لغتُنا..التحْديث.. وظلمُ المرأة



محمد أبوعبيد
2009 / 6 / 25

ينشب الخوف أظفاره فينا كعرب فيمنعنا من التجديد أو لنقُل التحديث . المعضلة أن كثيرنا يحسب أن خطوة في هذا الاتجاه إنما تعني التخلي عن تراثنا و هويتنا وثقافتنا،وهذا لا يعقل أن يصدقه عاقل. النتيجة أننا قبل غيْرنا نصِف أنفسنا بالمتأخرين عن رَكب الآخرين ، وتتعاظم المصيبة لأننا نعترف ولا نتغير.
صحيح أننا كُرِمْنا بلغة سامية ،عذبة وجميلة ،تصدح بالبلاغة ،وتضُوع بالعذوبة ،..لكن ذلك يصبح بحكم اللاموجود إذا عاني قلة َ المستمتعين به ، كمثل لوحة جميلة موضوعة في غرفة لا يدخلها إلا شخص أو اثنان ولا يستمتع بها غير الجدران .
من هنا تولد أهمية تحديث لغتنا العربية. وإن كان في الكلمة ما قد يغضب البعض ،فلنقل، إذنْ، "عصرنة" اللغة بما يتواءم مع عصر ناطقيها. ولا يعني التحديث هنا مصادرة الأسس والقواعد التي هي عماد اللغة وجَمالها ،ولا التنكيل بنحوها أو صَرْفها ، ولا ارتكاب مجزرة بإعرابها .ببساطة يعني الأمر التخلي عن التعصب والتطرف بها لدرجة تجعل من أبنائها أول الهاربين منها ،وهذا ما حاصل حقاً،لا افتراءً، في العقود الأخيرة، وأيضا إعادة الفارّين منها إلى أحضانها .
إن بعضَ التحديث ليس إثماً ، خصوصاً أننا نتأرجح على خط رفيع يمينه المتعصبون للغة وشِماله هادموها، حتى انعدمت الوسطية ونحن أمة وسط. ولعلنا نجد في التحديث شفاء يجعل من الحالتين المتجافيتيْن تلاقياً. فلا بأس حينئذ إذا تقدمت كلمة "كافة"ما كان في الأصل قبلها ،فيصبح من الجواز القول : دعوْت كافة الأصدقاء ، وإن كان الأصل دعوْت الأصدقاء كافة ، ما دام المعنى لم يتغير وظل مفهوما ً لسيبويْه أو جهْلويْه .
إن الكثير يفهم الخطأ الشائع أفضل من الصحيح الضائع ، وهذا يبعث بدعوة إلى اللغويين للاتفاق على استحداث قاعدة تجعل من الخطأ صحيحا ًبعد تهذيبه ما دام هو المفهوم والمستخدم أكثر ،فالمطلوب تيسير اللغة لا تعقيدها ،والتيسير لا يؤول إلى التخريب، وهذا ما حدث مع لغات أخرى كالإنجليزية التي لو قارن المرء حاضرها "بإنجليزية" شكسبير،مثلاً ، لوجد بوْناً شاسعاً بين الاثنتيْن .ويجوز الاعتقاد هنا أن لغتنا العربية ليست بمستعصية عن إعادة بناء بعضٍ من صياغاتها حتى يتسنى لِمن لم يقرأوا ابن المقفع ولا القلقشندي ولا المعلقات ، أن يفهموها ، ويعانقوها من جديد .
التحديث الذي قد ينشده آخرون مثلي ،لا يتوقف عند مسألة القواعد الصرفة ، أو مَواطِن الكلمات ، إنما يلامس أيضاً البنية الثقافية ولبنة التقاليد التي جذرتها اللغة في بعض المناحي . فليس خافياً أن لغتنا العربية ، رغم أنوثتها ،فضّلت الذكور على الإناث .
ومن باب الحصر، لا الخصر، سنجد في التالي أبلغ مثال على ذلك. لو كان هناك ألف إمرأة ورجل واحد ،فإن الجميع يعاملون معاملة الذكور الذين نِسْبتهُم هنا واحد لكل ألْف، فيقال : أكلوا وشربوا ...،إلى ما وافق من أفعال، من أجل عينيْ رَجُلٍ واحد ، بينما حرمت النساء التمتع َ بفعل يوافق "جنوستهن"، فألغيت أنوثة ألْف لحساب ذكورة واحد .