ذات البنطال



زهير دعيم
2009 / 7 / 19

البشير ؛ كلمة جميلة الوقع ، طيّبة المعنى ، تحمل في طيّاتها معنى ناقل الخبر المُفرِح ، ولكن بشيرنا الذي نحن بصدده يختلف ، بل يختلف كثيرًا ، فهو يريد البشرية أن تعود إلى الأزمان الغابرة والجاهلية وعصر الظلمات.
يريد أن يُقيِّد المرأة بقيود بالية ، رثّة ، مقيتة ، تُقلّل من قيمتها ، وتحدّ من انطلاق نفسها وروحها قبل جسدها ، يريدها سلعة وإناء لإشباع الرغبات في الغرف المعتمة، وهي التي قال عنها الله " ليس الرجل من دون المرأة ولا المرأة من دون الرجل " .

يريد وأدها في أطمار سوداء ، داكنة لا فرح فيها ولا حياة بين جنباتها !!!
ماذا فعلت الصّحفية السودانية المناضلة لبنى حسين حتى يحكم عليها باربعين جلدة وفي الألفية الثالثة ؟!!
ماذا جنَت هذه السيدة الفاضلة حتى يُلهب السّوط جلدها؟!!

أنعمت النّظر كثيرا بلباسها الذي ارتدته يوم القي القبض عليها في احد فنادق الخرطوم ن كانت تلبس بنطالا هي والكثيرات من صديقاتها غطاء على الرأس ، فكان اللباس محتشمًا واكثر ، وكان التبرّج قليلا..وكان الاحتشام حاضرا.
وتساءلت هل الاحتشام هو في اللباس وحده ؟ وهل الاحتشام في الغلوّ بحيث نجعل المرأة ؛ هذه المخلوقة الجميلة ، نجعلها خيمة سوداء ، داكنة ، تتمشّى كما الليل الأليل ، وتأكل بصورة تجعلها مهزلة وأضحوكة .
أنا مع الاحتشام والحشمة ، ولكن في حدود ؛ حدود الذّوق .فالتعرّي والإغراء لا يزيدان المرأة جمالا ولا رِفعةً ، ولكن أن نقمعها ونجعلها خيمة داكنة فهذا إجرام وتخلّف واستبداد ، وخنق لها وخطيئة بحقّ السماء.

كنت في احدى زياراتي للقاهرة نزيلا في احد الفنادق ، وكنت اجلس الى احد المرشدين السياحيين المصريين في اللوبي ، حين دخلت سيدتان : إحداهما أجنبية – كما ظهر – تلبس تنورة فوق الرُّكبة بقليل ، وأخرى مقنّعة تتغطّى بالسواد من قمة رأسها الى أخمص قدميها ، فهمز المرشد المصري خاصرتي قائلا : أترى المهبهبة ده ، وأشار الى السائحة ، انّها أكثر شرفًا من تلك ، وأشار الى المحتشمة جدًا !!!
وتعجبتُ.
ولكن عجبي وتعجّبي لم يطولا كثيرا ، فقد جلست السائحة بوقار وذوق الى جانب طاولة في اللوبي تحتسي كوبا من الشاي وتقرأ في صحيفة ، في حين تحوّلت تلك الخيمة بقدرة قادر الى عريانة او تكاد.
لا اريد أن أعمّم ، ولكنني اريد أن أقول أن الشّرف لا يرتبط دومًا باللباس ، فكثيرا ما يكون هذا اللباس الخانق غطاءً فقط ، غطاءً للتمويه ، وغطاءً لإسكات هذا الرجل الرجوعيّ الذي يريد لزوجته وأخته سجنا أبدياً ، في حين يروح هو يعمل رادارًا ينقل عينية النجستين من أنثى لأخرى.

لبنى حسين لبست الكمال.
لبنى حسين كانت محتشمة واكثر.
فماذا تريد منها ومنّا هذه العقول المُتحجرّة ؟
أتريد أن تعيدنا الى قرون وعهود الظلمات والذّل ؟ ألا يكفي شرقنا ما يذوقه من الهوان والاضطهاد والتفرقة واللامساواة ؟

ألا يكفي المرأة الشرقية ما أصابها ويصيبها من ظلم وضيم ؟ ألا يكفي اننا نقصّ ريش جناحيها صبحًا ومساءً ؟وهل أضحى البنطال جريمة تستحق الجَلد ؟
وهل النقص والمرض في هذه السيدة التي ارتدت البنطال ، أم في نفسية الرجل الشرقيّ الذي لا يرى من خلال عينيه الا السّاق والركبة وما فوقهما ؟
متى سننظر الى المرأة من منظار آخر ، منظار المخلوق الجميل ، المُكمِّل ، الباني والحاني.
متى سننزع من خيالنا وأفكارنا – نحن الشرقيين – الجنس والجنس ثمّ الجنس ، وكأنّ المعتقد والدين ، كل دين ، مرتبط بالمرأة وركبتها . والمؤلم حقًّا أن هذا النظام السوداني السلفي يريد ان يفرض أفكاره المقيتة هذه ويُطبّقها على اهل الجنوب المسيحيين ، فقد تمّ جلد بعض الفتيات المسيحيات الجنوبيات اللاتي رافقن الصحفية لبنى حسين .

جَلد...كلمة أشمئز منها ، وتعيدني الى عهد الرِّق والعبودية والهمجية وهولاكو.
جّلد...كلمة تجلدني ، وتجلد روحي.
آنَ لنذير الشؤم ، آسف البشير أن يتنوّر ، وأن يصحوَ من سباته الأبديّ ، وأن يستفيق وينظر الى موكب الإنسانية يتقدّم بعيدًا بعيدا عنه وعن سودانه.
آنَ له أن يعرف أن الجنوب مسيحيّ ولا يصحّ ولا يحقّ له ان يُطبِّق عليه شريعته.

أنا لا أنادي بالانسلاخ والانفصال ، ولكنني أنادي بالحرية والاستقلالية الذاتية من خلال الوطن الواحد الذي يعتنق الحرية والمساواة .
نعم الاستقلالية الذاتية للأقليات ، وما أظن الجنوبيين اقليّة قليلة !!

لبنى حسين نحن معكِ
لبنى حسين سيري مرفوعة الرأس ، فلا بدّ للفجر المنير أن ينبثق من خلف التلال
لبنى حسين لن تقوى عليك لا الجلدات الأربعين - والتي اتمناها ان تنمحق- ولا الطغمة الحاكمة العائدة الى زمن أهل الكهف.
وأخيراً سيبقى الجهل عثرة أمام الشرق ، وسيبقى الإناء الأنثويّ زهرة جميلة تفنّن في خلقها الباري الرائع ، وستبقى تأخذنا معها في رحاب الجمال والحّبّ والحنان والعطاء والقداسة .