مقدسية حلمت بسجن الزوجية



ميساء ابو غنام
2009 / 7 / 13

الساعة الثالثة والنصف صباحا،استيقظت من نومها على الالام المخاض ،وجدت زوجها يقف على النافذة ينظر الى السماء في ليلة صيفية وهو في حالة اختناق،نظر اليها قائلا ماذا بك حبيبتي هل هناك الالام،اجابته نعم وتساءلت (ايش مالك ليش واقف على الشباك في شي )اجابها وهو في حالة توتر(لا بس متدايق شوي) تركته متوجهة الى الحمام ثم نادته مسرعة(احمد تعال بسرعة نازل دم الرحم فتح لازم نطلع بسرعة على المستشفى) ،بدأت ملامح القلق على وجهه قائلا(يلا بسرعة جهزت شنتايتك )اجابته كل شئ جاهز ولكن يجب ان استحم قبل الخروج وارجوك ان تتوجه الى السطح لتحضر الغسيل عن الحبل،وفي هذه الاثناء ارتدت ملابسها الاقرب الى الموديلات الغربية لتسهيل دخولها على الحاجز.
هي نتلي مقدسية تزوجت من احمد لاجئ فلسطيني من قرية ابو شوشة بجانب مدينة اللد ويسكن رام الله،كان حلمها مفعم بالحب بالزواج ممن احبها واحبته،لم تفكر للحظات بالتردد في اختياره ولم تعبئ بهويته الخضراء،احست ان الاستقرار سيعم حديقة قلبها بزوج واولاد واسرة مفعمة بالامان وكان ما كان.
كانت اللحظات الاولى ما بين الام المخاض والخوف من الحاجز حالة صراع،خرجت من بيتها وبرفقتها زوجها الذي يحمل ابنهما باسل (خمس سنوات) الى سيارتهما،اقترح زوجها ان يقوم بقيادة السيارة حتى الحاجز العسكري،ونتيجة لالام المخاض لم تعارضه مستنجدة به ان يسرع،وما ان اقتربا من حاجز قلنديا ما بين القدس ورام الله اخذ زوجها بايقاف السيارة على اليمين خوفا من ان يراه الجندي قائلا(يا الله حبيبتي انزلي سوقي).
كانت الساعة قد اقتربت من الرابعة والنصف وتصريح دخول زوجها الى اسرائيل يبدأ الساعة الخامسة،اوقفتها المجندة قائلة بالعبرية(بوكر توف-اي صباح الخير الى اين تذهبون) اجابت نتلي باللغة العبرية (انا في حالة ولادة) ابتسمت قائلة ولما لا يقود السيارة زوجك فما كان منه الا ان يرد( انا احمل هوية ضفة غربية)،فجاء جندي اخر يسأل زميلته ماذا يجري هنا فأجابته متفاجئة السائقة في حالة ولادة وتقود سيارتها لان زوجها(شتحيم باللغة العبرية-فلسطيني من الضفة الغربية)،ثم طلبت من احمد فتح صندوق السيارة من الخلف لتفحص ما بداخله،ثم اعادت اليه هويته وهوية زوجته قائلة بالتوفيق.
انطلقت نتلي الساعة الخامسة من الحاجز العسكري وتعابير وجهها تشتد حينا وترتاح حينا اخر مع كل طلقة ولادة وما كان امامها الا ان تشد بيدها على مقود السيارة وزوجها يحذرها من ان تنتبه حتى لا يحدث حادث قائلة يجب ان نسرع فأنا اشعر ان موعد الولادة قد حان واخاف ان الد في السيارة.
وفي اثناء السير وهم متوجهون الى مستشفى(شعاري تصيدق في القدس)طلب احمد من زوجته ان يقود السيارة قائلا(خليني اسوق بدالك انا خايف انك تعملي حادث فانت بتطلقي احنا هلأ ابعدنا عن الحاجز بقدر اسوق)فأجابته نتلي(بلاش ما انت ما بتعرف الطريق وبخاف يكون في شرطة وازا وقفونا مشكلة راح يفتحولنا ملف ويأخرونا حتى لو انا في حالة ولادة مش راح يتعاطفوا ضفة وسايق نمرة اسرائيلية مش ناقصنا بدبر حالي).
وما بين طلقات الولادة وطلقات الخوف حاولت نتلي التركيز في الطريق خوفا من ان تخطئ ،فالطريق الى المستشفى بحاجة الى تركيز ما بين الانفاق والجسور واليمين واليسار،قائلة لزوجها تتبع اللافتات فأنا متعبة .
وصلوا المستشفى ،وفورا الى غرفة الولادة فقد كانت اللحظات الاخيرة لنزول الجنين،ومن شدة التوتر لم تستطع نتلي تحمل الالام فطلبت من طبيبها مساعدتها بمخدر خاص وكان لها ماكان،الا ان المواد التي اخذتها قد اثرت عليها سلبيا فبدأت بالاختناق واستدعت الممرضة التي طمأنتها بأن الوضع سيكون افضل،وهنا عادت الذاكرة اليها من جديد وميلاد طفلها الاول الذي جلس زوجها بجانبها وهي ايضا تقود السيارة في فترة اجتياح وحصار الضفة الغربية ،مما دفع بالضابط على حاجز بيت حنينا بالقدس للصراخ عليه لعدم قيادة السيارة(انت مجنون تترك زوجتك تقود السيارة وهي تلد) فأجاب بخجل( انا احمل هوية ضفة غربية)،فأجابه الضابط بسرعة الى المستشفى،وهنا بدأ الخوف يعتريها لو مت من سيربي طفلي فأحمد لا يستطيع التنقل معه ولا حتى جلبه للعلاج في مستشفيات القدس ولا ايصاله الى المدرسة ولا السفر معه،فازدادت سرعة نبضاتها وحالة من الهيجان الداخلي اعتراها،وزوجها ووالدتها واختها ينظران اليها قائلين(بس انت ما تتوتري هدي حالك والاطباء حولها) وهي تنظر الى الحياة بلحظات الموت والولادة وهمها اولادها من بعدها.

