أدب نسوي أم إنساني ؟



صبيحة شبر
2009 / 11 / 4

الأدب تعبير عن الإنسان وعن طموحاته ، آلامه وأحزانه ، مسراته القليلة وأحلامه المتوهجة بصنع غد أفضل ، والإنسانية تستوي عند الرجل والمرأة معا ، فهما يتصفان بخصائص مشتركة يتميز بها البشر في كل مكان ، والأدب حين يعبر عن النفس الإنسانية، وتطلعها إلى حياة أجمل ، يختار الشكل الجميل واللغة المعبرة الموحية، والقادرة على التأثير في المتلقي ، وجعله يؤمن بوجهة نظر الكاتب، متخذا رأيه في المسائل المختلفة ، ورغم أوجه التشابه بين الرجل والمرأة في الكثير من الصفات ، إلا إنهما يتمتعان بصفات أخرى متباينة، تتضمن اختلافات جوهرية في الشكل، و قوة المشاعر وطرق التعبير عنها، والوسائل المتبعة في الدفاع عن وجهات النظر والمعتقدات ، ومنظومة كبيرة من الثروة اللغوية ، وحين يتخذ الرجل أسلوبا يدل على شخصيته الميالة إلى العنف والهيمنة ، فإن المرأة تتميز بالليونة والرقة في المعاملة ، لهذا تختلف طرق التعبير عن المشاعر و حتى عن الأفكار أحيانا بين الجنسين ، فهل يحق لنا أن نطلق وصفا للأدب لاعتبار جنسية منشئه ؟ فنقول هذا أدب رجالي لأن كاتبه رجل ، وهذا أدب نسائي ، لأن كاتبته امرأة ، وفي مجتمعاتنا المعروفة بتهميش المرأة والنظر إليها كتابعة للرجل، تأتمر بأمره ، وتقلد ما يجده مناسبا ، فهو السيد المطاع ، فليس من المناسب أن نصف الأدب الذي ينشئه الرجل، بأنه أدب رجولي ، أما الأدب الذي تكتبه المرأة، فنقول عنه انه أدب نسائي ، وهذه التسمية انقسم مؤرخو الأدب ونقاده حولها كثيرا ، بعضهم قال انه يمكن أن نطلق لفظة( الأدب النسائي) على الأدب الذي تكتبه المرأة، على اختلاف أجناسه الأدبية وأنواعه الأسلوبية ، وبعض النقاد عارضوا هذه التسمية، مبينين إن الأدب عام ، وان كاتبه سواء كان رجلا أم امرأة ، فهو لا يخرج عن خصائص الأدب الإنساني ، الذي يتحدث عن الذات البشرية معبرا عن تطلعاتها ، لم توافق أغلب النساء الكاتبات ،على إطلاق لفظة الأدب النسائي، على ما ينشئنه من آداب مختلفة ، ومع إن الأدب تعبير عن حياة الكاتب، و عن مشاعره وأحاسيسه ، فلماذا تأبى الكاتبة العربية أن تطلق هذه التسمية على كتاباتها ، في الوقت الذي توافق فيه الكاتبة الأوربية على التصنيف المذكور ، بحرياتها الواسعة في الحياة وفي الكتابة، و تجد انه من المناسب جدا، ان نقول ( الأدب النسائي) لنوع من الكتابة تنشئه المرأة ، أليس في قبول الكاتبة الغربية، ورفض الكاتبة العربية ما يؤكد إن الكاتبتين لا تتمتعان بالحياة نفسها ، ولا تملكان حرية التعبير عن تلك الحياة بالقدر نفسه ، المرأة الأوربية يمكن لها أن تحيا وفق ما تريد وان تكتب كما تحب، سواء كانت كتاباتها تنطلق عن حياتها ،أو عن سلطة التخييل ؟ يمكن لنا أن نجد بعض الصواب عن أسئلتنا المشروعة ، في أن مجتمعاتنا العربية والإسلامية ،تحاول أن تلجأ إلى تأويل كتابات المرأة وإضفاء معان لم تقصدها ، لسيطرة العادات والتقاليد التي تحضر على المرأة الاقتراب من بعض المحرمات، ومن الثالوث الممنوع، ولان بعض العادات والتقاليد في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ، من القوة والقسوة والهيمنة يستحيل على الإنسان مواجهتها، او التصدي لها ، فكيف ان كانت المتصدية امرأة ، لهذا أصبحت بعض القراءات لما تصدره الأديبات، قاسية تماما تفسر كما تشاء، وتضفي معاني تثير المدح او الهجاء ، لاعتبارات بعيدة عن مفاهيم الأدب ، ، وتعيب على الكاتبة ان