الناشطة الأصلاحية، والمبدعة السعودية (صباح الشهري) ودرس في القيم والأخلاق



احمد محمود القاسم
2009 / 10 / 6


تواصل الناشطة الأصلاحية، والكاتبة السعودية المبدعة (صباح الشهري)، تواصلها معي، وتضع النقاط على الحروف، بكل دقة واريحية وتحدي سافر، وتعطينا درسا عميقا، وقيما بالتفاني والنقد الذاتي البناء، وبفضح واقع المرأة السعودية المرير والمزري، في ظل المجتمع السعودي، وحتى واقع الرجل السعودي ايضا، بأسلوب ينم عن الواقعية والمعاناة الحقة، التي عايشتها عبر عقود من الزمن، القليلة جدا، لا تتجاوز عقود عمرها وشبابها، ولكن بفهم وبخبرة وتجربة عشرات العقود من السنين، وتقدم لنا درسا رائعا في النقد الذاتي البناء، وتضع النقاط على الحروف، بفهم عميق جدا، وابداع خلاق، واحساس عميق بالواجب الملقاة على عاتقها، بدون خوف او وجل، لما سيترتب عليها وعلى كيانها ووجودها وشخصيتها من عواقب وخيمة، من قبل أناس متنفذين في الحكم والسلطة السعودية، ممن لا يملكون حدا ادنى من القيم الأنسانية او الضمائر الحية، رغم معاناتها الشديدة، الناتجة عن مسها بدينها وكرامتها وشرفها وانسايتها وكبريائها وشخصيتها الرائعة والعظيمة، من قبل هؤلاء الفاسدين والفاسقين والمفسدين، الا انها ما زالت تملك روحا عالية جدا من الكبرياء والأنفة والعظمة، وهي حقا كذلك، والتي بناء عليها، لن تقبل لنفسها ان تستكين أو تستسلم، للظلم والهوان والأغراءات، مهما بلغت، وتبقي نفسها مصصمة بارادة قوية وحديدية، ان تواصل مسيرتها ونهجها المؤمنة به، وحتى لو كلفها هذا ثمنا باهظا، هو حياتها، لنتابع رسالتها العظيمة وايمانها العميق، ودرسها القيم، في القيم والأخلاق الرائعة والبهية، ولنتعلم منها حقيقة النضال السلمي الأجتماعي الشريف، والخلاق والرائع، في مجتمع غلب عليه طابع القبلية الوحشي والهمجي،خاصة اذا تعلق الأمر بالمرأة، هذا المخلوق الذي لا يساوي شيئا بالنسبة لهم، الا شرفهم، ومركز متعتهم الجسدية والجنسية فقط، لنستمع اليها في رسالتها عن نفسها، وعن ابناء جلدتها ونقرأ لها ما كتبته لي.
(اثني اولا بتحية، الى كل الاصلاحيين والاصلاحيات، تحية كل مشفق، على البلد والشعب، من مصير خطير،تحية كل من يطالب بإقامة العدل، وإعادة الحقوق إلى أهلها ، تحية كل مضحي بماله ووقته وجهده وذاته، في سبيل ذلك، محدثتكم لها تجربة عجيبة في معركة الحقوق، شرقت وغربت بها، حتى انتهى بها المقام الى أطروحات الحركة الأصلاحية، فأحست أنها برنامج يستحق التأمل، وربما يكون خلاصة ما يرنو له الإنسان، في مسيرة البحث عن العدل والحرية والكرامة .
