مسيرة حقوق المرأة



قاسم أمين الهيتي
2009 / 10 / 5

الجزء الأول - مقدمة
يعد موضوع المساواة بين الرجل وبين المرأة، من الأمور المهمة في وقتنا الراهن، فقد انشأ الرجال "باسم الشعب" قوانيناً وحقوق ومواطنة وظل النساء مكرسات للزواج وتربية الأولاد وحرمت من المواطنة. وهكذا بدأت مسألة اختلاف الجنسين تتصدر المناقشات في المجتمع الإنساني وما زال الجدل مفتوحاً في هذا الموضوع.
لا شك أن ما احتوته الفلسفة اليونانية في أفكار أفلاطون من كراهية للمرأة وحتى في الأدب اليوناني القديم في أسطورة هزيود وأعمال هوميروس والنظر إلى المرأة على أنها بحكم الطبيعة أدنى وهي محكومة في وظيفتها لإنجاب الأبناء والقيام بالواجبات المنزلية فحسب قد أثر تأثيراً كبيراً في تاريخ البشرية، وان العلاقات الاجتماعية تُترك للرجال وحدهم. على الرغم أن ذلك التراث كان لا يخلو من وجود إلهات من الإناث، واعتمد كثيراً على الطبيعة. لكن ذلك التراث أغفل التطور الطبيعي للجنس البشري وأن الكائنات الحيوانية وكثيراً من المملكة النباتية لا تتكون من جنسين منفصلين تماماً في كائنين. وعلى الرغم من موضوع وئد البنات عند العرب كان متبعاً في الجزيرة، إلا أن ظهور الإسلام قلب تلك المفاهيم لا في آسيا بل في البلاد الأوربية التي انتشر فيها الإسلام وخاصة في الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط . كما أن النهضة العظيمة التي قادها الأديب العربي الكبير قاسم أمين في مصر وما تلاها من تطور ثقافي في العراق وغنى لها الشعراء وعلى رأسهم الرصافي الذي قال:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت جيلاً طيب الأعراق.
انه من الخطأ أن تدل المظاهر الخارجية السطحية إلى الطبيعة الحقيقية للأشياء، بل لا بد من النظر بدقة إلى تأثيراتها وتفاعلاتها. وإذا ما أردنا نحاكي التكوين البيولوجي للإنسان نصل إلى أن الرجل والمرأة فرد بشري مكون واحد ووحدة أساسية غير منفصلة، تعمل بشكل متناوب في تطور الحياة بغض النظر عن مديات الاختلاف في التكوين الأنثوي والذكري لهذه الوحدة، وإن المجتمع المدني المكون من مجموعة هذه الوحدات "الأسر" هو في الحقيقة منبع الدولة كتركيب جدلي لشمولية المجتمع.
وإذا ما ناقشنا اختلاف المرأة عن الرجل فيجدر بنا نتفق على البديهية التي تقول من هو المختلف؟. فالرجل يختلف عن المرأة بقدر ما تختلف المرأة عن الرجل، وليس هناك أساس منطقي علمي لتقييس أسس الاختلاف بالنقص وبالزيادة. إذ إن للمرأة أدوار ليس بإمكان التكوين الذكري للرجل القيام بها، مثل الحمل والرضاعة ولذلك يكون قاصراً وهو في حال أدنى من الإيفاء باستمرار الجنس البشري. وإن للرجل أدوار ليس بإمكان التكوين الأنثوي للمرأة القيام بها مثل القتال في سبيل استمرار الجنس البشري وهي في حال أدنى من الإيفاء به.
المواطنة:
في الستينات من القرن الماضي ظهرت موجة عالمية تتناول الاضطهاد الواقع على النساء وفي نهاية العقد الثامن لذلك القرن بدأت الدراسات حول التكوين الأنثوي تهيمن على مجال دراسات المرأة وحتى ذلك الوقت لم يلقى مفهوم المواطنة الاهتمام اللازم حتى من قبل كثير من المدافعات النسوية. وافترض آنذاك أن المواطنة متعلقة بالسلطة والعلاقات السياسية وبالدولة والقانون والمواثيق الدولية وهمشت العلاقة بين الجنسين. وإن مصطلح المواطنة ارتبط بالطبقة والعرق والجنسية في بداية التسعينات وقليلاً ما ارتبط بالنوع. أما في أواسط التسعينات من القرن الماضي فقد دار الجدل حول محاور المواطنة كالحاجة لدولة الأمن والسيطرة الاجتماعية والدستور المكتوب والديمقراطية والحقوق والرفاهية وخطورة تشظي الدولة القومية والعلاقات التبعية في العولمة. لكن المواطنة لا تحدد في منظور واحد من الحياة بل ينبغي أن تشمل كافة مناحي الحياة من الواجبات والحقوق والاحتياجات المتنوعة للمواطنين لكلا الجنسين، وبالعلاقة بين الدولة والفرد وبين الأفراد أنفسهم، رغم الاختلاف لصورة المواطنة، في آراء المفكرين الحاليين.
