ذيل الناخب



سعدون محسن ضمد
2009 / 8 / 11

سألت ناشطة كردية خلال انتخابات كردستان عن فائدة الثلاثين بالمائة من المقاعد الممنوحة للمرأة الكردية في برلمان كردستان كـ(كوتة)، وإن كانت هذه الكوتة قادرة على الخروج بالمرأة من كونها مفروضة على الناخب إلى كونها خيار من خياراته..
الناشطة، وبعد أخذ ورد طويلين اعترفت بصعوبة وصول المرأة وبأعداد مقنعة إلى البرلمان دون وجود الكوتة. وهذا الاعتراف موضوعي لكنه يطرح علامة استفهام كبيرة أزاء السبب الذي يمنعنا من انتخاب المرأة.. أنا شخصياً لا أمتلك جواباً لهذا الموضوع لكنني أتذكر حكاية شعبية سمعتها لأكثر من مرة وأنا صغير خلال جلسات السمر التي كانت تعقد بين الرجال الكبار، هذه الحكاية يمكنها أن تكشف بعضاً من (اللاشعور) الجمعي الذي يتحكم بطبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة داخل مجتمعنا:
تتحدث الحكاية، عن رجل طلب ممن تقدم لخطبة ابنته الجميلة أن يتعهد بضربها ثلاث مرات يومياً (صباحاً ونهاراً وليلاً). وتم الزواج، وراحت الزوجة تبدأ يومها بعقوبة وتتوسطه بأخرى وتنهيه بثالثة. غير أن الحكاية تخبرنا بأن المرأة عملت على توظيف مكرها ضد الزوج، فكلَّما ولد لها ولد طالبت زوجها بأن يُسْقِط لها عقوبة من العقوبات الثلاث إكراماً للطفل، وهكذا إلى أن سقطت العقوبة الثالثة مع المولود الثالث. عندها سارعت الزوجة لإعداد مائدة لذيذة، وأسدلت ستائر بيت الشعر الذي تسكنه مع زوجها، وأمهلته حتى ينتهي من طعامه، لتسأله بمكر عن كيفية ركوب الفارس لفرسه، ولما أسهب الزوج بشرح الموضوع نظرياً، ادَّعت هي عجزها عن الفهم إلى أن اقتنع الزوج بأن ينتقل للشرح العملي ويضع نفسه مكان الحصان لتتعلم هي الركوب عليه. وهكذا جاءت الزوجة بالسرج ووضعته على ظهره، لكنها رفضت الركوب مدعية بأنها لا تفهم وظيفة حبل موجود في السرج ـ وهو حبل يمرر تحت ذيل الحصان لتثبيت السرج ـ فأخبرها عن وظيفته، غير أنها طالبت بالشرح العملي من جديد، وعندها رضخ الزوج وطلب منها أن تأتي بأحد أوتاد خيمتهم، لتضعه في محل الذيل منه وتثبت السرج وتركب عليه.
عند هذا الحد يدخل الأب بصورة مفاجئة، لتنتهي الحكاية وهي تُظهر الزوج الذي وثق بزوجته وتسامح معها بمنتهى الغباء والمهانة وقلة الرجولة، وتُلازم بالتالي بين كرامة الرجل وبين عدم ثقته بالمرأة بل والتزامه بقمعها بصورة مستمرة.
تظهر المرأة في الحكاية بمنتهى المكر والدهاء، فقد استغرقت عدة سنين حاكت خلالها مؤامرة محكمة للسيطرة على الرجل، من خلال إذلاله وتحويله لمطية تصل من خلالها لتحقيق مآربها. لكن التمثيل لذلة الرجل الذي يثق بالمرأة ويحترمها لا يتوقف عند هذا الحد بل يصل ذروته في الحكاية عندما تقوم الزوجة بتثبيت الوتد في (مؤخرة) زوجها بدلاً عن الذيل. وهكذا نجد بأن ثقافتنا الشعبية تكثف الكثير من الرموز من أجل تكريس نوع من أنواع التوتر والعداء واللاثقة بين الذكر والأنثى.
أنا شخصياً وعند سماعي للحكاية وأنا طفل وقعت تحت تأثيرها ونجحت بتعبئتي ضد المرأة، وبالتالي كنت وخلال سنين زواجي الأولى شرطياً من الطراز العثماني لا زوجاً فقط. على هذا الأساس أعتقد بأن دور نسائنا السياسيات متوقف على نبش ثقافتنا الشعبية وإخراج كل العفن المبثوث داخل متاهاتها المظلمة.