حول الانتخابات اللبنانية وقضايا المرأة



عماد الدين رائف
2009 / 6 / 13

لم تتوقف منظمات المجتمع المدني اللبناني كثيراً عند البرامج الانتخابية للتكتلات والأحزاب الرئيسية التي رشحت أعضاءها إلى الندوة البرلمانية، إذ إن هذه البرامج لم تتعدى كونها تعاميم لا ترتبط بآليات تطبيق محددة من جهة، ولم تحدد فترات زمنية ضمن فترة أربع سنوات، وهي الولاية العادية لمجلس النواب العتيد؛ لكنها توقفت مطولاً عند أداء الطبقة السياسية، والحكومة التي أنتجها اتفاق الدوحة أواخر أيار/ مايو 2008، والتي استمرت في حكم البلاد لمدة عام ونيف، موصلة البلاد إلى "اللاموازنة"، وإصلاحات منقوصة تضمنها قانون انتخاب أعاد البلاد ستين عاماً إلى الوراء، مع إضافة نكهات طائفية ومذهبية إلى كل دائرة انتخابية مصغرة تبعاً لمصالح وأحجام أمراء الحرب الأهلية السيئة الذكر التي عانت منها البلاد طويلاً ولم تستطع أن تلملم نتائجها بعد.

المرأة ومقاطعة الانتخابات

كان من المتوقع في أوساط المجتمع المدني اللبناني أن يتم تجاهل المطلب الإصلاحي المتضمن لمبدأ كوتا نسائية مقتطعة، تتمثل فيها المرأة اللبنانية في الندوة البرلمانية، وقد سعت المنظمات المدنية المتبنية لقضايا المرأة بقوة نحو إقرار هذا الإصلاح الذي لم تعبأ به الطبقة السياسية في سلطتي الموالاة والمعارضة خلال العام الفائت. لكن الموقف الذي أطلقته الناشطة الاجتماعية زويا روحانا من على منبر منظمة "كفى عنفاً واستغلالاً"، وهي المديرة العامة لهذه المنظمة للدورة الحالية، كان موقفاً جرئياً وداعياً النساء إلى مقاطعة الانتخابات النيابية وذلك لقضايا تعتبر أهم من حجز كوتا نسائية في المجلس النيابي، قضايا تمس بحياة المرأة اللبنانية المنتقصة الحقوق.

في مؤتمر صحافي قبيل الانتخابات، أطلقت روحانا صرخة المرأة المعذبة في لبنان، قالت: "كنا نتمنى أن نهدي قراراً لمجلس الوزراء يعلن فيه مسؤولية الدولة اللبنانية بتوفير الحماية للنساء من خلال تبني مشروع قانون حمايتهن من العنف، ولكن للأسف، لم يصدر مثل هذا القرار. فلقد قرر مجلس الوزراء تأجيل هذا الموضوع وتشكيل لجنة للمزيد من الدراسة لمشروع قانون المقترح والعودة إلى مجلس الوزراء لإقراره! فلا بأس إن استمرت النساء يعانين أو يقتلن لبضعة أشهر وربما سنوات إضافية، فلم العجلة! فهل تؤكد حكومتنا بقرارها هذا صحة الشعار الشهير القائل بأن اللجان هي مقبرة المشاريع؟".

تضيف روحانا: "ربما كان يفترض بنا أن نتفاجأ بوضع هذا القانون بنداً أولاً على جدول الأعمال، فهذا المجلس هو تجمع للقوى السياسية التي تتنافس في حمى معركة انتخابية غابت قضية المرأة عن مبارزاتها، ولقد كان يفترض بنا أن نتوقع مثل هذا القرار، فالوقت الآن ليس مناسباًُ لطرح مثل هذه القضايا الثانوية، إنها قضايا قابلة للتأجيل لحين الانتهاء من المعارك الأهم".

بعد الانتخابات

بطبيعة الحال، لم تجد تلك الصرخة إلى مقاطعة الانتخابات صدى يذكر لدى المرأة اللبنانية بشكل عام، فاللغة السائدة الوحيدة كانت لغة الطائفية والاصطفاف المذهبي المناطقي، فكما غابت البرامج غابت الحقوق؛ وربما لم تعد الآلية المتبعة لدى المنظمات المدنية المتبنية للحقوق ذات جدوى تذكر إن لم تمر عبر النفق الطائفي المناطقي، كما ترغب الطبقة السياسية الحاكمة بشدة. ولكننا هنا نتحدث عن نمطين لا يلتقيان، فمن غير المنطقي أن تستعطي الحركة النسائية حقوقها من طبقة سياسية ما زالت تعيش عقلية الإقطاع والمزارعية.

فالمطالب المحقة للحركة النسائية في بلد يتغنى بديمقراطية على قياس أمراء الطوائف ستبقى مطالب في المرحلة المقبلة. القوى السياسية الحاكمة توافقياً على حساب الخاسر الوحيد، أي الشعب اللبناني، لا تعطي الحق للمرأة بحضانة أولادها، ولا بمنحهم جنسيتها، ولا بأبسط الحقوق الإنسانية بالحماية من العنف، هي قوى سياسية تعود اليوم بنفس الصيغة التي أنتجتها انتخابات 2005، لا تعترف بالمرأة اللبنانية كمواطنة بل مجرد صوت في صندوق الاقتراع، كما لاحظنا في 7 حزيران، فالطريق أمام الحركة النسائية ما تزال طويلة وشاقة، على الرغم من أن كل مطلب من هذه المطالب المحقة قد احتل حيزاً في برامج طويلة المدى وحملات مستمرة. ربما يتطلب الأمر وقتاً طويلاً من التوعية المباشرة للنساء حول حقوقهن، وهذا ما لم تبخل به الحركة النسائية في لبنان وفق قدراتها المتواضعة، ففي بلد تغيب فيه الحقوق ويحتل منابره خطاب مهيأ للتشنج والتحريض في أي لحظة، من الممكن النظر فيه إلى كل فتاة كمشروع امرأة تطالب بحضانة أولادها من دون جدوى، أو امرأة تنجب "أجانب" لتموت أماً لأجانب، أو مشروع امرأة تخضع لجرعات متفاوتة من العنف المنزلي، الأسري، الجسدي، الاقتصادي... والقائمة تطول.

أتت نتيجة الانتخابات النيابية التي يحاول معظم المحللين فرزها مذهبياً ليعرفوا إلى من تميل كفة الغالبية الشعبية – المذهبية فيها، لكن أحداً لم يفدنا كم امرأة اقترعت كرهاً لصالح توجهات قد لا تراها تصب في مصلحتها، وللمرة الأولى في لبنان تحتسب أواق الصناديق البيضاء، لكن متى ستحتسب تلك الأوراق الملطخة بدم العنف المتمادي الذي ما يزال مشروعاً وقانونياً؟