تهنئة لبنانية لمضي ايجابا نحو تحرر المرأة وفق شعار-خذي كسرة وحركي الأمور-



فدى المصري
2009 / 8 / 23

هذا الشعار ليس موجها ً للمجتمع وليس عبارة عن شعار ضم بضع كلمات متراصة ، إنما تجسدت هذه العبارة في شعار أطلقته سيدة بهية الحريري الوزيرة التربية والتعليم ، التي انطلقت عبره نحو تحرير دور المرأة ومساواتها من أجل التغير البناء عن طريق مفردات تعزز قدراتها عبر "المبادرة " ، "التغير " ، "التمكين البناء" ، تحريك المجتمع وتطويره ......وهذا التمكين الاجتماعي موجه لشق أساسي من بنية المجتمع ألا وهو شق النسوي من أجل تفعيل قدرات المرأة ودفعها لانتزاع حقوقها من خلال زيادة الوعي القانوني والحقوقي لمكانتها الاجتماعية والسياسية ؛عبر مؤسسة الشهيد رفيق الحريري انطلاقا ً من تبني لمفهوم التنمية البشرية المستدامة . فقد شكل الشعار عبارة عن دفع لحركة النساء نحو حقوقهن واكتساب دورهن في تركيبة وبناء هذا المجتمع الفاعل ، واجد أن من يبتدع هكذا شعار ويتوصل إلى الفوز بجائزة الليون الذهبي في مهرجانات كانت ، ليس بفرد عادي إنما بعقلية فذة استثنائية استطاعت عبر اللهجة المحكية تحريك النفوس ودفع المواطنين اللبنانيين في كافة المناطق إلى المشاركة الفعالة والبناء سواء الرجل والمرأة لتحقيق أهداف هذا الشعار؛ حيث تجسد كمثال تطمح إليه أي امرأة في تحقيق دورها الفاعل كعنصر محرك للأمور وموجه نحو التغير البناء الفاعل لبنية المجتمع ومرافقه الاقتصادية والسياسية بشكل عام نحو تعزيز مبدأ المشاركة والمواطنة الحقة .

إذ تم الاحتفال بفوز هذا الإبداع اللبناني العالمي بحملة دعائية هادفة وفاعلة وجزء من عملية فكرية ثقافية سياسية اجتماعية إنسانية كثرت محطاتها وإنجازاتها عبر فريق متخصص من القانونيات والقانونيين والإعلاميات والإعلاميين، والباحثات والباحثين، فأنجزوا التقارير الوطنية المميزة، وأسسوا للمراصد المعنية بالمراجعة والمتابعة وبالتعاون مع الفكر الإبداعي الإعلاني الوطني العريق فكانت حملة "خذي كسرة" محطة من المحطات المميزة لمسيرة أسسنا لها مع البنك الدولي. ومجلس الإنماء والإعمار بالمشاركة مع مؤسسة الحريري للتنمية البشرية المستدامة حيث تم لكل فريق جهوده الذي قام به لإيصال الرسالة المستهدفة عبر هذا الشعار وبلغ ما يستحق بشراكة متوازنة حول النوع الاجتماعي وتقليص التفاوت "الجندري " من خلال تنويه بالمشاركة الفاعلة للمرأة مهما كان مستوى قدراتها ، لكل امرأة وفق جهودها وعبر موقعها والأهم من كل ذلك ، لا بد من مواجهة التنميط الجنسي للمرأة عبر التنشئة الاجتماعية الموروثة التي تعيد تعزيز البناء المجتمع ألذكوري من خلال أسس تربيتها للأبناء التي تؤديها وفق ما تلقنته سابقا ً عبر ذويها من إحداث تفرقة في موقع ومكانة كل من الذكر والمرأة في المجتمع ، ليصاغ لنا تنويه فعلي للمرأة التي تشكل الحلقة الأقوى في تعزيز بنية المساواة والعدالة عبر تنشئة سوية للأبناء تعيد المساواة والتكافؤ في التربية بين أولادها ، لتبدأ عملية تحريك الأمور والمعتقدات الثقافية الموروثة تجاه النوع الاجتماعي وفق مساواة بناءة وعادلة في نظرة المجتمع لكل من الجنسين .

