتاوي الرجعية والحملات القاسية التي تعرضت لها بعضهن، ورغم التحالفات المضادة التي شكلها ممثلوا التيار السلفي والاخوان المسلمين.
وتصدرت كل من الدكتورة معصومة المبارك والدكتورة اسيل العوضي والدكتورة سلوى الجسار والدكتورة رولا دشتي القوائم في دوائرهن الانتخابية، بل احتلت الدكتور معصومة الاستاذة في العلوم السياسية المركز الاول في الدائرة الاولى باصوات هي الاعلى في تاريخ الدائرة، كما احتلت الدكتورة اسيل الاستاذة الجامعية المتخصصة في علوم الفلسفة السياسية المركز الثاني في الدائرة الثالثة متقدمة على النائب المخضرم ورئيس مجلس الامة السابق احمد السعدون، فيما احتلت الدكتورة سلوى المركز الخامس في الدائرة الثانية والدكتورة رولا المركز الثامن في الدائرة الثالثة. حتى المحامية ذكرى الرشيدي وبالرغم من انها لم تحقق الفوز الا انها حققت نجاحا كبيرا بحصولها على عدد كبير من الاصوات لم يحصل عليه الكثير من الرجال في الدائرة الرابعة التي تكتلت فيها القوائم مخترقة بذلك احد قلاع القبلية في الكويت.
وقد نالت النساء الاربع هذا التاييد الكبير من الناخبين نساء ورجالا رغم الفتوى التي اصدرتها الحركة السلفية وحرمت فيها ليس فقط ترشح النساء للبرلمان باعتبار عضويته ولاية عامة لا تجوز للنساء بل وحرمت على المرأة حتى الترشح في الانتخابات.
وقد حققت الدكتورة اسيل هذا الفوز الساحق بالرغم من الحملة الضارية التي تعرضت لها من التيارات الدينية حيث قدمت الحركة السلفية شكوى قضائية واتهمتها بازدراء الدين والتهكم على رجالة، وقد تصدت اسيل للحملة بثبات واقتدار والتف حولها المئات من الشباب والشابات واعتصموا الاسبوع الماضي احتجاجا على ما تتعرض له نائبتهم الليبرالية المستقلة الشجاعة.
وقد شهدت الدائرة الثالثة صراعا قويا بين التيارات الليبرالية والتيارات الدينية كان محورها المرشحات من النساء حيث عقدت حركة حدس (حركة الاخوان المسلمين) المعروفة باسم الحركة الدستورية اتفاقا مع مرشحين اسلاميين من الحركة السلفية لتبادل الاصوات بين كل من فيصل المسلم ومحمد الدلال وعبد العزيز الشايجي ووليد الطبطبائي وعادل الصرعاوي . وكان هدف التحالف المشار اليه هو اقصاء بعض المرشحين ومن بينهم الدكتورة اسيل العوضي والدكتورة رولا دشتي.
لكن النتيجة جاءت عكس ما سعت اليه التيارات الاسلامية حيث نجحت السيدتان فيما سقط الدلال والشايجي مرشحا حدس، التي منيت بخسارة فادحة ولم ينجح لها سوى مرشح واحد هو جمعان الحربش فيما خسرت الحركة السلفية ثلاثة مفاعد ولم ينجح لها سوى نائبين هما خالد السلطان رجل الاعمال الكبير وصاحب شركة مركز سلطان (الاسواق المركزية المنتشرة في عدد من الدول العربية، ومرشح اخر هو علي العمير.
وبذلك تراجعت قوى الاسلام السياسي بشدة خصوصا وان كثيرا من المحسوبين على التيار السياسي الاسلامي دخلوا الانتخابات كمستقلين ولم يحققوا الفوز. في الوقت الذي ازداد عدد الليبراليين الى ستة نواب بعد ان كانوا خمسة في المجلس السابق، كما حقق المرشحون الشيعة مكسبا كبيرا بفوز تسعة منهم بالانتخابات ، حتى الدائرة الانتخابية الخامسة وهي التي تضم اكثر عدد من المواطنين من ذوي الاصول القبلية تمكن بعض الليبراليين من اقتحامها او لنقل المتنورين ممن يحملون الهم العام من منطلقات وطنية تقدمية.
