ضحية العنصرية لا شهيدة الحجاب



حسن مدن
2009 / 7 / 15

بداية نستفظع بأقصى ما تحمله هذه الكلمات من معانٍ الجريمة البشعة التي ارتكبها عنصري ألماني حاقد، لعله من عناصر النازية الجديدة بقتل سيدة مصرية وإصابة زوجها إصابات بالغة عبر طعنات بالسكين، وجهها إليهما في قاعة محكمة حكمت لصالحهما اثر خلاف بينه وبين الضحية.

وبداية أيضاً نقول انه من الطبيعي أن نعبر نحن العرب عن غضبنا من الطريقة البشعة التي أودي بها بحياة هذه السيدة، وتعاطفنا العميق معها ومع مأساة عائلتها. لكن علينا أن نلفت النظر من جهة أخرى إلى انه من الخطأ تحويل هذه الفاجعة إلى حملة ضد الغرب، ونُصور الأمر كما لو أن هذا الغرب بقضه وقضيضه يشن حملة منظمة ضدنا، فيما الأمر لا يتعدى حدود مجموعات صغيرة من العنصريين وغلاة المتطرفين اليمينيين الذين يكنون الكراهية والبغضاء للأجانب جميعاً لا للمسلمين أو العرب وحدهم.

إن ملايين العرب والمسلمين يقيمون في الغرب، الأمريكي منه والأوروبي على حد سواء، ويحملون جنسيات البلدان التي يقيمون فيها، وعليهم من الواجبات ولهم من الحقوق، ما على وما للمواطنين الأصليين في هذه البلدان، ونشأ أولادهم وتعلموا أحسن تعليم ما كانوا سينالوا أقل القليل منه لو أنهم ظلوا في بلدان أهاليهم الأصلية.
أكثر من ذلك فإنه تتوفر لملايين المسلمين والعرب الكثير من الحريات الدينية ومن الاعتراف بحقوقهم الثقافية، فلهم مساجدهم ودور العبادة الخاصة بهم، ويمارسون حقوقهم السياسية التي تمكنهم من المشاركة بالترشيح والانتخاب في الانتخابات البلدية والنيابية، والفوز فيها، بما في ذلك فوز عدد من النساء العربيات والمسلمات المحجبات بعضوية البرلمانات.

وطالما كان الأمر يدور عن الحجاب فإن الرئيس الأمريكي باراك أوباما عَيّن سيدة مصرية محجبة مستشارة له وناطقة باسمه، وفي خطابه الذي ألقاه في جامعة القاهرة عبر عن تفهمه وتعاطفه مع حق المسلمين والعرب في إظهار ما يرونه متصلاً بهويتهم من رموز وتعبيرات، بما فيها حجاب النساء. لذا فإن تحويل مأساة السيدة المصرية التي قتلت غدراً في ألمانيا إلى ذريعة في شن حملة ضد الشعوب الأوروبية والغربية هو نكران لجميل البلدان والشعوب التي تحتضن بين ظهرانيها بني جلدتنا، بما فيهم الإسلاميين الفارين من أوطانهم العربية بسبب ما يلاقونه من مضايقات فيها، ليجعلوا من بلدان الهجرة ساحات حرة لممارسة أنشطتهم السياسية والدينية.

إن السيدة المصرية القتيلة هي ضحية للعنصرية، والعنصريون في الغرب يمكن أن يقتلوا هندوسياً من الهند أو بوذياً من الصين أو اليابان أو أمازيغياً من الجزائر والمغرب أو مسيحياً عربياً من لبنان أو فلسطين لأن سحنته الشرقية تشي بأصله العربي، ويمكن أن يقتلوا عربية أو مسلمة غير محجبة.

يجب أن ندين العنصرية وتجلياتها المختلفة، ونؤكد على أهمية قيم التسامح وتعايش الأديان والثقافات والحضارات كلها، لا أن يجري تسييس مأساة القتيلة، وتوظيفها في أغراض محلية خاصة بمجتمعاتنا، بحصر الموضوع في الحجاب الذي كانت الضحية تعتمره، ففي ذلك اختزال للمأساة، وإساءة لشعوب بكاملها تستوعب ملايين العرب والمسلمين في بلدانها وفي مدارسها وجامعاتها ومصانعها ومختلف مؤسساتها. كأن الأمر يذكرنا ببعض نوابنا الذين طالبوا بطرد كل البنغاليين من البحرين، وهم مسلمون بالمناسبة، لأن أحدهم قتل بحرينياً.