أنا هنا أريد أن أطرح جزءا من تجربتي الشخصية، ليس استعراضا ومراءاة بما عملت، ولكن لعلي أساهم في توفير الجهد، على الكثير ممن يخوضون هذه المعركة، من خلال بيان ما هو ناجع ومنتج، وموافق للدين والقيم والأخلاق، وبيان ما هو مضيعة للوقت والجهد، وتناقض في الطرح، وفوضى في فهم المشكلة. إن حكايتي نموذج لمعاناة من يسعى لاستعادة حقه وحق أهله وجماعته في بلد مثل بلدنا، تشابك فيه التزوير والتدليس الفكري والعقدي، والديني والسياسي والاجتماعي، حتى أصبح من يسعى للإصلاح، وإحقاق الحق، مضطرا لأن يحارب على ستين جبهة، ولا أريد أن استعجل الأمر وأذكر ما تعرضت له، فستستمعون مني ذلك بإذن الله، ولكني أؤكد أن الإنسان، ما لم يكن عنيدا صابرا مصابرا مثابرا، لا يمكن أن يستمر في معركة الحقوق.
أقول، من فضل الله علي، أن أعطاني عقلا ناقدا، لا يقبل بفرض الرأي، لمجرد الرأي، وأعطاني فهما وسعة أفق منذ صغري، أدركت فيها كثيرا من الأمور التي غابت عن اقراني، وتولد عندي التوق للحرية والكرامة، واستعادة الحقوق، منذ نعومة اظفاري.كتب الله لي، أن أنشأ في بيئة ريفية معزولة، تيسر لي أن أرى فيها مستويان من المعاناة وهضم الحقوق والظلم والحرمان:
أما المستوى الأول: فهو مستوى قريتي ومنطقتي، ثم الشعب والوطن كله، مقابل من يدير هذا البلد، وكيف يديره وكيف يريد له أن يسير.
وأما المستوى الثاني: فهو ذاتي في مقابل أهلي، وفي مقابل كل ميدان دخلته وتعاملت معه، وكيف عانيت معاناة مركبة، سببت لي أزمة هائلة في نفسيتي، ولولا أن الله عصمني، لربما جعلت المشكلة في الدين نفسه.
أما مستوى التعامل مع أهلي وجماعتي وقريتي ومنطقتي، وكأنهم خارج بلاد النفط المتدفق والمال الوفير. كنت أسمع في الأخبار، قصص المليارات والتريليونات، وأرى النعيم والأبهة في قصور الكبار، وفي نفس الوقت، أرى قريتي ومنطقتي خالية من الطرق، محرومة من الكهرباء والماء والاتصالات، أما التعليم، فالمدارس تحت الأشجار، وأما العناية الصحية، فأقرب مركز صحي يموت المريض قبل أن يصل إليه. إضافة لهذا الحرمان من الخدمات، فقد كان هناك حرمان لأهلي وجماعتي في كل المنطقة، من أن يكون لهم نصيب من المال العام، اللهم إلا من كان منهم في جهاز الأمن أو الجيش أو الحرس.
رغم أني نشأت متمردة، ورافضة لهذا الحرمان، فقد كنت أظن أن المعاناة هذه خاصة بنا في قريتنا، وكان همي كله، كيف أسعى لأجل أن أقنع وجوه القبيلة، وأعيان المنطقة، بالضغط، لنيل حقوقهم، وكلي حماس واعتقاد، أنهم لو تحركوا في ذلك، لانتزعوا من الحكومة كل الخدمات التي اعطيت لغيرهم، وحرموا منها .
لكنني ما أن خرجت للدراسة، بعد أن وصلت لسن الجامعة، حتى أدركت أن البلاد كلها محرومة على مستوى مختلف من الحرمان، وأن المدن الكبرى فيها من البلاء والفوضى، ما قد يكون أسوأ مما في قريتي ومنطقتي. وأن الفئة الوحيدة التي لا ينقصها شيء في هذا البلد، هو عنصر واحد وعائلة واحدة، ومن حولهم من حاشيتهم ورفقتهم. ثم اكتشفت كذلك، أن المشكلة، ليست في الخدمات فحسب، المشكلة ليست في الحرمان من الكهرباء والماء والصحة والتعليم، وجدت أن البلد يعج بالبطالة بين الرجال والنساء، حتى كاد يكون بين كل عشرة مواطنين، أكثر من خمسة من العاطلين، وجدت الفقر في وسط المدن الكبرى، وليس في قريتي فحسب، وجدت الجريمة متفشية، والمرء لا يكاد يأمن على نفسه ولا على منزله ولا ممتلكاته ولا عرضه، حتى اشتقت لشيء من الأمان في قريتي، وجدت المخدرات، يتداولها الرجال والنساء، مثلما يتداولون الحلوى.