سألت نفسها مرات عديدة هل اخطأت في الزواج من شخص يحمل هوية ضفة غريبة وانا احمل هوية زرقاء اسرائيلية،هل يضحي الانسان لاجل الحب،هل يختار الانسان انسانا ام معايير الحياة تغيرت،فأنا لا استطيع التنقل مع زوجي واسافر من طريق وهو من طريق أخر ، وادخله الى مدينة القدس وانا ارتجف خوفا من ان يوقفني الجندي على الحاجز العسكري ويحتجزنا ،وابنائي غير مسجلون في هوية والدهم ولا يوجد اي وثيقة تثبت ابوته لهم .
عادت نتلي الى الواقع والممرضة تطلب منها ان تدفع فرأس الجنين قد خرج تقريبا لتبدأ لحظات الفرج ،وما هي اللا دقائق حتى كانت طفلتها في احضانها وما ان رأتها تناست كل المصاعب وبدأ الامل يعود من جديد.

ساعات مرت وزوجها بجانبها في المستشفى محاولا التخفيف عنها وعيناه مغمضتان من شدة النعاس فطلبت منه النوم بجانبها(تعال حبيبي نام جنبي اريحلك التخت كبير بيوسعنا احنا التنين)تردد احمد قليلا (بس ممنوع وازا اجت الممرضة مشكلة)فأجابته نتلي(مش مشكلة بس تيجي بتقوم).
وبعد نصف ساعة سمعوا صوتا يتحدث بلكنة عربية ضعيفة(ممنوع تنام هون هادا بس لزوجتك)فاضطر احمد النزول والنوم في السيارة فصعوبة العودة الى رام الله اجبرته على البقاء.
شعرت نتلي ان تنقل زوجها ما بين القدس ورام الله والوقوف على الحاجز العسكري لساعات طويلة امر مرهق عليه ،فاضطرت الخروج من المستشفى على مسؤوليتها الشخصية،فطلبت من الادارة انهاء جميع معاملاتها للخروج،وما ان تلقت اوراقها حتى وجدت تبليغ الولادة بدون اسم طفلتها وبدون رقم هوية وعندما تساءلت لماذا؟ كان الجواب(روحي على الداخلية ،ممنوع نعطيها رقم هوية من هون لانو ابوها فلسطيني)،وبدأت معاناة تسجيل مولودتها في الداخلية في القدس حتى تستطيع اثبات مكان سكنها ضمن حدود بلدية القدس،وما بين اليوم والغد تراوح نتلي مكانها مترددة في التفكير في انجاب مزيد من الابناء قائلة(مش عارفة ازا بصيرلي اشي كيف ابوهن بدو يتصرف ما هو ما بيقدر يطلع خارج رام الله وولادي بيحملو هوية اسرائيلية الله يعطيني طول العمر لأربيهن بس).