التحرش بالمرأة ..هل هو نتاج الأزمة الاخلاقية التي نعيشها ؟



رفعت نافع الكناني
2009 / 8 / 7

في حقيقة الامر، ليس هذا هو السؤال المطروح والمطلو ب الاجابة علية، بل ان اهم واجب يجدرالقيام بة، هو واجب ترويض انفسنا على مواجهة هذا الوضع الشاذ الذي يبدو انة سيستمر على مسرح الاحداث لزمن قد يبدو غير منظور في الوقت الحاضر، فنحن نعيش ازمات متباينة ومختلفة تؤثر الواحدة على الاخرى وتختلف في تاثيرها ونتائجها ومعطياتها ، ولكن يبدو واضحا ان الازمة الاخلاقية هي في التحليل النهائي هو التحدي الاكبر لقدرة شعبنا في مواجهة مشاكلة الاخرى والسير نحو ايجاد أسس قوية وجديدة لمواحهة الظروف والتحديات التي اوصلت مجتمعاتنا الى ما نحن علية ... نحن لا نريد من الناس ان يكونوا مثاليين ، بل نريد منهم ان يكونوا مدركين لمحيط القوانين الاخلاقية في السلوك البشري لغرض الوصول الى الهدف في نهاية المطاف ، حيث التصرف الاخلاقي المنظم المسيطر علية بعيدا عن تشدد التقاليد وأرآء بعض التيارات الدينية.
ان طرح هذا الموضوع كقضية ملحة وخطيرة تواجة المجتمع، بعد ان كان التحدث من قبل المرأة عن هذا الموضوع يعتبر من المحرمات ، بل ان التحدث عن هذا النوع من الفعل محاط بالسرية والكتمان ويلفة نوع من الخجل والعيب ، لقد كان البوح والكلام بهذا النوع من الافعال، يعد مؤشر على ما تعانية الثقافة العربية من معضلات وارهاصات نفسية تحبذ صمت المرأة وكتمان الغيظ الذي يتملكها من اجل دفع هذة القضية واسدال الستار عليها خوفا من العقاب العائلي والمجتمعي برغم المظلومية التي تحل بها .
هناك من يقول ان هذة الظواهر الشاذة اصبحت لها صفة يمكن ان نطلق عليها ( ظاهرة اجتماعية ) اخذت بالاتساع والتطور لتشمل اغلب بلدان العالم ، من البلدان المتحضرة نزولا الى البلدان الفقيرة والمحافظة، وتتخذ هذة الظاهرة اشكالا متعددة واساليب مبتكرة تتنوع مع التطور والتقدم التكنولوجي، الغرض منها اذلال واهانة المرأة والنظر اليها باعتبارها كائن ضعيف وناقص الاهلية ، او مجرد اداة للهو الجنسي . لقد تنوعت وتعددت اشكال التحرش في مختلف المناطق من الشارع الى مواقع العمل والتعليم، وتبدأ من الكلام القبيح غير المؤدب الى الكلام الهادئ الذي يمكن ان يضمر تحتة ايحاءات وتلميحات جنسية، او النظر بعيون فضولية تخفي وراءها افعال همجية تريد ان تفترس هذا الكائن ، الى ان يصل هذا التحرش اخطر مراحلة وهو اللمس باليد لجسم المرأة او المناطق الحساسة منة وما الى ذلك من اعمال وافعال توحي بأن صاحبها ليس لدية اية لياقة واخلاق وكرامة. وأن ثقافتة تعكس التسلط الذكوري الذي يعبر عنة بهذة الطريقة.
