المرأة فى ثقافة الشرق الأوسط الجديد



محمود حافظ
2009 / 11 / 2

فى رؤيتنا لثقافة الشرق الأوسط الجديد هذه الثقافة التى كانت بداية لعصر العولمة كما قلنا سابقا بقيادة أمريكا وخاصة فكر المحافظين الجدد والتى ربطت هذه المنطقة الغنية بالطاقة والمواد الأولية وكذا المنتجات الزراعية المطلوبة للسوق الرأسمالى وفتح أسواق هذه المنطقة أمام المنتجات الرأسمالية الإستهلاكية هذا الربط الذى تم عن طريق فئة ثم طبقة طفيلية كولونيالية هذه الطبقة الكولونيالية عدوها اللدود فى المجتمعات الشرق أوسطية هو أى حراك يؤدى إلى التنمية فهى فى عداء وصراع مع الرأسمالية الوطنية أو المحلية وكذا نقيضها العمالى وهى لضمان صيرورتها تعمل جاهدة علىضرب أى مشاريع تنموية تؤدى إلى خلق طبقة عمالية أو طبقة رأسمالية محلية بمعنى لضمان تبعيتها وتأبيد هذه التبعية لابد من إقصاء البنية الإقتصادية للمجتمع وإحلال بنية مكانها لتفريغ المجتمع من محتواه وهذا ماساقته الإمبريالية العالميةوروجت له من خلال ماكينتها الإعلامية الجبارة والتى بها وبالتبعية أحلت البنية الإيديولوجية محل البنية الإقتصادية ولتأبيد هذا الوضع لابد من إعادة إنتاج أنماط إجتماعية سلبقة عن النمط السائد وهو نمط الإنتاج الرأسمالى ففى بلد كمصر يعاد إنتاج نمط الإنتاج الأسيوى ذو السلطة المركزية البيروقراطية وفى الجزيرة العربية يعاد إنتاج الأنماط الرعوية الشبيهه بالعبودية وهذا يعنى أن تجر المجتمعات الشرق أوسطية إلى سلفية أو أصولية يلغى بمقتضاها المنهج العقلانى ويحل محله التحكم الغرائزى باللعب على العواطف والغرائز وهذا ماأشرنا إليه سابقا بثقافة الشرق الأوسط الجديد .
ولأن هذه الثقافة ثقافة غرائزية فهى لها ملامحها الخاصة بها وأهم هذه الملامح إقصاء الآخر وعدم الإعتراف به ونفيه هذا بالإضافة إلى الرجوع إلى القبلية وبدلا من وجود مجتمع طبقى تتصارع فيه الطبقات يوجد مجتمع قبلى تتصارع فيه العصبيات والطوائف لتكون الملامح العامة للمجتمع طائفية إثنية .
هذه هى إدارة السلطات التابعة لمجتمعاتها ذات التوجيه الإمبريالى ونجد هنا إن إدارة الدفة لابد أن تكون فى يد السلطة الأقوى ماديا أى التى تملك الثروة وهذه السلطة تتوفر فى البلدان النفطية التى يطغى معها نمطها على بقية الأنماط بقوة تكدس رأسالمالويطغى بمقتضاه التوجه العقائدى .
هنا نجد طغيان الفكر الوهابى السلفى على الفكر الأزهرى المعتدل وهذا يعنى بالنسبة لنا هنا هو طغيان البيئة الصحراوية على البيئة المائية ومن هذا المنطلق تظهر لنا تأثير ذلك على المرأة الشرق أوسطية .
فالمرأة فى الثقافة الشرق أوسطية الجديدة تعود سلفيتها إلى المرأة الصحراوية التى هى بالضرورة مقصية من العملية الإنتاجية بعكس المرأة التى وجدت فى البيئات المائية فقد كانت هى الصانعة الأولى للحضارة الإنسانية لإكتشافها الزراعة وإستئناسها للحيوان فقد كانت المرأة فى البيئة المائية شريك أساسى فى العملية الإنتاجية وفى كافة الأنماط المائية كانت المرأة حاضرة وبقوة بل كانت حاكمة فالملكة حتشبسوت فى مصر ذات البيئة المائية وكذا بلقيس فى اليمن السعيد وكذا زونبيا فى الشام كلهن نشأن فى بيئات مائية وجميعهن أصحاب حضارات .
أما المرأة الصحراوية فقد كانت ساكنة فى خدرها تحت رعاية الرجل الذى يمتهن مهنة القنص طبقا لبيئته الصحراوية والمرأة هنا إن خرجت من خدرها أصبحت فريسة يسهل قنصها لذلك كانت المرأة دوما إن تحركت حتى مع الرجل كانت وبالضرورة داخل عباءة لامرئية حتى لاتجذب آخر يتربص بها لقنصها وكان الشائع فى هذه البيئة قنص ما يتحدث الناس عن جمالها .
إذن السائد فى هذه البيئة هو أن تكون المرأة مخفية عن الأنظار والغريب هنا إنه منذ ظهور الإسلام فقد كان الخطاب الدينى التحلل من هذه السيادة بأن تظهر المرأة وجهها وكفيها وهذا عند طوافها بمعنى إن المرأة عندما تكون فى حضرة ربها تظهر أمامه كاشفة عن وجهها وكفيها ونحن نعتبر ذلك تطورا كبيرا وتغييرا فرضته الديانة الإسلامية فى حق المرأة فعندما تكشف المرأة عن وجهها فى أكبر تجمع بشرى بالنسبة اهذه المجتمعات فإن المرأة هنا أصبحت معروفة وأصبحن جميع النساء معروفات وهنا تفرض المعرفة الجماعية الأمن الجماعى وخاصة عندما يكون الأمر مرتبط بخطاب تغييرى .
وعندما فرض الخليفة عمر بن الخطاب رجوع المرأة إلى نقابها كان هذا الفرض فى أشد الظروف قسوة إجتماعية فكانت هذه المرحلة مرحلة جدب وفى الجدب تقسوا القلوب ويظهر العنف .
هذه هى ملامح المرأة الصحراوية والتى تبناها الفكر الوهابى ونشرها فى الجزيرة العربية وخاصة فى السعودية والذى طغى بها على المجتمع الشرق أوسطى والذى تظهر فيه المرأة نتيجة هذه الثقافة كائن قابل للإفتراس بدلا من أن تكون المرأة عضوا فى المجتمع فاعلا عاملا .
إن هذه الرحعية الثقافية والتى فرضتها الإمبريالية بواسطة الطبقة التابعة لها قد أقصت كل ثقافة الحداثة التى عمل على إشعاعاتها رواد الحداثة العرب سواء فى مصر أو الشاموالتىتكافأت فيها المرأة مع الرجل حتى ثمانينات القرن الماضى وأصبحت صورة المجتمعات الشرق أوسطية مغايرة تماما عن صورتها قبل نشر وتغلغل ثقافة فكر المحافظين الجدد لإعادة تقسيم الشرق الأوسط على الطائفية والمذهبية والإثنية هذه الثقافة الإقصائية الفردية الغير معترفة بالآخر ثقافة القبلية التوريثة التقسيمية ثقافة إخضاع الشعوب وإشاعة فوضى الرغبات الغرائزية والتىتتحمل المرأة الشرق أوسطية العبء الأكبر منها .