رأي في الحجاب ... مرة ثانية ..



شامل عبد العزيز
2009 / 5 / 30

قد يبدو موضوع الحجاب مملاً ومقرفاً لدى قسم من القراء الأعزاء وأن الكتابة فيه أصبحت تأخذ طابع المهاترات بين المؤيدين من جهة والمعارضين من جهة ثانية .ولكننا نرى عكس ذلك خاصة بعد أن أصبح رمزاً سياسياً من جهة وموقف شديد التخلف والتعسف ضد نصف المجتمع من جهة أخرى كما جاء على لسان الدكتور أحمد الصَراف وما يطرحه الإسلاميين من أنه ( فريضة دينية ) ..
علق على مقالة رأي في الحجاب المنشورة على الموقع بتاريخ 26 / 5 / 2009 الأستاذ حمادي بلخشين مشكوراً ( تعليق رقم 11 ) سوف نحاول قراءة ما جاء في التعليق على ضوء النقاط الواردة فيه والتي تهمنا لغرض توضيح وجهة نظر مخالفة لما ذهب إليه الأستاذ حمادي .
يقول : أولاً ... لا لا للنقاب الوهابي الساتر للوجه فلا علاقة له بإسلامنا ...
من وجهة نظر الأستاذ أن هناك أكثر من دين إسلامي .. دين وهابي ليس له علاقة بالإسلام ودين أخر ينتمي إليه الأستاذ وفيه تعميم للغالبية بقوله ( بإسلامنا ) . ولكنه ضمنياً يعترف بان هناك زي شرعي سواء وهابي أو غير وهابي يجب على المرأة المسلمة أن ترتديه وبعكسه سوف تكون آثمة والويل لها من عذاب جهنم ..
حسب رائي الشخصي ذهب الأستاذ بعيداً في قوله .. لسبب بسيط جداً وهو أن الوهابية هي امتداد لابن تيمية الذي هو امتداد لابن حنبل أي أنه رأي إسلامي لا نستطيع أن ننكره فبالإضافة إلى ابن حنبل هناك المالكي والشافعي وأبو حنيفة مما يشكل ما يسمى ( بالمذاهب الأربعة ) . والاختلافات بين الأئمة الأربعة معروفة ومشهورة وهذا ليس موضوعنا .
ولكن السؤال هل الحجاب مسألة شرعية يجب على المرأة المسلمة الالتزام والتقيد بها . هذا ما سنحاول معرفته لاحقاً . يقول الأستاذ بلخشين :
ثم ما الذي يزعجكم أيها السادة من زي شرعي يدفعنا إلى النظر للمرأة من منطلق رجل إلى كائن عاقل لا نظرة ذكر مهتاج إلى أداة إثارة .
سيدي : ليست المسألة مسألة إزعاج ولكن هي مناقشة ... هل هناك زي شرعي كما جاء في تعليقك وهل هو فريضة دينية ؟ هذا هو السؤال وهذا ما سنطرحه .. أما مسألة الذكر المهتاج فهذه مسألة ثانية ونحنُ نعتقد أن الحجاب والزي الشرعي لا يمنع من أن يكون أداة إثارة خاصة بعد تعدد أشكال وأنواع هذا الزي وللأستاذ مختار ملساوي في إحدى تعليقاته القديمة وصف لكافة هذه الأشكال وفيها من الفتنة والإغراء أكثر مما يكون في حالة عدم ارتداءه .هذا بالإضافة إلى أنه ليس هناك زي محدد متفق عليه من قبل الجميع بل أصبح إحدى أزياء العصر. ولماذا في رأيك أن ارتداء الحجاب يمنع الإثارة ؟ أليس موضوع الغرائز والإثارة موضوع أخر لا يتعلق بما ترتديه المرأة مع ملاحظة أن التحرش الجنسي في الفترة الأخيرة كان من نصيب المحجبات . وهناك رأي يقول ( المرأة العارية خالية من الإغراء ) . أرجو عدم تفسير هذا القول بأننا ندعو إلى التعري .
يقول الأستاذ : تقديري الشديد للصادق النيهوم رحمه الله لا يحول بيني وبين القول بان المفكر الكبير لم يصب قيما ذهب إليه في مسألة الزي الشرعي للمرأة ( لا أستعمل كلمة الحجاب لأنها خاصة بنساء النبي ) . الجواب : هل أنت على يقين مما جاء في تعليقك وهل تعتقد أن النيهوم لم يصب فيما ذهب إليه ؟
هل كلمة الحجاب الخاصة بنساء النبي هو الزي الشرعي الذي تقصده وهو الحجاب الحالي الذي ترتديه المرأة من وجهة نظر الوهابيين ؟ ولكن قبل ذلك ما معنى كلمة حجاب ؟
الحجاب لغة : هو الساتر . وحجب الشيء أي ستره وامرأة محجوبة أي امرأة قد سترت بستر . لسان العرب .. المعجم الوسيط ( مادة حجب ) . نأتي إلى بيت القصيد ..