يا ليت الأمر وقف عند البطالة والفقر والجريمة والحرمان من الخدمات، فنقول: نصبر وأمرنا لله، ونجتهد في تغيير الحال، لكن، وجدت أمرا أسوأ من هذا كله، وجدت الدمار الحقيقي، وجدت إهانة للإنسان، وسحق لكرامته، وتدمير لشخصيته، وإشغاله في توافه الأمور، ومنعه من أن يكون منتجا نافعا في بلده، بشخصية مستقلة مفيدة.
وجدت الحقوق ضائعة، ولن تنتزع حقا، ما لم تكن متكئا على ركن من أركان المتنفذين.
وجدت القضاء بينه وبين عدالة الشرع، ما بين المشرق والمغرب، وعلمت أن وصفه بالقضاء الشرعي، اعتداء على الشرع، وعلى دين الله.
في كل مرة أتعرف على شي أظن المشكلة في المسؤول عنه، ففي البداية، كان المسؤول في نظري هو المدير المحلي للكهرباء والمياه والصحة والتعليم والمواصلات والبلديات، ثم انتقلت إلى وزارة الكهرباء والمياه والصحة التعليم والمواصلات، لكنني أيقنت أخيرا، أن المشكلة ليست في أي من هؤلاء، وأن صاحب القرار السياسي هو المسؤول عن هذا كله، وأن هؤلاء الوزراء، مجرد اشكال، على كراسي لا يحلون ولا يربطون.
في كل مرة، أحمل مستوى ما، المسؤولية، أكتب المعروض والشكوى والتظلم للمستوى الذي يليه، حتى علمت الآن، ان هؤلاء الذين تقدم لهم المعاريض، هم الذي دمروا البلد، وأكلوا ثرواته وصادروا حقوق الناس فيه، وأهانوهم ودمروا شخصياتهم، وأذلوا رجالهم واستباحوا أعراضهم.
هذا ما كان مني على مستوى الهم العام، على مستوى التفكير بحاجة قريتي ومنطقتي، ثم بلدي من الخدمات والأمن والكرامة والعزة.
اما على المستوى الثاني، وهو المستوى الشخصي، فقد كان لي فيه صولات وجولات خطيرة، وكدت أن أخسر نفسي وديني وعرضي، بسبب هذا الوضع البائس، لولا أن عصمني ربي، وبحمد الله كان لدي الحد الذي يكفي من معرفتي بالدين، منعتني من ربط الظلم الاجتماعي بالدين. وكان لدي الحد الذي يكفي من اعتدادي بانتمائي لأهلي، ومكاني بما قوى شكيمتي وحماني من التبذل والتصرفات الطائشة الرخيصة.
من فضل الله علي، أن أعطاني شخصية متطلعة ترنوا إلى إثبات ذاتها، دون كبر ولا خيلاء ،وشخصية إيجابية، تريد أن تعطي وتقدم في سبيل دينها وأهلها ووطنها، كل ما بوسعها، وشخصية ناقدة، لا تقبل الخطأ، وتبين مكان الزلل، وتكتشف ما لا يليق من أقوال وتصرفات، وشخصية شجاعة مستعدة للمجازفة في سبيل الاعتراض على ظلم، أو المطالبة بحق، وشخصية عزيزة، ترفض الإهانة والاحتقار والتجاهل والقمع، وشخصية عنيدة، بإصرار وصبر، ترفض الملل والاعتراف بالهزيمة، وتصر على الاستمرار بالمطالبة بالحقوق.
