الفؤوق الجندرية بين العلم والخرافة



قاسم حسين صالح
2009 / 10 / 7

يعني الجندرGenderالبعد الاجتماعي الحضاري لمفهومي الرجل والمرأة في المجتمع والخبرة النفسية للفرد من حيث كونه ذكرا أو أنثى ، فيما يعني الجنسSex البعد البيولوجي للخصائص الجسمية التي تميز بين الذكر والأنثى . والغالب أن يكون " جندر " الفرد و " جنسه " متشابهان ، ويحصل أن بعض الأفراد الذكور بيولوجيا يشعرون نفسيا بالأنوثه ويكرهون أدوارهم الذكورية ، وبعض الأناث يشعرنّ نفسيا بالذكوره ويكرهن أدوارهن الأنثوية .
وبفعل نشاط الحركات المؤيدة لحقوق المرأة والمناهضة للنظرة التقليدية التي تضع النساء في مواقع أدنى من الرجال على كل المستويات ، باستثناء الأمور المنزلية وتربية الأطفال ، فقد انشغلت الدراسات الحديثة بمعرفة الفروق الجندرية بين الجنسين وتوصلت الى نتائج تخطّأ الكثير من المعتقدات الشعبية بخصوص المرأة .
المرأة والقيادة
ترى النظرة التقليدية أن المرأة لا تصلح للقيادة ، فيما تشير الدراسات الى أن المرأة أفضل من الرجل في قيادة أعمال معينة ، وأنهن يملن أكثر الى قيادات ديمقراطية ، وانهن الأفضل في أسلوب التعامل مع المرؤوسين والأهتمام بمشاعر العاملين معهن ، فيما يميل الرجال الى السيطرة في القيادة ، واعتماد الأسلوب الميكافيللي والتوكيدي وقلّة الأهتمام بمشاعر العاملين معهم . ولهذا يكون الرجال أفضل ، كقادة ، في الأعمال التي تتطلب القدرة على توجيه الأفراد والسيطرة عليهم كالقوات العسكرية ، فيما النساء أفضل في قيادة الأعمال التربوية والاجتماعية التي تتطلب مهارات في العلاقات المتبادلة .
غير أن النظرة التقليدية ترى أن المرأة ، كقائد ، أقل فاعلية من الرجل على كل المستويات . والسؤال : هل يعود السبب الى أنها فعلا " قائد سيء " أم لأن العاملين معها يستخدمون مسطرة مختلفة لقياس أدائها ؟
ان التحليل السيكولوجي للنظرة العامة للمرأة هي أنه يراد منها أن تكون بضعف أداء الرجل في جودة أدائه ليقال عنها قائدة جيدة . أما اذا كان اسلوبها في القيادة " ذكوريا " ، بمعنى " أوتوقراطي " فانه يجرى تقويمها سلبيا بضعف اداء رجل قائد يستخدم الأسلوب نفسه ، وتلك اشكالية . فعندما يتصرف الرجل مع مرؤوسيه بأسلوب توكيدي فأنهم يستلطفون ذلك ، في حين اذا تصرفت المرأة بالطريقة نفسها فان مرؤوسيها ، وبخاصة الرجال ، يستنكرون ذلك . ويبدو أن الكثير من الرجال لا يرتاحون للنساء اللواتي يستخدمن نفس تقنيات القيادة التي يستخدمها الرجال.
وهنالك الكثير من الناس ، حتى في الثقافات الغربية ، لا يقبلون بترشيح المرأة لمنصب الرئاسة ، لأنهم يحملون صورة نمطيةعن النساء بانهن ضعيفات وليس لديهن القدرة على تحمل مهام المناصب القيادية التي تتطلب مسؤوليات كبيرة وقرارات مصيرية .
القدرات المعرفية والتحصيل
تشير الدراسات الى ان الرجال والنساء يتشابهون في القدرات المعرفية والتحصيل الأكاديمي اكثر مما يختلفون . ومع أن الرجال ينجزون أفضل في : الرياضيات والعلوم والحاسبات ، فان النساء يتفوقن عليهم في : المهارات اللغوية والذاكرة اللفظية والمكانية والسرعة الادراكية والمهارات الحركية الجميلة . وبعكس ما هو شائع من أن النساء يقتنعن بسرعة وسهولة فان الدراسات تفيد بعدم وجود فرق بين الجنسين. وقد توصلت دراسات عربية الى ان الصورة النمطية التي يحملها الرجل عن المرأة تتركز في كونها اعتمادية تابعة وليس مكملة ، وانها تنقصها القدرة الذهنية في مجال الفكر والمعرفة .
وفي مجال التحصيل الأكاديمي ، يكفي هنا أن نستشهد بنتائج الامتحانات الوزارية للسنة الدراسية الحالية" 2009" ، اذ كانت المراكز الثلاثة الأولى في الفرع العلمي لثلاث طالبات من كربلاء وبغداد-الرصافة الثانية وذي قار، حصلن على معدل أكثر من 98% ، والنتيجة نفسها في الفرع الأدبي ، لثلاث طالبات حصلن على معدل 94%.