وردت كلمة الحجاب في سورة الأحزاب :
وإذا سألتموهن ( أي نساء النبي ) متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ..
ما هو القصد من الآية ؟ يقول المستشار محمد سعيد وهو ينقل عن تفسير القرطبي :
أن يوضع ستر بين زوجات النبي وبين المؤمنين بحيث إذا أراد احد من هولاء أن يتحدث مع واحدة من أولئك أو يطلب منها طلباً أن يفعل ذلك وبينهما ساتر .. فلا يرى أي منهما الأخر لا وجهه ولا جسده ولا أي شيء منه .
إذن الآية لا علاقة لها لا بالحجاب ولا بالزي الشرعي .. وهي هنا خاصة بنساء النبي .
يقول الأستاذ : الزي الإسلامي للمرأة فريضة وما ورد في شأنه في القرآن الكريم من الجلاء والوضوح بحيث لا يحتمل أي تأويل ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ). فالخمار غطاء الرأس والجيب فتحة الفستان من جهة الرأس والمطلوب إسدال الخمار على الصدر بهدف تكسير شكله الهندسي قصد إخفاء تضاريسه كل ذلك منعاً للإثارة ( انتهى ) .
ألا ترى سيدي الفاضل أنك حملتنا فوق ما نحتمل رجالاً وتساءا .. تكسير شكله الهندسي وإخفاء تضاريسه .. ما هذا سيدي .. هل الحرمان هو السبب ؟ هل الكبت هو الذي أدى إلى ذلك ؟ ثم ما هذه الظنون ؟ المرأة الشيطانة الشريرة التي تفتن الرجل وتزيد من شهواته ؟ فما عليه إذن إلا أن يحجبها ويقمعها خوفاً من أن تفتن السيد المبجل .. ولكن بالمقابل ألا يحق لها أن تفتتن برجل ؟. سوف أروي لك بيتاً من الشعر قالته معجبة في زمن عمر بن الخطاب وليس في زمن الحوار المتمدن .. .. كان هناك نصر بن حجاج ويقال أنه كان جميلاً جداً بحيث فتن نساء المدينة. قالت إحدى المعجبات : هل من سبيل إلى خمر فأشربها أم هل من سبيل إلى نصر بن حجاج ... ما هو رأيك ؟ ألا ترى أن هناك أسباب أخرى دفعتنا إلى نفسر ما لأيتم تفسيره ؟
( في المخاطبة لا أقصدك شخصياً ) . ولكني أقصد المفاهيم التي تلبستنا وأدت بنا إلى نفهم المرأة عكس ما هو مطلوب .. أعود وأقول : الآية التي استشهدت بها هي من سورة النور : في القرطبي سبب نزول هذه الآية .. أن النساء كن في زمان النبي يغطين رؤوسهن بالأخمرة ( المقانع ) وتسدل من وراء الظهر فيبقى النحر ( أعلى الصدر) والعنق لا ستر لهما فأمرت الآية إسدال المؤمنات للخمار على الجيوب فتضرب الواحدة منهن بخمارها على جيبها ( أعلى الجلباب) لستر صدرها ( نقلاً عن المستشار في تفسير القرطبي ) .
وهي تعديل عرف كان قائماً وقت نزولها حيث كانت النساء يضعن أخمره ( أغطية) على رؤوسهن ثم يسدلن الخمار وراء ظهورهن فيبرز الصدر بذلك ومن ثم قصدت الآية تغطية الصدر بدلاً من كشفه ..
سوف نأخذ تعليق الأستاذ محمد عبد القادر الفار ثم نعود :
يقول الأستاذ محمد : حسب التراث والتاريخ الإسلامي فان تشريع الحجاب جاء لغرض طبقي وهو التمييز بين المرأة الحرة والآمة . هناك آية في سورة الأحزاب ( 95) تنص :
ي أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن جلا لبيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ..
في تفسير القرطبي ونقلاً عن محمد سعيد المستشار : سبب النزول أن عادة العربيات كانت التبذل فكن يكشفن وجوههن كما يفعل الجواري فقد كان بعض الفجار ( المتحرشين جنسياً ) من الرجال يتعرضون للمؤمنات على مظنة أنهن جواري أو من غير العفيفات وقد شكون ذلك للنبي ومن ثم نزلت الآية لتضع فارقاً وتمييزاً بين الحرائر من المؤمنات وبين الإماء ...
هناك قاعدة أصولية في علم الأصول تقول :
إن الحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً فان وجد الحكم وجدت العلة وإذا أنتفت العلة انتفى الحكم ... ولعدم وجود جواري في هذا العصر فلا يكون واجب التطبيق ..