تكلمت بحرية عن تجاربها في الحياة ،أو تجربة عاشتها صديقة لها ،أو قرأت عنها ، فكل ما تكتبه المرأة العربية يفسر وكأنها عاشته فعلا ، أما الرجل فلا يعاب عليه أن يتحدث عن تجاربه في الحياة ،وان يصفها ما شاء من الأوصاف ، لتغدو جميلة زاهية في أعين القراء ، فالمجتمع يستحسن كتابته سابغا عليه النعوت الممتازة ،وقد يكافئه إن هو خرج على العرف والتقاليد،التي أصبحت في مجتمعاتنا أقوى من القانون ، أظن إن رفض الكاتبة العربية لكلمة ( الأدب النسائي )نابع من هذا المفهوم المزدوج، في التعامل مع الإبداع بحسب جنس المبدع ، وليس بتوفر شروطه الفنية ،وجماليته الشكلية والمعنوية ، فإن كان الأديب يتحدث عن حياته واصفا إياها ضمن مجتمعه ، فمن حق الأديبة أيضا الكتابة عن حياتها هي ، وتختلف طرق الكتابة من شخص لآخر ، لهذا عرف الكتاب الكبار بأساليبهم الخاصة ، الجاحظ عرف بأسلوبه السهل الممتع وجبران بأسلوبه المجنح الذي يجعل القارئ يطير معه، في جنات من النعيم ، وأحلام مستغانمي لها أسلوبها الخاص ، فإن كانت أساليب الرجال الكتاب تختلف كثيرا ،فمن الضروري أن تختلف أساليب الرجال والنساء ،حين يعبرون عن موضوع واحد ، لان المشاعر تتباين كما إن الأفكار ليست واحدة ، والأحلام تختلف كثيرا ، فإن كانت بعض الكاتبات العربيات يخفن من الكتابة , وعدم فهم معانيها المقصودة من قبل القارئ ، فان كثيرا من الكاتبات العربيات وخاصة في زمن الحداثة والتقدم الهائل، الذي أحدثته وسائل الاتصال وشبكة المعلومات، استطعن أن يكسرن القيود المفروضة عليهن، وان يعبرن بصراحة وشجاعة عما يردن من أمور ، ورغم إن المرأة الكاتبة استطاعت أن تثبت جدارتها وان تتخطى الكثير من القيود ، فلا زالت بعض القيود تعترض طريقها ، حياتها الأسرية وكونها أما وزوجة في عالمنا المتخلف ، وإنهاك قدراتها الذهنية والجسدية، في أعباء متفاقمة في المنزل وخارجه ،يفرض عليها القيام بواجبات كثيرة ، يكون إبداعها أحق من هذه الواجبات عموما ، كما ان العيش مع رجل عربي غالبا ما يفرض عليها أن تطيع كل ما يقول وان تؤمن دائما ما يرى هو من وجهات نظر ، وان توافق دائما على ما يطرحه من آراء جعلت الكثير من الأديبات يفضلن الانفصال ، ويجدن أن الطلاق أحسن لهن ولإبداعهن من زواج لا يوفر التكافؤ في التعبير عن الرأي قولا أو كتابة...
فهل المرأة الكاتبة تمتلك الحرية في التعبير عن نفسها ؟ بعض الكاتبات يتمتعن بحرية شكلية وهن عادة من الارستقراطيات ،اللاتي يجدن الأسرة تقف إلى جانبهن دائما مدافعة عن حقوقهن في الكتابة وفي التعبير ، وكثيرا ما وجهت الاتهامات إلى بعض الكاتبات أن هناك رجلا يقوم بالكتابة بدلا منهن ، فالمرأة العربية بنظر بعض صحفيينا ونقادنا لا تستطيع ان تكون كاتبة ، وان ظهرت كاتبات مميزات ، فان التحليلات توجه باحثة عن رجل وقف خلفها ، وهنا نعكس القول المأثور ( إن وراء كل عظيم امرأة ،) فالعرف السائد يجد أان الرجل لوحده، قادر على ان يصوغ لهن نصوصهن بالجمال الذي يثير الإعجاب، وينتزع إقبال القراء ويمتلك أفئدتهم ، وان كانت المبدعة جميلة،فانه من المستحيل في عرف النقاد، والمتابعين أن يتمتع مخلوق معين بجمال الشكل وروعة القلم ، فان سهام الاتهام توجه دائما إلى الكاتبة إنها لم يكن بإمكانها إظهار موهبتها وصقلها إلا بوجود رجل ، فالرجال في عالمنا العربي والإسلامي يصنعون المرأة ويعينون لها أفكارها ويبينون لها آراءها التي يجب أن ترددها ،وكأنها ببغاء أجتث رأسها..