إلا أن من خلال المسيرة الحركة النسوية اللبنانية عبر الجمعيات النسائية المنتشرة في كافة المناطق اللبنانية ، فقد استطاعت أن تحقق الكثير من الحقوق في مسيرتها النضالية سواء في الحياة الاجتماعية ، أو الاقتصادية ، أو السياسية والحزبية من خلال دفع لمشاركة فاعلة للقوى النسائية اللبنانية في مرافق الحياة العامة والتدخل البناء في تركيبة المجتمع ، فقد عاشت المرأة اللبنانية تحديات كثيرة استطاعت أن تحقق كيانها وتبرز قدراتها الخلاقة رغم الضغوط المتعددة ، فقد استطاعت أن تحقق نتائج ايجابية بالغة التأثير على محيطها ، فمن خلال المستوى التعليمي ، فقد تم تحقيق المساواة في حقها بالتعلم أسوة ً بالرجل ، فقد بلغت نسبة الإناث المتخرجات من الجامعة وحصولهن على إجازات بلغت أكثر من 55% من نسبة الطلاب الجامعي المتخرج ، وذلك من مختلف الاختصاصات الأدبية والعلمية والطبية ..........
كما استطاعت أن تشكل قوة اقتصادية لا يستهان به في سوق العمل اللبناني ، ففي قطاع التعليم بلغت نسبة مشاركتها 80% من حجم القوة العاملة ، في قطاع الصحي والاستشفاء بلغت نسبة 60% من حجم القوى العاملة موزعة بين الطبابة والتمريض والتسويق للأدوية ، في قطاع الإعلام والإعلان والصحافة فقط بلغ حجم تواجها 75% من حجم العمالة في هذا القطاع ، في قطاع السياحة بلغت نسبة عمالتها 60% من حجم القوى العاملة .في القطاع الزراعي بلغ حجم عمالة المرأة 50% ، في قطاع الصناعة بلغ حجم تواجد العمالة النسوية 22% فقط تبعا لحجم قدراتها التي لا تتناسب مع بنيتها الفيزيولوجية ، رغم هذا التواجد الكبير للحجم التدخل النسوي في القطاعات الاقتصادية ككل ، إلا أن اللافت بالأمر هو أنها ما زالت تعيش التميز النوعي والجندري ، في حجم تدخلها ، فتواجد هذه القوى النسوية ما زال مقتصر على الأعمال المتوسطة والمتدنية الحجم ، وكما تُحرم من تقلد المناصب القيادية المهنية ، أو أن تنال منصب في الإدارات العامة لبنية القطاع الاقتصادي ، كما أنها تتعرض للتميز من حيث الأجر ، رغم أن قانون الأجور المعتمد في لبنان هو واحد من حيث تطبيقه تجاه الأجير سواء الذكر أو الأنثى ، إلا أن قانون التعويض العائلي المرفق بسلسلة الأجور ، يمنع المرأة من هذا الحق ، فالرجل ينال التعويض العائلي وهي تحرم منه رغم أن حجم ومستوى العمل هو نفسه المستوجب لكليهما .