وأنا أتسائل بعد تجربتي في الحياة، كيف رزقت كل ذلك؟؟ رغم أن البيئة التي حولي كما عرفت بعد تجربة مريرة، أنها بيئة لا تشجع إلا على السلبية والذل والجبن، والقبول بالأمر الواقع، ولا أريد أن أشغل أحدا بقضايايا الشخصية، ولا بتفاصيل حياتي، لكن الذي أظنه، يهم الأمة، هو أني حين تمردت على ما ظننته ظلم وجريمة وإهانة لي شخصيا، ثم لأهلي وقريتي، واجهت القمع من كل جهة، تعاملت معها وبكل الصور الممكنة. وتكرر الأمر حين انتقلت الى الدراسة في الجامعة، وشهدت الفساد الإداري والأخلاقي، وفوضى المدرسين والمدرسات والطالبات.
ثم أخيرا وصل الأمر ذروته، حين تخرجت وتوظفت، وكلي رغبة بأن أحقق آمالي بخدمة أهلي وجماعتي ثم وطني، واذا بالمشاكل تبدأ، وكأنها لم تبدأ بعد، والقمع يتكرر ويتضاعف، ويتشعب ويتشكل، فمن تسليط المقربين علي بحجة العقوق، إلى تشويه سمعتي دينا، واتهامي بالانحراف والتحرر من الدين، إلى اعتقالي وإيداعي السجن، وأخيرا وهو أسوأها، إلى محاولة الادعاء، أن ما يصدر عني مبعثه أمراض نفسية مستعصية.
لم يكن مؤلما لي أن يتسلط علي المباحث أو مسوؤل في الإمارة أو الجامعة أو إدارة التعليم، ولا أن يتآمر علي زميلتي في الوظيفة، تحسدني على أدائي، فكل هذا متوقع، وأنا كنت مستعدة له نفسيا ، فلست أتوقع من الظالم المجرم، أن يرحب بي ويشجعني، ولم أتوقع من الإدارات الفاسدة، شكري على ما أكشفه من فساد، ولم أتوقع من الزميلة التي قتلتها الغيرة، أن تدعو لي في الغيب.
لكن الذي قتلني وآذاني وآلمني جدا، وأعترف بأنه آلمني رغم قوتي وصلابتي وتماسك نفسيتي، هو تشرب معظم من أعرفهم ممن حولي من أهلي وجماعتي للذل والخوف والسلبية واللامبالاة، واستعدادهم لتجريمي من أجل إرضاء الظالم، رغم علمهم بأني، إنما أضحي من أجلهم وأحترق حتى اسهل حياتهم.
وأكثر من ذلك، نجاح الظالم على مدى عقود من سنين القمع والإفساد والتخريب، بنشر الأنانية والحسد والبغضاء، والكيد بين الناس، وسوء الظن والتعامل بالشكليات. هذا إضافة لانتشار الانتهازية والغش والخداع والجريمة والاعتداء، على حقوق الآخرين، وتسلط صاحب أي سلطة، أو كل قوي، على من تحت سلطته، سواء كان امرأة أو طفلا أو وافدا من الوافدين، أو غير ذلك من العناصر الضعيفة .
فوالله، لقد كنا مجتمعا سهلا لطيفا متضامنا مليئا ببر الوالدين وصلة الرحم، يحسن كل منا الظن بالآخر، ويتحمل أخطاءه المحدودة، وكانت الثقة بين الناس، واحترام الكبير والعطف على الصغير، هي السائدة، وكان آخر شيء تتصور حصوله أن يستغل صاحب سلطة، أو القوي لسلطته، أو قوته أو أن يكون انتهازيا رخيصا.
من عجائب حياتنا قبل أن يغزونا فساد هذه العائلة المفسدة، أن الناس رجالا ونساءا، لم يكونوا مهووسين بالجنس، والمرأة كانت في عين الرجل، أختا وأما وابنه وزوجة وإنسانة، شريكة له في حياته وتجارته ومزرعته وماشيته، وكذلك المرأة، لا تنظر للرجل، إلا أخا أو والدا أو زوجا أو ابنا وعضيدا وإنسانا شريكا لها في حياتها وشؤون حياتها.