يمكن تشخيص ثلاث فترات لصيحات الحركة النسوية في العصر الحديث:
الفترة الأولى في نهاية القرن الثامن عشر وكانت تلك الحركة على أثر كتابات روسو في العقد الاجتماعي الذي سمح للرجال فقط بالمشاركة في العقد الاجتماعي معطياً النساء دور الأمهات وتنشئة الأولاد على قيم المواطنة. إذ أن ذلك أثار ردود فعل نسوية كانت تتعالى على أساس أن الفروق بين الرجال والنساء ينبغي أن تكون بمعزل عن حقوق المواطنة. وتجلت تلك الصيحات بضرورة إثبات إن حقوق النساء الطبيعية ليست متطابقة على الإطلاق لحقوق الرجال الطبيعية أو إثبات أن النساء غير قادرات على ممارسة تلك الحقوق وعلى هذا النحو بقيت قضية مواطنة النساء تتم عبر المناداة أو المناجاة بمفهوم المساواة فقط.
الفترة الثانية: شملت العقد الثاني والثالث من القرن الماضي وكانت على أثر حصول النساء على حقوق الاقتراع في بريطانيا عام 1918. فلقد تبين للحركة النسوية أنه حق التصويت لا يقود بصورة سلسلة إلى المواطنة التي تتطلع إليها الحركة وإن المواطنة شيئاً أبعد واعمق من مجرد حق الاقتراع أو الحصول على الحقوق السياسية، وكانت تتوالى في وسائل إعلام تلك المرحلة الأسئلة التالية: ما طبيعة العمل الذي لا زال خارج نطاق فعالية المرأة؟ ما هي المساهمات الخاصة التي يريد الرجل من المرأة القيام بها؟ ما هو المطلوب من المرأة أن تقدمه مساهمةً في الحياة العامة ليصبحن مواطنات؟
الفترة الثالثة: وبدأت في سبعينات القرن الماضي ،إذ اختفى مرحلياً شعار المواطنة وذلك أثر ارتباط المرأة بالوظيفة الرسمية وحصولهن على معظم الحريات القانونية وفرص التعليم لا غير. وهكذا ظهر في تلك المرحلة سؤال على جانب من الأهمية داخل الحركة النسوية هو: عن أي طريق تنال المرأة على الاحترام الذي يتمتع به الرجل؟ هل عبر المطالبة بالمساواة؟ أو عبر تفعيل حقيقة الاختلاف؟. ونلاحظ على الرغم من أن السؤال لم يفصح عن مفهوم مصطلح المواطنة في جدل المساواة/الاختلاف لكنه كان يتضمن المفهوم. إذ أن حيثيات الإجابة تشمل العلاقة النسوية بالدولة و بالسياسة القائمة والحقوق المدنية والسلوك العام والواجبات وما إلى ذلك.
وهكذا ظهرت تصنيفات عديدة لموضوع النسوية على أسس فلسفية مختلفة. لكن أشهر هذه التصنيفات كانت التي اعتمدت على السياسة والتي تشمل ثلاث تصنيفات هي: الليبرالية، الماركسية، الراديكالية، إذ يقوم البرنامج الليبرالي على الحقوق المتساوية والمعاملة المتساوية، أما البرنامج الماركسي فيعتمد على إلغاء الاسترقاق الرأسمالي من أجل حركة نسوية أصيلة، في حين يرمي البرنامج الراديكالي على أن عملية فضح المعايير الأبوية والذكورية هي الاساس في تحرير المرأة. وهنا نلاحظ التداخل في الآراء لدرجة يصعب التفريق بين البرنامج الماركسي والليبرالي وأن كلا البرنامجين لا يعالج سياق الحوار حول المواطنة، أما البرنامج الراديكالي فقد تشعب إلى أنماط كثيرة بطرق مختلفة.
وبناءً على ما تقدم فإنه ينبغي أن يستمر الحوار للوصول إلى المرأة المواطنة ومواطنة النساء.
الجزء الثاني يتبع .