من حيث الواقع السياسي استطاعت المرأة اللبنانية رغم تركيبة السياسية المتناقضة بين شعار النظام القائم على الحرية والمساواة ،وبين السلوك السياسي الممارس أن تحقق دور فاعل نوعا ً ما ، وذلك لما يعاني النظام السياسي من سيطرة طائفية وإرث ثقافي من جهة ، وذهنية سياسية ذكورية مؤد لجة في البنية السياسية السائدة عبر تحكم فئة الذكورة في الممارسات والصلاحيات المفوضة لهم على حساب دور المرأة التي تشكل 59% من حجم الناخبين وفق لوائح الشطب الانتخابي للعام 2009 ، ورغم هذا الحجم الكبير للقوى النسائية في القوائم الانتخابية ألا أن حجم وجودها البرلماني لا يتجاوز 8% من حجم أعضاء البرلمان اللبناني ، ولا يتجاوز 1% أيضا ً من حجم المجلس الوزاري ، كما أن نسبة تقليدها مدراء عامين لا يتجاوز أيضا ً 2% . من هنا نجد هذا التفاوت الجندري الصارخ بين حجم المشاركة في المناصب السياسية والقيادية ، ويجب التنويه هنا ، إذا تم للمرأة النجاح والوصول إلى سدة الحكم فهذا يعود إما لإرث سياسي موروث عبر تاريخ السلطة اللبنانية ، أو لدعم كتلة حزبية لها . والجدير بالذكر هنا ما لحقه للقانون الانتخابي اللبناني من تعديلات تجاه نظام الكوتا اللبنانية عبر الدورة الانتخابية البرلمانية اللبنانية السابقة للعام 2009 ، على أن يتم تنفيذ هذا القانون في الدورة الانتخابية البلدية القادمة ، وقد تم تحضير العنصر النسوي لهذا الأمر ، عبر تنشيط قوى الجمعيات النسائية في حملة موجهة إلى الناخبة اللبنانية عبر رصد مضمون هذا القرار ، وتوعية النساء لهذا الحق الذي فرض تواجدهن في المناصب السياسية ، عدا عن توعيتهن لأصول الترشح وأسس المشاركة البناءة وفق المصلحة الوطنية وليس وفق ما يتم من تقديمه للإعانات والمساعدات الخاصة ، عبر التصويت للمناهج السياسية والبرامج الوطنية التي تخدم أزواجهن أو أولادهن أو تخدم قدرات المرأة نفسها انطلاقا ً لبناء مجتمع ديمقراطي يعزز لهن الأمن الاجتماعي والمعيشي والوطني . والمفارقة هنا أن ما قد تم من توعية قانونية لقانون الانتخابي اللبناني، عبر وزارة الداخلية من خلال دورات تثقيفية تم توجيهه لكلا الجنسين ، حيث تم تواجد للعنصر النسائي وذلك للمرة الأولى في مراكز لرؤوسا الأقلام تحضيراً لهن للدورات الانتخابية القادمة ، وما لحقه هذا القرار من تسهيل للمشاركة النسائية ،عبر إبقاء العنصر النسائي في مراكز قضاء وفق قيد سجل النفوس .

فمن خلال هذا الواقع الذي يتداخل عبره كفاح ومسيرة لتنمية قدرات المرأة وتمكين وجودها كعنصر فاعل اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا ، من خلال مسيرة ونضال الجمعيات النسائية واستكمالا ً ، لتجاوز الواقع الاجتماعي للبنية اللبنانية التي تتفاوت بين تحرر المرأة وخضوعها للتنميط الجنسي وسط هيمنة المجتمع الذكوري ، لا بد من تحقيق جهود مثمرة تم لهذا الشعار أن يأخذ مداه في القبول والاستحسان تجاه اخذ المرأة للكسرة أو الفتات الصغيرة من الأمور ، من أجل إحداث تغيير نوعي للبنية المجتمع نحو دولة حديثة مواكبة للحسن استثمار قدرات موادرها البشرية في دمج خلاق وبناء لتطوير المجتمع اللبناني الذي يتمتع بإرادية شعبية محبة للحياة والعطاء .

و إنطلاقا ً لما تم من مواكبة لهذه الحملة الإعلانية اللبنانية فقد رعت الوزيرة الحريري الطاولة المستديرة عن "الجندر في الاقتصاد وصناعة القرار" وأطلقت حملة إعلامية لتمكين النساء من المشاركة في التنمية المستدامة : صنع القرار مرتبط معنويا بكل الوحدات الاجتماعية بدءا من الأسرة وصولا للدولة ونحرص على تفعيل الشراكة بين المؤسسات العالمية التنموية والمؤسسات الأهلية "مؤسسة الحريري للتنمية البشرية المستدامة" بالتعاون مع "البنك الدولي"،وقد حملت هذه الطاولة عنوان "النوع الاجتماعي (الجندر) في الاقتصاد وصناعة القرار"، في فندق انتركونتيننتال - فينيسيا، برعاية ومشاركة وزيرة التربية والتعليم العالي بهية الحريري، في حضور النائبة نايلة معوض، الوزيرة السابقة وفاء الضيقة، وزيرة "حقوق الإنسان" في اليمن الدكتورة هدى علي البان، وزيرة الدفاع الفنلندية السابقة اليزابيت ريهن، وزيرة التنمية الاجتماعية في الأردن هالة بسيو لطوف، القنصل العامة لايسلاندا في الأردن ستيفانيا خليفة، مستشارة وزيرة الخارجية اليونانية دورا بوكويانيس، كبيرة المستشارين في البنك الدولي ناديا شملو، الأمينة العامة للمجلس الأعلى للمرأة في البحرين لؤلؤة صالح العوض، مدير مكتب البنك الدولي في لبنان ديمبا ، سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان ميشال سيسون وحشد من المنظمات الأهلية، وقدمت الندوة المستشارة القانونية للمشروع ريما الحسينيي(1).

