قضية المرأة العربية بين التهميش والنفاق



بلقيس حميد حسن
2009 / 5 / 27

بعد ان استطاعت بعض الناشطات العربيات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة في عشرينات القرن الماضي ان يؤسسن لقضية المرأة لتصبح امرا واقعا لابد من التوقف عنده , وشأنا تناقش المرأة المثقفة به ومن خلاله مدى تناسب قوانين الاحوال الشخصية مع وعيها وحقها في الحياة , نراها تتعرض اليوم لأسوأ فترة زمنية تمر بها , حيث التيارات الدينية التي تتصاعد وتعج بالعالم العربي محاولة ابعاد المرأة عن الشارع والعمل وتحريم الدور القيادي لها, بوقت باتت هذه التيارات بافكارها السلبية ونظرتها القاصرة للمرأة تتضاءل وتذوي في بلدان العالم المتحضر , لتأخذ المرأة في الغرب مكانة اكثر انسانية وتتعمق مساهماتها بالحياة العامة وبناء المجتمعات الحضرية .
ولا اريد هنا ان اتحدث عن تاريخ وبديهيات هذه القضية التي بات الكثيرون ينزعجون منها لكثرة تكرارها بسبب من عدم التوصل الى حلول ترضي المرأة في مجتمعاتنا العربية الذكورية التي لازالت تتمسك بمفاهيم وموروثات بالية ترفض الاعتراف بانسانية المرأة وكمال أهليتها وأحقيتها بالمساواة مع الرجل , وبالتالي نرى ان هذه المجتمعات تفشل بمعالجة اهم المشاكل والعلل التي تعاني منها , فقضية المرأة وحلها مفتاح لحل مئات من القضايا العالقة بمجتمعاتنا وأولها الاوضاع الاقتصادية والامراض الاجتماعية المعرقلة للتطور والتي تحيلها الى تجمعات للزيف والازدواجية والايمان بالشعوذة واوهام سوء الطالع ومفاهيم ماكتب على الجبين ولايمكن محوه كما يعتقد غالبية ابناء شعوبنا العربية المقهورة تحت نير حكامها من جهة و مفاهيم التخلف من جهة اخرى لتعيش في دوامة الشقاء حتى اخر نفس..
فالنفاق في قضية المرأة من قبل الرجال مسألة باتت اشبه بالمرض العضال الذي لابد له من استئصال كعضو مريض لاعلاج له , يؤرق المصاب و ينكد على اهله حياتهم ويجعلها جحيما لايطاق .
ان المجتمعات العربية على درجة كبيرة من الأمية التي تصل في بعض البلدان الى اكثر من سبعين بالمائة , لكن ليست هذه النسبة فقط هي التي ترفض التغيير رفضا باتا انما مانسبته اكثر من تسعين بالمائة من الرجال تعتبر الحديث عن حقوق المرأة كفرا والحادا, بل حتى الطبقة المثقفة التي تدعي الليبرالية وتقرأ كتب التنوير والفلسفة والعلوم الاجتماعية , بل وتعتنق بعضها الفلسفة الماركسية وتتشدق بمصطلحات اجنبية وتحضر مؤتمرات ونشاطات للدفاع عن حقوق المرأة وقد تدبج المقالات عنها , الا ان هذا الادعاء وهذا البرقع يسقط في اول تجربة واختلاف مع امرأة ليبرز الوجه الحقيقي للرجل الشرقي الذي يشعر بان التفوق لدى المرأة يسرق منه الأضواء, وان حرية المرأة مسموح بها بحدود مملكته هو دون سواه, وبحدود امتلاكه لعقل وجسد هذه المرأة, والويل لها ان رفضت رجلا شرقيا طلب ودها في يوم ما , اذ سرعان مايحاول النيل منها بشتى الأساليب واحطّها, ناسيا او متناسيا خطبَهُ التي ملأ بها الاذان عن حقوق المرأة وانسانيتها , حتى تصبح تجارب المرأة العاطفية بالحياة عارا عليها, وللرجل الحق في كل شيء, وممارسة ماشاء دون ان يلتصق به شيئا , فهو حر وبريء مهما فعل, وهي متهمة وخاطئة حتى وهي في قمة عذابات الحب والبراءة..
ان هذا النفاق الذي يمارسه غالبية رجال الشرق في قضية المرأة يجعل تحقيق اهداف القضية عسيرا ,خاصة عندما نعلم ان صناع القرار وكاتبي القوانين والمسيطرين على حركة التقاليد وانتشارها ورسوخها في مجتمعاتنا هم الرجال, الرجل هو رب الاسرة المتسلط والذي يسمح او لايسمح , والذي يفرض التقاليد الصارمة في البيت اولا . لذا نجد ان الرغبة لديهم لازالت غير جدية لتغيير ذات الأسلوب الذي عاش به اجدادهم منذ قرون , والخروج على التقاليد البالية لايمكن ان يتم بتغيير القوانين فقط او ترشيح نسبة كبيرة من النساء غير المؤمنات اصلا بقضية المرأة ليكن عضوات في البرلمان كما حصل في العراق , حيث خرج العديد منهن متظاهرات ضد المرأة وحريتها وكسبها حقها في المساواة على اساس ان هذه المساواة خروج على الشريعة الاسلامية ..
كما ان هناك شريحة من نساء القصور يرفعن راية المرأة على أساس ان السيدة الأولى او نساء الطبقة الحاكمة لابد وان تكون لهن مكانة خاصة وعملا نضاليا ينادين به بعيدا عن حاجات المرأة في مجتمعاتنا الفقيرة, بل بعيدا عن تغيير القوانين والتقاليد التي تعرقل النمو في المجتمع وتسحق محور الاسرة وصانعة الحضارة , وهذا يعتبر تجميلا لهن وتمييزا عن سواهن بالمجتمع وتقليدا للطبقات الراقية في المجتمعات المتحضرة , وان دورهن هذا لن يغير شيئا سوى لسكان القصور والمتعاملين معهم , وهم الاقلية المنفصلة عن اغلبية الطبقات والشرائح التي تشكل المجتمع.
ان المجتمعات العربية للاسف لم تستطع ان تنجح ولن تنجح في تفعيل دور المرأة العربية مالم ترمي وراء ظهرها جميع كتب القرون الوسطى وتبتديء قانونا وشريعة تتناسب مع التطور البشري والحضاري الذي يمر به العقل الانساني ان كانوا يؤمنون بان المرأة انسان , اما ان يظل الرجال وشيوخ الجوامع يلوكون ذات الكلام من ان الله كرم المرأة وهم يعاملونها كأسيرة , ويستكثرون عليها حتى الكلمة الطيبة والاحترام , يكررون ان الله كرم المرأة ويقطعون رأسها ان احبت واختارت رجلا لترتبط به او يرجمونها كفأرة او حشرة حتى الموت , فهذا يجعل الامل بتغيير وضع المجتمعات العربية كالامل بتجفيف البحر..