حتى لو حصل من أحد الطرفين ميل للطرف الآخر، فهو ميل غريزي طبيعي، غالبا ما يترجم إلى علاقة شرعية سليمة، بطريقة طبيعية، وإذا لم يترجم، يتم احتواؤه بشكل هاديء.
كانت المرأة تعمل في الحقل، وتكرم الضيف بنفسها، وتمارس النيابة عن زوجها ووالدها، إذا كان غائبا، وتمارس تجارتها وشؤونها بنفسها ، دون أن يكون هم من يتعامل معها بجسدها، والتمتع بها ودون أن يكون هناك إساءة ظن بها، وبمن تعامل معها.
وأتانا هذا الغزو الفاسد، فصارت المراة عند الأقوياء والاغنياء والمرتبطين بالعائلة الحاكمة، أداة متعة مؤقتة، ترمى بعد التمتع بها، وصارت عند المتدينين ردة فعل مبالغ فيها، جعلت المرأة أصل الخطيئة، وكأننا نتربى على كتب النصارى القديمة، أما عند الجهلة، وخاصة الذين كثر فيهم الجشع والطمع، فصارت المرأة مخلوق حقير، تورط فيه هذا الرجل، حتى كاد بعضهم يعود لوأد البنات، إلا في حالة واحدة، إذا كان لديها وظيفة، فهي مصدر رزق، لكنه تحت تصرف هذا الرجل بالكامل.
ثم تفرعت عن هذا الواقع الجديد، نتائج كارثية لا حصر لها، فمن والد لا يسمح لابنته بالزواج مطلقا حتى لا يخسر راتبها، إلى والد يزوج ابنته الجميلة التي لم تكد تصل خمسة عشر عاما لرجل ثري، حتى لو كان طاعنا في السن، أو من أفسد الناس من أجل ماله الوفير، إلى أخ يسترزق من راتب أخته، وهو يتحكم بها إلى غير ذلك من الآثار الخطيرة.
ومن جانب آخر تفرع عن هذا الواقع، تفكك الأسر وانتشار الفساد الأخلاقي والشذوذ الخطير، لأن الناس لم يعد يربطهم، لا دين ولا قيم ولا مسؤولية، وهم أصلا لا يحترمون أنفسهم الاحترام الكافي، بعد أن عاشوا عقودا تحت ذل وإهانة، وتتابع على ذلك أجيال وأجيال.
رغم ما آتاني الله من شخصية ناقدة، وجرأة وثقة بالنفس، إلا أنني في بداية شأني، لم يكن لدي ذلك الوعي الكافي، ولا الغزارة العلمية في الشرع والسيرة والتاريخ، ما يكفيني للتعامل مع التحديات. ومن جهة أخرى، لم يكن حولي ذلك الموجه الناضج الحكيم، المستوعب لكل هذه القضايا.
حينما تصديت بنفسي لهذه التحديات، استنزفت كل ما لدي من علم ووعي، وبحمد الله، أثبت ذاتي وتمكنت من المواجهة، لكن بثمن غال، وهو السجن والسمعة، وتخريب العلاقة مع كثير من العزيزين علي. وحينما مرت بي بعض العوارض، ولا أظن مواطنا في بلاد الحرمين من المقهورين المظلومين، وخاصة النساء، لم يمر بأزمة نفسية. وفرق، بين أن توصف هذه العوارض وصفا مقبولا، بأنها عوارض طبيعية، تصيب أي إنسان، وبين أن يدعى أنك مجنون، حتى ينزع عنك صفة المطالبة بالإصلاح بالكامل، وهو ما فعله المجرمون معي.