هذة الظاهرة يعتبرها البعض موضة العصر ونوع من التميز الذي يتصف بة الجيل الجديد من الشباب وخاصة في البلدان المتحررة ثقافيا، ولكن في المجتمعات المحافظة والتي تتصف بثقافة يؤطرها الدين والقيم والتقاليد تكون حدتها اكبر من خلال مظاهر التحكم والسيطرة المطلقة لعنصر الرجال ، على اساس انة الاقوى جسما والاكثر رجاحة في العقل والتصرف . اذن المرأة هي المشكلة الاكثر انسانيا وهمومها في مجتمعاتنا الاكبر حجما، انها مشكلة العصر في مجتمعاتنا التي تحسبها قيمة ثانوية تستلب انسانيتها ، وتقاليد تفسر قيمة المراة ومكانتها لعديد من الاهواء والاعتبارات. ان هذة النظرة او هذا السلوك الاجتماعي يعكس الرغبة في الانصياع لنظرية حب الظهور عند الرجل ام عقدة تعويض النقص التي يحس بها البعض ام مسألة عدوانية بحتة تثير القلق الاجتماعي من انتشار هذة الظاهرة وشيوع اساليبها، ومنع ان تكون سلوك جمعي، اي مجموع عقول الافراد الذين يكونون الجماعة.
ان ما يثير الخوف والقلق المشروع، هو ما يمكن ان نطلق علية ( ظاهرة ) تطغي على الشارع في مدننا، كما حصل في شوارع الكويت من قيام مجموعات من الشباب والمراهقين وامام احدى مراكز التسوق العائلي من تحرش بالفتيات وبطريقة فجة ، وما حصل في شوارع مصر من قيام اكثر من مائة رجل وفي القاهرة حصرا وفي شارع طلعت باشا وخلال ايام عيد الفطر بالتحرش الجنسي بالنساء وبشكل جماعي وتمزيق الملابس للمحجبات والسافرات معا وبطريقة وحشية لايمكن تفسيرها على انها نزوة شباب طائش. بل انها تكشف عمق الازمة النفسية والاخلاقية التي تعيشها مجمعاتنا العربية، وما تسببة النظرة الدونية للمرأة من قبل مجتمع لا يعترف ويقر ثقافة حقوق الانسان بالرغم من تصديق الحكومات العربية على الاتفاقيات الدولية لالغاء كافة اشكال التمييز ضد المرأة.
من هذا كلة نستنتج، ان نشر ثقافة احترام المرأة وتقديرها ومساعدتها على اخذ موقعها بصورة تليق بها كونها تشكل اكثر من نصف المجتمع، والعمل على وقايتها من الضعف من خلال ثقافتها التي تمكنها من فك كل قيود التخلف ومعرفة دورها الحقيقي لتحمل مسؤولياتها في دخول مواقع العمل، والعمل على اشاعة ثقافة وافكار ومواقف لتطوير وصناعة قوى فاعلة في المجتمع، وما يمكن لة من صناعة رأي عام لحشد كل الطاقات وتعريف المجتمع بمبادئ المساواة واحترام حقوق المرأة وكرامتها. والعمل على نشر الوعي بين الشباب وتعريفة بمخاطر هذة الظاهرة الغريبة على قيم مجتمعاتنا، وما تؤدي الية من نشر الفوضى والاضطراب، وما تحسة المرأة من ظلم يلحق بها، كلما خرجت الى الشارع او العمل احست بظلم المجتمع لها من خلال هذا العمل الذي يهدد كرامتها وانسانتيتها، ان اسلوب بعض الشباب وتصرفاتهم، يعكس بصورة جلية مدى الفراغ الذي يشعرون بة نتيجة البطالة وفقدان فرص العمل المتاحة امامهم، وتأخر سن الزواج ،وما سببتة الحروب والعمليات الارهابية من ظواهر اضعفت كيان المجتمع وخلفت مشاكل وصعوبات كثيرة ، من اهم آثارها التشرد والعقد والحواجز النفسية وتغيير تقاليد المجتمع وقيمة الاجتماعية. اضافة لما تظهرة بعض وسائل الاعلام من تزييف ، والذي يجسد المرأة على انها جسد من خلال صور الفنانات والمطربات، كل هذة العوامل وعوامل اخرى خلقت بيئة مناسبة لتسويغ هذا الفعل، بحيث اصبحت ظاهرة شائعة ويغض المجتمع الطرف عنها .