لبنى والبنطال



الطيب آيت حمودة
2009 / 9 / 12

طفت قضية لبنى أحمد حسين السودانية على مسرح الحدث ، وجاءت تكملة لأحداث سبقتها على شاكلتها في قاموس التردي الاٍسلاماوي كرضاعة الكبير ,أومدى صحة دم البعوض للصلاة ، فكانت سمة التحاورات تنم عن مرجعيات دينية سيطر عليها رجال الدين ، وسدنة الفكر الغابر من المحدثين والمخبرين .
اٍن السودان الشقيق بلد متعدد الديانة والاٍثنية ، يعاني من تحكم الطغم العسكرية المتماهية مع العر ب والاٍسلام ، وتطبيق الشريعة الاٍسلامية في قضائها أمر جليل ، اٍلا أن النزول اٍلى محاكمة النيات بدل الأفعال شيء لم يرق لتعريف العدالة ، واٍن كان القرآن شدد في أمر اللباس المحتشم ، اٍلا أنه لم يقنن الأطر الكفيلة بالتطبيق .
الخطأ والعقوبة
اٍذا كان خطأ اٍرتكاب البنطال تطلب حكما بالرجم، الذي خفف اٍلى الغرامة ثم السجن ، بعض اعتراض المعنية ، فما حكم المنتهكين لحرمة رمضان جهارا ونهارا ، وما حكم الزناة ، وشاربي الخمر خلسة ، وارتكاب المحرمات الأخرى كشرب الدخان والتلذذ بالشيشة ، ومصافحة النساء في مجتمعاتنا الاٍسلامية .
مادام لبس البنطال يعرض للعقوبة ، فكل المشتبهات تتعرض للردع حتى لا يمس شعور المسلم في السودان أولا، وفي العالم الاٍسلامي ثانيا . واٍلا سيصبح ألحكم مجرد انتقام من كاتبة وصحفية ، كثيرا ما وصفت بالعلمانية . وعقاب الضلالة كما نعلم حسابها عند الله في الآخرة ويوم الحساب ، وهذا ما ورد في سورة الحج الآيتين 68/69 ( واٍن جادلوك فقل الله أعلم ما تعلمون / الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون ).
اٍن الخطأ المرتكب في تقديري ليس خطأ أصلا ، لأن لبس البنطال قد تكون فيه الحشمة والستر ، عكس الساري وبعض من الألبسة الشفافة التي تكشف المستور ، فأمر البنطلون فيه قول من جهة ..؟ ومن جهة أخرى لماذا نعير الاٍهتمام لأتفه الظواهر، ونسكت عن أكثرها تسفيها بالاٍسلام وقيمه ، فأين عقوبة تارك الصلاة ، والمنافق ، وهل بمقدور المحكمة معاقبة ومتابعة الاٍلحاد ، وسوء النية ، والفسوق بأنواعه ، وهل السكوت عن مظالم دارفور لم تمتد له أيادي التشريع ، أم أن في الأمر جهاد ضد الكفرة على يد الجنجويد الغلاة .
والسؤال الذي يطرح نفسه باٍلحاح هو من يعاقب من ؟ وهل المحكمة الاٍسلامية التابعة للدولة قادرة الاٍضطلاع بتطبيق الشريعة دون الاٍخلال بروح الدين؟ ،وهل هي حيادية في أحكامها ؟، وهل شريعة الاٍسلام طبقت في عهود سابقة عبر تاريخ دول الاسلام المتعاقبة ؟ بالحدة التي تراها دولة البشير الاٍسلامية ؟
الشريعة بين المأمل والواقع/
اٍن واقع تطبيق الشريعة الاٍسلامية اليوم حبر على ورق في بلداننا الاٍسلامية ، فكل مظاهر العولمة والعلمانية قائمة ، بنوك ربوية ـ تعاملات سلطوية مجحفة في حق المواطنين ، ضرائب لا علاقة لها بالاٍسلام ، رشاوي ، تطفيف في الكيل ، كذب ونفاق في التعاملات الاقتصادية ، اختلاسات لم تقو الصحافة على عدها لكثرتها ، مشاريع رهن تعاملات خفية ربوية غير قانونية ..... الخ
هل الهذا السيل الجارف من التعاملات له علاقة بالاٍسلام ؟وهل الدولة الاٍسلامية الفعلية قادرة الصمود في وجه العولمة والقيم الاٍقتصادية والاٍجتماعية الوافدة ، أم أن الأمر فيه انتقاء ،والٍانتقاء أثبت عدم جدواه ، للأن حضارة الغرب لا تقبل التجزيء، فاٍما أن تأخد الكل أو تنصرف عنها طلاقا ؟ وهل باٍمكان المسلمين التفريط في الغرب وحضارته بطائراته
من نوع الا يرباص والبوينج ، وأسلحته المتطورة ، وتكنولوجياته العالية في جميع مجالات الحياة الثقافية والطبية والعلمية ؟ .
أصبح المسلم اليوم عبارة عن سمك في بحر الغرب ، يختنق ويموت بمجرد اٍخراجه أو تركه لمياه ذاك البحر.فهم منتجون مهرة ،ونحن مستهلكون بجشاعة منقطعة النظير .
اٍن متابعة الغرب لترهات وحماقات الشرق مدعاة للسخرية ، لأن الغرب تجاوز هذه الأمور بعد صراعه مع الكنيسة ،الصراع الذي حدد ما لله وما لقيصر ، وأن الدين لله والوطن للجميع ، وعلى أساس أفعالنا وسلوكاتنا يحكم الغرب عنا ومن خلالنا يحكم عن الاٍسلام ، فالاٍسلام أصبح رهين تصرفاتنا وأخطائنا وعيوبنا التي غدت على لسان الغرب أحجية ومثار سخرية ، لأنهم لا ينظرون للدين كعقيدة وتشريع بمقدار ما ينظرون اٍلى أهل الدين وكيف هي تعاملاتهم في قضايا العصر والتعامل مع الغير . فنحن معشر المسلمين صورة متحركة ناطقة باسم الاٍسلام ، فهل نحن في مستوى عظمة الاٍسلام ، وهل بمقدورنا تجسيد تعاليمة في دنيا الواقع ، لنكون قدوة لغيرنا من البشر ؟

خاتمة
نظرات الغرب اٍلينا ساءت بسبب أخطاء ارتكبناها في حق الاٍسلام ـ لأننا لم نبلغ مستواه نضجا، وهو الذي يحتاج اٍلى قراءة متزنة بنظرة اليوم لا بنظرة الماضي ،وهو الصالح لكل زمان ومكان ، وما أحوجنا لاستخراج كنوزه وتوجيهاته التي تعبر عن التسامح والاٍخاء بين الأمم والشعوب . وتصحيح فهمنا له كفيل بزيادة انتشاره عبر بوابات الحوار المتزن ، الذي لا يقصي أحدا .