استكمالا ً لنشاط والجهود مسيرة هذا النضال لا بد من التنويه إلى الاحتياجات المرأة اللبنانية التي تشكل دعما ً أساسيا ً لجهودها وانطلاقا ً من تمكين قدراتها نحو عنصر فاعل في بنية المجتمع ، فيجب تحقيق الأمن والاستقرار الاجتماعي وهذا الأمر لا يمكن له أن يتحقق إلا من خلال تعديل قانوني لقوانين المتعلقة بالأجور والمهن والأحوال الشخصية عبر رسم سياسات اجتماعية تنصف حق المرأة وتعزز مشاركتها الفاعلة، ومن أبرز القوانين الملحّة التي تحتاجها المرأة هي :

1_ تعديل قانون الأجر الذي يمنح للمرأة التعويض العائلي أسوة ً بالرجل .
2_ تعديل القانون الوظيفي الذي يسهل عملية الترقي للعنصر النسائي في الميادين الاقتصادية كافة .
3_ تعديل قانون الجنسية اللبنانية التي تمنح المرأة اللبنانية حق بأن تمنح جنسيتها اللبنانية للزوج وللأولاد أسواة بالمرأة الأجنبية التي أنصف حقها وفق القوانين الأحوال الشخصية المعتمدة في الدول الأجنبية ، والذي يساعدها على الاستقرار الأسري الذي يقيها الوقوف بالدَور أمام السفارة اللبنانية مع مختلف الجنسيات العاملة في لبنان ، من أجل الحصول على إذن للإقامة لأبنائها أو تجديدها كل فترة ، مع العلم أن معاناة المرأة بسبب عدم توفر قانون يمنح لها حق منح جنسيتها اللبنانية لأطفالها قد بلغت ذروتها من كافة النواحي الخدماتية سواء التعليم ، والطبابة والسكن والعمل إلى ما هنالك من معاناة يحرم منها أبناءها حق الحياة رغم إقامتهم في المجتمع اللبناني ؛ والذنب الوحيد المرتكب هو زواج المرأة من جنسية غير جنسية بلدها ، في الوقت الذي نجد به المواطن اللبناني الذي يتزوج من أجنبية سواء أوروبية أو أمريكية أو أسترالية .....التمتع بحقوقه ونيله جنسية زوجته هو وأبناءه ، وهذه المفارقة الكبرى شكلت عنصر ومحرك كبير للحركة النسوية في تقديم مشروع قانون يبيح لها منح جنسيتها لأولادها أولا ً وهذا ما تم في الأسبوع الماضي عبر تقديم المشروع للمجلس النيابي من قبل وزير الداخلية اللبنانية ، ليصاغ تعديله وأخذ مساره القانوني الذي ينصف المرأة اللبنانية وحقها إذا تم له أبصار النور .
4_ تفعيل وتنفيذ قانون الكوتا النسائية والعمل على تطبيقه في الدورات الانتخابية المقبلة ، وما يتيح لمشاركة واسعة النطاق بشكل فاعل لحجم القوى النسائية في العمل السياسي .
5_ تفعيل دور المرأة الحزبية عبر تفعيل نشاطاتها ودفعها للانتماء الحزبي ،كمحطة بارزة وأساسية لها في العمل السياسي البناء .

1_ http://www.nna-leb.gov.lb/archive/20-10-2008/JOU100.html