الفروق الجندرية في الانفعالات
هل يمكن ان تؤدي الثقافة الجندرية الى الاصابة بالاضطرابات النفسية ؟ . الجواب : نعم . اذ تفيد نتائج الدراسات ان النساء يتعرضن الى اضطرابات القلق والاكتئاب اكثر من الرجال . ويعزى ذلك الى خوفهن من الانفصال عن الاخرين ، واحتمال تعرضهن لاساءة بدنية أو جنسية من قبل الرجال ، وانهن يستدخلن الاضطرابات نحو ذواتهن فيما الرجال تعلموا اجتماعيا" توجيه انفعالاتهم للخارج . وفيما يكثر اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية بين الرجال ، فان اضطراب الشخصية الهستيرية اكثر شيوعا" بين النساء، لبرودة مشاعر الرجال نحوهن ومحاولتهن جلب الاهتمام بهنّ . وقد عملت الثقافة مؤخرا" على ان تزيد نسبة الاصابة بفقدان الشهية العصابي لدى النساء ( اي الامتناع عن الأكل بقصد انقاص الوزن ) وكذلك النهام ، ( اي كثرة الأكل ). ويذكر هنا ان الأميرة ديانا كانت مصابة به ، وقد عزته الى احترام ذات منخفض وشعور بعدم الأهمية والقيمة يتحول الى ملء المعدة بخمس وجبات أو اكثر باليوم فتشعر بالراحة ، على حد تعبيرها .
ومع ان الباحثين لم يجدوا فروقا بين الجنسين في التعبير عن الحب والغيرة والاحراج حين ترتكب اخطاء في مواقف عامة ، الا انهم وجدوا ان النساء اكثر ميلا" الى التلقائية والصداقة والمساعدة والتعاطف والثقة والتعاون والايثار والحرص الايجابي ، فيما يميل الرجال الى المنافسة والتوكيدية والسيطرة والمخاطرة والعدوان وارتكاب الجرائم وضعف الحرص الايجابي . وهنالك ما يشير الى ذلك، اذ تبين ان النساء البرلمانيات في البرلمان العراقي اكثر حرصا" من البرلمانيين الرجال في حضور اجتماعات المجلس والبقاء الى حين انتهاء جلساته ، وهو امتياز لهنّ حتى لو فسّر هذا الحرص بانه ناجم عن حاجة المرأة الى توكيد ذاتها .
هل المرأة ناقصة عقل فعلا" ؟
معروف اننا نمتلك " دماغين " : ايمن يهتم بمعرفة البيئة والتأثير في الأشياء المحيطة بالفرد ، وأيسر يرتبط بالكلام والمنطق والوقت والتفاصيل . ومع أن الذكور والاناث يتشابهون أكثر مما يختلفون في كل الأبعاد النفسية ، وأنه لا يوجد دليل ثابت باختلاف تركيبة دماغ الرجل عن تركيبة دماغ المرأة ،فقد توصلت الدراسات الحديثة الى ان " الدماغ الايسر " لدى الاناث يتطور بسرعة اكبر من " الدماغ الايمن " مقارنة بالذكور . وبهذا فانهن يتفوقن على الذكور في القدرات اللفظية والتحليل ، وانهن افضل من الذكور في حل المشكلات ! . فيما الرجال يتفوقون على النساء في القدرات الميكانيكية والمكانية المتعلقة بالفضاء ، وهي امور حرفية! . واذا اضفنا الى ذلك ان التوازن بين نصفي الدماغ افضل لدى الاناث لأن الفص الجاسيء ،المؤلف من مئتي مليون عصب تربط بين الدماغين ، اكبر عندهن من الذكور ، مما يشير الى تكامل افضل بين نصفي الدماغ لديهن ، وأن هرمون السيروتينين لديهن اعلى ، مما يجعلهن اكثر خوفا" وخجلا" وابتعادا" عن المغامرة والعنف .. والفساد المالي ! ، فان هذا يكفي للقول بان دماغ المرأة افضل من دماغ الرجل في هذه الأمور ولو كره الكارهون ! .
بقي أن نذكّر من لا يزال مقتنعا بخرافة أن المرأة أدنى مستوى من الرجل بأنموذجين في القيادة هما : نزيهة الدليمي ، أول وزيرة في الحكومة العراقية ، وسعاد خليل اسماعيل ، أول وزيرة للتعليم العالي في العراق . وبأفضل مبدعة في التصميم المعماري المهندسة زهاء حديد التي فازت في مسابقة عالمية بمشروع (ذي بيك )في هونك كونك ، والجائزة الأولى لتصميم جسر في ابو ظبي ، ومشروعين في المانيا وآخر في فرنسا ، وفي أمريكا .. ولكم ان تستحضروا المبدعات في الطب والعلوم الاخرى مع المبدعات في الفن المسرحي امثال زينب وناهدة الرماح ،وسربا من الفنانات التشكيليات تتصدرهن ليلى العطار . ولن تنسى الذاكرة ، برغم أن ذاكرة الرجل الشرقي تعمد ان تضع النساء في قعرها ، رائدة الشعر الحر نازك الملائكة والشاعرة لميعة عباس عماره المبدعة حتى في الشعر الشعبي .. فأي كلام في الغزل اجمل من قولها :
( ارد اسألك وبحسن نيّه ، ومحلفّك بالله ترد.. ربك بيوم الصورك، كم يوم كلي نكعك بماي الورد!).