المجالس المحلية وتراجع مشاركة المرأة



ريما كتانة نزال
2009 / 11 / 13


تثير التجاذبات الحاصلة حول تنظيم الانتخابات العامة الرئاسية والتشريعية الشهية لطرح التساؤل المشروع حول أولوية الدعوة لتنظيم انتخابات المجالس المحلية، حيث انتهت مدة الولاية القانونية لجميع المجالس المنتخبة على مدار المراحل الأربعة والبالغ عددها مائتين وثمانية وتسعين مجلسا.
في الآونة الأخيرة، قامت وزارة الحكم المحلي بتشكيل لجان تسيير أعمال للعديد من المجالس البلدية والقروية، سواء للبلديات التي عانت من اشكالات تنظيمية، أو تلك التي انتهت مدة ولايتها القانونية، وقد استندت في التعيين الى المرسوم الرئاسي الذي يمنح بموجبه مجلس الوزراء صلاحية حل البلديات المنتهية مدتها.
فقد عينت وزارة الحكم المحلي حوالي خمسين لجنة لتسيير الاعمال، بعضها في بلديات كبيرة كالخليل وطولكرم، وكانت قد أدرجت على جدول أعمال المرحلة الخامسة للانتخابات المحلية. وتعيينات أخرى تمت في بلديات عانت من اشكالات ذات طبيعة سياسية أو مالية أو قانونية كبلدية قلقيلية وغيرها، مع الأخذ في الاعتبار بأن عديد المجالس قد قدمت استقالاتها على مراحل لأسباب مختلفة. ويلاحظ أخيرا بأن بعض التعيينات قد طالت وجود المرأة في عضوية تلك المجالس أو حجمته، حيث غاب تمثيلها عن أكثر من خمسة عشر مجلسا، والحبل على الجرار..!
الانجاز الذي حصلت عليه المرأة بواسطة القانون، جرى سحبه أو تقليصه لدى تعيين لجان تسيير الأعمال، دون أي تفسير رسمي مقنع ومبرر، ما يدفع على الاعتقاد بأن الأمر لا يخرج عن نطاق التنميط الفكري والاجتماعي، والعودة الى القوالب التقليدية الجاهزة لرسم وتحديد أدوار المرأة، وبأن الجهد الذي بذل للحصول على المكسب القانوني بتخصيص مقاعد للمرأة، قد تمَ التراجع عنه مواربة وبالنقاط، ما يذكرنا بما وقع في عام 1998 ، عدم الالتزام بقرار وزير الحكم المحلي القاضي بتعيين عضوات في المجالس المعينة.
ان معارضة تمثيل المرأة في التعيينات الأخيرة في المجالس المحلية، يقف خلفها ذات المنظومة الفكرية التقليدية التي عارضت تبني "الكوتا" في القانون وأسقط في يدها لحظة اقراره.. وهي ذات المفاهيم التي أدت الى حرمان المرأة من الترشيح في ستة مجالس خلال انتخابات المرحلتين الأولى والثانية قبل تبني الكوتا الملزمة في الثالثة والرابعة. ونجدها كذلك في المواقف المتراخية لفصائل العمل الوطني التي مررت التجاوز، ولم تكن على قدر من الشجاعة المبدأية لحماية موقع المرأة وحقها في المشاركة في قيادة المجتمع المحلي. ولا يمكن تجاهل حقيقة أن وزارة الحكم المحلي قد استسلمت للمواقف الرجعية.. وقبل كل شيء، فقد مرت التعيينات دون اعتراض او احتجاج مسموع من القوى المجتمعية، وكأنها غير مكترثة بما ينطوي عليه ذلك التعيين من مساس بالتمثيل المجتمعي الشامل وبما يتصل بالعملية الديمقراطية ككل.
قراءة التراجع على صعيد مشاركة المرأة في عضوية المجالس المحلية، ما هو الا تعبير وانعكاس ومؤشر على تردي وتراجع الوضع الفلسطيني العام، وذلك على الصعيد الوطني والسياسي والثقافي والاجتماعي. ويمكن بسهولة لمس انعكاس الحالة المتردية على الكل الفلسطيني. ومن الطبيعي أن يؤثر ويظهر بشكل أوضح ومباشر على وضع المرأة، للأسباب المتعلقة بالعادات والتقاليد والموروث، وربط حركة المرأة صعودا وهبوطا بموازينها.
لا شك بأن "الكوتا" تمثل خيارا نسويا واعيا للبيئة الاجتماعية المحيطة، الا ان حدود فاعليتها تقف عند ايصال النساء دون ان تغيرالمنظومة الفكرية التقليدية. ومن هنا لا بد من تمديد اعتمادها كتدبير وآلية لعدة دورات انتخابية وحتى يقرر خبراء الاجتماع، وعلى القوى المجتمعية أن لاتقف ساكنة، بل لا بد من الدفع والفعل على تغيير المفاهيم الاجتماعية باتجاه المساواة.
ان "الكوتا"، هي الطريق الوحيد لإيصال المرأة الى مقاعد المجالس المحلية، في مجتمع ذكوري لا يساوي بين الرجل والمرأة، وحتى تكون "الكوتا" ناجحة وتجنى ثمارها، لا بد من تحديد معايير موضوعية لاختيار النساء المزمع اختيارهن لتمثيل المرأة، بأن يتمتعن بالكفاءة المناسبة لطبيعة واختصاص ووظيفة المجالس المحلية، إضافة الى تحليهن بقوة الارادة والصلابة والثقة بالذات والقناعة برسالة المشاركة والاصرار على النجاح، ومواجهة كل المواقف التطفيشية والاقصائية والتهميشية.
من خلال تجربة المرأة في المجالس المحلية التي تتراوح ما بين النجاحات المسجلة والمعترف بها، وما بين الفشل المحدد في بعض المجالس، سواء كانت لأسباب تتعلق بنوعية وطريقة فرز النساء، أو بسبب الممارسات السلبية والضغوط التي وقعت عليهن، أو بسبب فشل المجلس برمته، فلا بد من العمل على تشكيل شبكات المساندة والتقوية ومجالس الظل الصديقة، بهدف دعم العضوات والتعاون معهن وتقديم المشورة والخبرة لهن، وعدم ترك التجربة في براثن حالة التردي العامة، لئلا تدفع المرأة ثمن حالة التردي العامة.. ولمنع تحول استثناء العضوات إلى كرة ثلج متدحرجة..
كما بات على الحركة النسائية أن تواجه التراجع وتواجه ذاتها بصراحة وشجاعة، بهدف اتخاذ السياسات والإجراءات لإعادة الأمور إلى نصابها، وفي المقدمة إعادة تفعيل الصلة المنظمة مع القاعدة النسائية، فقد باتت حالة التناقض ما بين القدرة على التأثير على مركز القرار الذي يستجيب للمطالب النسوية - وآخرها على سبيل المثال توقيع الرئيس على اتفاقية "السيداو"-، وما بين عدم القدرة على التأثير بالرأي العام بذات الاتجاه محدودة. ومن هنا أقول بأن النوم على حرير المكتسبات الفوقية على أهميتها يولد التناقض والفجوات، فالحواجز التي تشكلها الأعراف التقليدية أمام دخول النساء ساحة المشاركة السياسية والعامة تكون أحيانا أقوى من القانون..