ولا بد من الاشارة الى عدم تمكن النائب السابق عبد الله النيباري من الفوز في الدائرة الثانية التي تنافس فيها ممثلون عن طبقة التجار والتيار السلفي والقبائل والشيعة والليبراليون مثل النيباري والسيد محمد العبد الجادر، وينتمي الاثنان الى التيار الليبرالي التقدمي بل واليساري، وكان بعض المخلصين قد نصح النيباري بعدم خوض الانتخابات خصوصا وانه فشل ايضا في الانتخابات السابقة، وقد حقق النيباري نسبة جيدة من الاصوات في المناطق الداخلية (الحضرية) لكن منافسيه تقدموا عليه في منطقة الصليبخات حيث يتركز فيها نسبة كبيرة من الشيعة والقبليين.
ويسيطر شعورا عاما بالسعادة في اوساط المواطنين الكويتيين للنتائج التي اسفرت عنها الانتخابات والتغيير الكبير الذي احدثته في التركيبة السياسية للمؤسسة التشريعية في البلاد، حيث فقد الاسلاميون حوالي 11 مقعدا وفازوا ب 11 مقعدا، فيما فاز الليبراليون ب 6 مقاعد والشيعة ب 9 مقاعد، والقبليون ب 20 مقعدا (6 عوازم، 5 مطران، 3 عجمان، 3 عنوز 2 عتبان، وواحد هاجري، وفاز المستقلون باربع مقاعد (يبلغ اعضاء المجلس 50 عضوا). مما يأمل معه ان يكون مجلسا للانجاز والتشريع بعد مجلسي التازيم والصراع والصراخ.
اما الامر الاكثر اهمية في نتائج الانتخابات الكويتية في الانعكاس المتوقع لها في الاقليم ، فالكويت البلد الصغير الذي لا يزيد عدد سكانه عن مليون مواطن يشاركهم نحو 5ر1 مليون وافد كانت دائما سباقة في الاقدام على مبادرات متميزة في مختلف الميادين وعلى الاخص الاقتصادية والسياسية فهي اول دولة في الخليج تقيم مجلسا للامة حيث جرت اول انتخابات تشريعية في عام 1963 وهي اول دولة تجيز للمرأة حق اللانتخاب، واول دولة تعين امرأة في منصب وزيرة .
ونتائج الانتخابات الكويتية سوف تنعكس على المملكة السعودية التي تحدها جنوبا ولا يوجد فيها مجلسا للامة، وعلى الامارات العربية المتحدة المنفتحة تجاريا واقتصاديا ومغلقة سياسيا، وعلى قطر التي تحاول منذ عقد تقريبا ان تكون نموذجا معتدلا، وعلى سلطنة عمان التي يوجد فيها ديمقراطية كامنة تنتظر شرارة للانطلاق.
ولن تقف تاثيرات نتائج الانتخابات الكويتية التي من ابرزها اتساع هامش الديمقراطية على منطقة الخليج بل على كامل المنطقة العربية، بل انها تعتبر مؤشرا كما ذكرت في مقال سابق على تنامي الاتجاه الرسمي الخليجي والعربي لتحجيم النفوذ السياسي للتيارات الدينية، وتنامي التيار الليبرالي، والذي انعكس في الكويت بهذه النتائج وما رافقها من تحركات وانشطة وفعاليات للاتجاهات الليبرالية التقدمية.
ملاحظة : قرأت في الصغر كتابا للناشطة السياسية نورية السداني كان عنوانه "المرأة الكويتية من الحصير الى الفراش الوثير" واليوم اعتقد انه يمكن ان يتصدى أحد او احدى الكاتبات لنشر كتاب تحت عنوان "المرأة الكويتية من السجن الكبير الى فضاء الديمقراطية الوفير".