لماذا يستكثر بعض نقادنا، أن تكون المرأة كاتبة، قادرة على تصوير عالم المرأة الداخلي ،والتعبير عن مشاعرها، ووصف ما يختلج في قلبها من أحاسيس، لا يمكن للرجل أن يصفها بالدقة التي تبدع بها الكاتبة ، بعض الكتاب قد تحدثوا عن عالم المرأة ودافعوا عن النساء، ويمكن ان نطلق على كتاباتهم ( الأدب النسوي) إلا إنهم لا يمكن ان يصفوا مشاعر المرأة، كما هي حقيقة وليس كما تحاول أن تظهرها أمام الرجال الحاكمين أمرها ..
فهل تقتصر كتابات المرأة، على تصوير المشاعر المرهفة التي تميز النساء ، أم لها أغراض أخرى، تعبر عن مواقفها الإنسانية مع الأحداث والقضايا الاجتماعية والثقافية ، بعض الكاتبات العربيات تميزن بالتطرق إلى المواضيع التي تهم المجتمع كله، في السياسة والاجتماع ، وحركات التحرر وتقرير المصير في الوطن والمحيط العربي والعالم ، وقد وقفن بجانب القضايا الإنسانية في الحرية والاستقلال وتحقيق الأهداف..
فان كانت كتابة المرأة لا تختلف عن كتابة الرجل ، فلماذا تعترض بعض النساء ،حين يصف بعض النقاد ما تكتبه النساء، انه بقي نصا مذكرا وإنها لم تأت بعد بالنصوص التي تتلاءم مع شخصيتها الأنثوية ، وان رجالا عديدين قد دافعوا عن حقوق المرأة في التعلم والعمل والسفر والزواج والطلاق ، وان كتابات المرأة لم تطرق جديدا ، فقد تناولت الأقلام المذكرة كل المواضيع ،وأشبعتها دراسة وتحليلا ، وإن لجأت الكاتبة إلى عدم المباشرة في طرح الأفكار، والى أسلوب المجاز والاستعارات، قالوا إنها تخاف من التصريح عن أفكارها الحقيقية، وتعمد إلى التعمية والرمز ، كي يقرأ نصها بأكثر من قراءة، وبهذا تبعد نفسها عن سهام الاتهام من مجتمع ،لا يريد ان ينصف نساءه المبدعات .. فهل الأدب إنساني واحد
كما ترى الكاتبة ليانة بدر:" أن هناك إشكالية في مصطلح الأدب النسائي، وتقول الحقيقة إنني لا أعتقد بوجود أدب تكتبه امرأة أو أدب يكتبه رجل بشكل مجرد ولكنني أؤمن بأن هناك حساسية خاصية للكتابة النسوية. وأعتقد أن الأدب النسوي الذي يتحدث عن المرأة هو أدب حقيقي وضروري فنحن الكاتبات نساء نحاول عن طريق التعبير والبحث والدراسة أن نعطي للنساء الفرصة للإنتاج دون الدعوة للفصل بين الجنسين الرجل والمرأة، بل ندعو إلى تكامل، والتكامل لن يتم إلا إذا كان هناك وعي فالمجتمع لا يتكون من طرف واحد." وكما تقول الناقدة يمنى العيد إن الكتابة النسائية " عملية تحرير لقدراتها الفكرية ومجال للممارسة مداركها ومشاعرها ولإنضاج رؤاها، كما أنه سبيل لإغناء وعيها وتعميق تجربتها بالحياة، إنه إمكانيتها الوحيدة لإقامة علاقة جمالية مع الواقع تعطيها فرصة الاستمتاع بفرح الإبداع"1".
والنقد هل هو نزيه منصف، أمام ما تصدره الأقلام النسائية من أدب متنوع ؟ الرجال يجدون النقد المنصف البناء ، أما الكاتبات فان النقد الموجه لكتاباتهن على نوعين :متحامل يتصيد العثرات وقد يخلقها ،و مجامل محتف يحاول أن يجعل الكاتبة المبتدئة، في مصاف القديرين المتميزين، فتضل في الطريق الطويلة ، وتصدق الادعاءات ،وتغادرها موهبة الكتابة الحساسة التي تحتاج إلى صقل ورعاية قبل أن تشب عن الطوق ، وتنمو غرستها تتطلع إلى الأعالي السامقات....