ما تقدم أعلاه يثبت بعدم وجود حكم قطعي بارتداء المؤمنات زياً معيناً ..
أما الأحاديث والتي يرفضها البعض جملة وتفصيلاً فسوف نختار منها ما جاء بصدد مفهوم الحجاب أو الزي الشرعي :
روت عائشة : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الأخر إذا عركت ( بلغت ) أن تظهر إلا وجهها ويديها إلى ها هنا ( وقبض على نصف الذراع أي النبي ) .
روى أبو داود : أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على الرسول ( في ثياب شفافة) فقال لها : يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرى فيها إلا هذا وأشار إلى وجهه وكفيه ..
حسب رأي المستشار محمد سعيد :
في الحديث الأول ( قبض على نصف ذراعه ) .
في الحديث الثاني ( الإجازة على الوجه والكفين وحدهما دون نصف الذراع ) .
الأول ورد في الحلال والحرام بينما الثاني بصيغة الإصلاح .. وفارق كبير بين الاثنين ذلك أن الحلال والحرام حكم شرعي بينما الصلاح يتعلق بالأفضل ...
إذن من خلال ما تم طرحه أعلاه وحسب مصادر التشريع لا يوجد دليل قاطع على ارتداء زي معين من قبل المرأة فلماذا هذا الصراخ والعويل والتذكير بجهنم ليل نهار لكل من لا ترتدي الزي الشرعي ..؟
من أفضل الآراء المطروحة في هذا الخصوص هو ما جاء في كتاب محمد سعيد ( حقيقة الحجاب) . علماً بأنهم كفروه وأخرجوه من ملتهم ... يقول ..
من أسوا الأمور أن يختلط الفكر الديني والتعبير الشرعي بالموروثات ( الفولكلور والتقليدات والمقوليات ).لان ذلك لا محالة يؤدي إلى خلط وفير واضطراب كثير حيث يبدو الفكر الديني كما لو كان موروثا شعبيا أو يظهر الموروث الشعبي وكأنه المفهوم الديني كما أنه يؤدي إلى أن يلوح التعبير الشرعي وكأنه عبارات دارجة أو تبين العبارات الدارجة وكأنها تعبيرات شرعية الأمر الذي تضطرب معه المفاهيم وتختلط الأقوال وتهتز القيم فينحدر المجتمع إلى هوة سحيقة من الخيال والهذيان الذي لا يفرق بين الواقع والوهم ولا يميز بين الحقيقة والادعاء
عندما خالطت السياسة الدين وداخلت الحزبية الشريعة حولتهما إلى أيدلوجيا مذهبية شمولية دكتاتورية ومعتقدية جامدة .. ومن أجل ذلك مزجت فكرها بالموروثات الشعبية ونسجت سبلها بالمواصفات الاجتماعية ودمجت نصوصها في العبارات الدارجة فاختلط الأمر على الناس واضطرب الحال عند الكثيرين وغم الوضع لدى الكافة ولم يعد من السهل أو الممكن أن يحدث تمييز بين الفكر الديني والموروث الشعبي ... بين الوصايا الدينية والمواصفات الاجتماعية ... بين النص الديني والعبارات الدارجة ..
ومسألة الحجاب اظهر المسائل في هذا الوضع فقد اختلط فيها الفكر الديني بالموروث الشعبي وتداخلت فيها الوصايا الدينية بالمواصفات الاجتماعية فاضطرب كثيرون في أصل المسألة وحقيقتها وذهبت جماعات إلى أن الحجاب ( فريضة إسلامية ) بينما يرون آخرون أن الحجاب شعار سياسي .. .
وختامها مسك ( مع اعتزازي بالسيدين بلخشين والفار) .. علق الأستاذ مختار ملساوي تعليقه الثاني رقم 15 ).
موجها كلامه للأستاذ بلخشين ..
ألفت انتباهك أخي مرة أخرى أنك هنا تخاطب علمانيين ينادون بسيادة العقل وليس النقل لإدارة شؤون حياتنا بعيداً عن الدين ورجاله وبالتالي وحتى لو كان للحجاب وغير الحجاب سند قرآني فهو ليس حجة لنقبله إلا إذا قبلته عقولنا واقتنعنا بجدواه .. ليبقى الدين في الأخير مسألة شخصية بين الفرد ومعبوده .. فهل تقبل بهذا ؟
ونحنُ نقول الأمر متروك أولاً للمحجبات وثانياً للذين يقولون أنه فريضة إسلامية ...
عليهم أن يميزوا بين ما هو موروث وبين ما هو فريضة عند ذلك يحق للجميع أن يختار ما هو الأصح والأنسب
فهل سوف يقبلون ؟؟