نوال السعداوي نموذج في التمرد السلبي



ميساء قرعان
2004 / 6 / 8

يعتقد البعض أن التمرد على الثقافة السائدة والمعتقدات الدينية أحد اشتراطات الإبداع ، ويتناسى هؤلاء أن الإبداع فعل لا يجتمع مع سبق التعمد وأنه يقاس بما يحدثه من تغيير حقيقي على أرض الواقع ولو بعد حين ، ولأن التمرد الصاخب يعمل على خلق ردود أفعال مقاومة فإنه يتسبب بتكريس السائد من الاتجاهات ولذا فهو لا يسهم بأية إضافة سوى تسليط الأضواء على صاحبه
كان لنوال السعداوي الطبيبة والكاتبة الصاخبة دوما إسهاماتها الكثيرة في التصدي للثقافة والمعتقدات غير أن المقياس الذي يصلح لاحتسابها إنجازات هو كم المؤلفات والدراسات والأبحاث، وعدد اللغات التي ترجمت إليها هذه الأعمال وكم التمرد الذي انطوت عليه آرائها فيما يتعلق بالدين وعلاقة الدين بالسياسة والمجتمع ونظرته لكلا الجنسين ، أما محاولة احتساب ما أحدثته هذه الآراء أو القنابل من تغيير في الثقافة والاتجاهات فعلى الأرجح أن لا تكون النتيجة لصالح الكاتبة ، لأن الخطأ الذي لازم نوال السعداوي من بداياتها في إعلان ثورتها على الثقافة وحتى اللحظة هو عدم احترامها لمشاعر السواد الأعظم من الناس على الرغم من براءتها _على حد قولها_من الانتساب إلى أي نظم سياسية ودينية وعلى الرغم من تشبثها في نسب ذاتها إلى عامة الناس الذين تسعى إلى الارتقاء بمستوى تفكيرهم ومنهجية حياتهم ، ولذا فإن من يؤيدون آرائها هم من لديهم اتجاهات مشابهه ، فالمجاهرة على سبيل المثال بآرائها الخاصة بفريضة الحج تؤذي مشاعر العامة الذين تتبنى قضاياهم وتشكل لديهم ردود أفعال رافضة ، ففي مجتمعات يلعب فيها عامة الناس دورا شبيها بدور الأنظمة الرسمية في إقصاء ثلاثية(الدين، والسياسة، والجنس) من دائرة البحث والاهتمام تكون مهمة دعاة التغيير محفوفة بالمخاطر ومحكومة بالفشل ، غير أن الصاخبين منهم غير معنيين بالفشل بقدر ما هم معنيين بإعلان التمرد والمجاهرة به إلى درجة يصبح فيها التمرد والرغبة بالتكسير والتجاوز أهدافا بحد ذاتها وبدلا من أن يكسبوا مؤيدين فإنهم يخسرون بعضا من مؤيديهم
لا شك بأن طرح الآراء الجريئة ترضي الكاتبة نوال السعداوي لأنها تؤكد تمردها واختلافها ، كما أنها ترضي الأقلام والاتجاهات المتعطشة للتكفير وإهدار الدماء ، لكن العامة الذين يدعي المثقفون بأنهم يناضلون من أجل خدمتهم هم غير الراضين والمتأثرين سلبا بنماذج التمرد السلبية