أخطر ما كان يمر علي، هو أن نفس المفسدين، الذين خربوا أهلنا وخربوا بلادنا، كانوا يوحون إلينا بكل خبث، بأن الحل، هو باللجوء للتخلص من الدين والقيم والتعري من الواجبات الشرعية، حتى يستمتعوا بنا من جهة، وحتى يجعلونا عرضة لأن نتهم بالانحراف عند اللزوم، فيسجنوننا متى ما شاؤوا، ويشوهوا سمعتنا كيفما أرادوا.
خلال مسيرتي في رفض الظلم والتمرد على الطغيان، لاقيت الكثير ممن يزعمون محاربة الظلم، ثم أكتشفت أنهم ممن وقعوا في فخ المفسدين، وجعلوا الدين والقيم هي السبب، وكم مرة حاولوا بي واستماتوا من أجل ذلك، بعد أن عبروا عن إعجابهم بكتابتي وكلامي، لكنني دائما، كان في نفسي شيء من دعوتهم وتصرفاتهم.
أعترف، أنني خلال هذه المسيرة، ارتكبت بسبب قلة الناصحين، أخطاء كثيرة، اجتهدت فيها، نعم أخطاء لكنني أظنها لا تقدح في ديني ولا في أخلاقي، ولقد سببت لي هذه الأخطاء، مشاكل كثيرة، أحمد الله أنني استطعت تجاوزها. ثم يسر الله، واطلعت على ما تطرحه حركة الأصلاح من برنامج ومنهج وفكر ورسالة، فقلت سبحان الله، هذا الذي أريد، رفض للظم، وتمرد عليه، وتشخيص صحيح للمشكلة، وفي نفس الوقت، تمسك بالثوابت، وعدم تفريط بالمكتسبات التاريخية العظيمة لهذه الأمة.
رأيت في الحركة، التشدد المطلوب المحمود في المباديء، وفي نفس الوقت، المرونة والواقعية في التطبيق والتعامل، وها أنا بحمد الله، وجدت ضالتي، وأقول: الحمد لله الذي يسر لبلادنا مثل هذه الحركة، بهذه الرسالة، وهذا البرنامج، وحينما راجعت برنامج الحركة، اكتشفت أنني لو استقبلت من أمري ما استدبرت، ما ضيعت ولا جزءا من عمري بعيدة عن هذه الحركة، وبهذه المناسبة أقول:
أولا: توصلت إلى نتيجة أنني لا اطالب فقط بحقوق النساء، فقد اكتشفت أن الرجال مظلومين كذلك، فإنني ادافع عن حقوق الرجال والنساء، وهذا ما اعجبني في طرح الحركة، في أن النساء يطالبن بحق الجميع، والرجال يطالبون بحق الجميع .
ثانيا: اقول لكل من يعرفني من أهلي وجماعتي، أن ما نسب لي في الماضي من أمور خاطئة، هو إما بهتان وباطل مكذوب علي، أو تفسير غير مقبول لكلامي، أو هو خطأ حقيقي، أعتذر عنه وأعود للصواب.
ثالثا: رغم معرفتي بالظلم، من كل صاحب سلطة، أو قوي على من تحته، أن المشكلة الرئيسية ليست منهم، بل هي من صاحب القرار، الذي أفسد التربية والأذواق والقيم، وبث النزعة الشريرة للابتزاز والتحكم.
رابعا: ادعو جماعتي وأهلي أن يتذكروا أنهم مسلمون لا يعبدون أنفسهم إلا لله، وعرب أقحاح، أنسب شرفا ومقاما من هؤلاء الفسدة، الذين تسلطوا علينا، ولا نعرفهم، فلا يخذلونا في دينهم ولا عروبتهم، وليقفوا أعزة شرفاء في وجه الإذلال والعبودية.
خامسا: ادعو كل الشعب، في بلدي رجالا ونساءا، أغنياءا وفقراءا، بادية وحاضرة، من الشمال والجنوب، والشرق والغرب والوسط، أن يكونوا يدا واحدة، على الظلم والطغيان والفساد، عسى الله أن يرفع عنا هذه الغمة، ويكشف عنا البلاء، إنه سميع مجيب، والسلام عليكم ورحمة الله ).