كفى ...... أنا لستُ أنثى ؟



شامل عبد العزيز
2009 / 11 / 14

بعد نشر مقالة السيدة ( داليا علي : المرأة في الإسلام 1 ) والمنشورة على موقع الحوار المتمدن بتاريخ 13 نوفمبر بالعدد 2828 وردتني رسالة من سيدة وجهت فيها عدة أسئلة ...
في الحقيقة وحتى أكون صريحاً معكم أنا لم أقرا مقالة السيدة داليا علي لأن العنوان واضح وصريح وتوقعاتي التي تستند إلى قراءتي السابقة لما كتبت توحي لي أن المقالة عبارة عن تجميل لواقع مزر.. ومكيجة لوضع المرأة في مفاهيم خيالية لا تمت للواقع بأي صلة.. أي أن الواقع في واد وما قالته السيدة في مقالتها عن المرأة في واد آخر.. بل قراءتها للإسلام لا تعدو أن تكون نسخة من النسخ الكثيرة التي يخرج علينا رجال الدين والمثقفين المسلمين بها والتي تتراوح بين التقارب إلى حد الاستنساخ والتناقض إلى حد التنافر رغم أنهم يقولون إن الله واحد - والقرآن واحد - والسنة واحدة وهذه من أكبر مصائبنا.. خاصة عندما نعمل على رؤية الماضي من زاوية الحاضر فنقحم الدين في قضايا لم يخلق لها ولا هي كانت معروفة في عصر مؤسسيه مثل : حرية المرأة - والمساواة بين بني البشر- والديمقراطية في الحكم وما سواها. صحيح يجب أن نستغل أدوات ومناهج البحث الحاضرة لفهم الماضي .. أما أن نحاول تحميل الماضي ما لا يحتمل فهذه عملية بائسة. فبالإضافة إلى أن مجتمعاتنا مغيبة وخصوصاً المرأة فإن مثل هكذا مفاهيم تزيد في الطين بله وبدلاً من مناصرة المرأة لانتشالها من واقعها المر والوقوف بجانبها.. تعمل هكذا مفاهيم على تغييبها أكثر فأكثر من خلال إيهامها أن في مورثونا الديني ما يغنيها عن الحاجة إلى النظر إلى ما عند غيرنا من أفكار... بل وشيطنة الآخر ورؤيته عدوا أبديا لنا لا هم له إلا الكيد لنا والتآمر علينا والتنكر لمنجزاتنا الحضارية وهذا الخطاب يعمل أيضا على تشويه كل منجزاته الحضارية خاصة الروحية ومحاولة إقناع الناس عندنا أن الغرب يسير حتما نحو الضياع والانحطاط والتفسخ ... وكأن كل مكاتب الدراسات والبحث في شتى الميادين هناك لا هم لها سوى تغطية الحقيقة على شعوبها. إن هذا الخطاب عندنا هو من البؤس بحيث لا يستطيع أن يكتشف العلاقة الجدلية بين المنجزات الحضارية المادية وتلك المنسوبة إلى عالم الروح والنفس من آداب وموسيقى ومسرح وسينما وكلها راقية .... تشهد على ذلك معدلات إقبال الناس العالية على القراءة وعلى الاستمتاع بمختلف الفنون... كما يبدو بؤس مثقفينا ممن هم على هذه الشاكلة وهم يدعوننا إلى الاستفادة من تكنولوجيا الغرب والعزوف عن علومه الإنسانية بحجة أن ما عندنا أفضل ... مع العلم أن فشلنا الذريع في استيعاب التكنولوجيا الحديثة يرجع أصلا إلى هذه الحقيقة ... حقيقة الفصل بين الآلة وبين الفكر الذي أبدعها.
بعد ورود الرسالة اضطررت للعودة لكي أقرأ المقالة.. ولم يخب ظني وكانت توقعاتي في محلها...
السيدة التي وردتني منها الرسالة في الحقيقة أوردت فيها عدة أسئلة ولكنها في نفس الوقت أجابت عن كافة التساؤلات.
بدأت السيدة صاحبة الرسالة بما يلي :
الأستاذ شامل تحية لك ولكل قلم يحاول أن يكشف عن جوانب الخلل والضعف في حياتنا كي ينتشلنا من دوامة الضياع التي نعيش فيها ... وألف صرخة تقول كفي لكل من يحاول أن يجعلنا نعيش في تلك الدائرة التي لا تنتهي من التخلف والجهل...
( أنا أتمنى أن أكون في المكان الذي وضعتني فيه السيدة صاحبة الرسالة وأقول لها سوف نستمر في هذا الطريق الذي نراه صائباً بالرغم من المعوقات التي يضعها الغالبية نتيجة تمسكهم بموروث بال أكل عليه الدهر وشرب )..
( بالإضافة إلى كتابات الإسلاميين والشيوخ والدعاة والفضائيات فإن المرأة تتحمل جزءاً كبيراً من إبقاءها في حالة الانحطاط الذي نعاني منه جميعاً ) ..
ثم تستمر صاحبة الرسالة فتقول :
أستاذ شامل اسمح لي أن اكتب لك،على الرغم من أنني كنت قد أخذت العهد علي نفسي ألا أتكلم مجددا في موضوع المرأة والدين إلا أنني هذا الصباح قد فوجئت بمقالة لأحدى الكاتبات علي موقعكم الكريم تلاها تسجيل صوتي ورد في تعليق الحكيم العراقي ( تقصد الرابط الذي فيه محادثة موظفة البنك مع احد المعتوهين والموجود على مقالتي). فأخرجاني من حالة الصمت التي فرضتها علي نفسي...
لأبدأ معك من مقالة السيدة....................... ( هكذا وردت الرسالة .. وأعتقد السبب هو أن الأسماء في موقع الحوار المتمدن تتبدل كل لحظة .. الموضوع من الناحية الشخصية لا يهمني .. فأنا أبحث عن مناقشة الأفكار بعيداً عن صاحبها .. علماً بأن هناك تلميحات وهي حقيقية وردت على مقالة السيدة داليا علي السابقة من قبل المعلقين على أن الأسماء تتبدل كل يوم مع ملاحظة أن التخفي هو الضعف بعينه ) .
( النصوص الدينية مع العادات والتقاليد البدوية هي التي جعلت المرأة تعاني ما تعانيه.. وهناك الكثير من الأمور الأخرى والمعلومة للجميع ساعدت على أن تكون المرأة في مجتمعاتنا شبه محطمة .. ليس لها قرار – ليس لها إرادة .. وأنا هنا أقصد غالبية المجتمع وليس الحالات الاستثنائية لان القاعدة لا بد من وجود استثناء فيها ) .
تقول صاحبة الرسالة : واسمح لي أن أتساءل هل النموذج الأول الوارد لديها هو منظومة ونموذج غربي؟ أم هو نموذج فطري قائم علي مبدأ فطري أننا جميعا متساوين؟ هل عندما كان الطفل في المجتمعات القديمة ينسب إلى أمه وكانت المرأة هي الأساس كان الغرب قد ولد وقتها وتأمر علينا لينتزع من أعماقنا تلك القيم التي تتحدث عنها الكاتبة؟ أم أن تلك المجتمعات هي التي كانت قائمه علي الفطرة؟
( من المؤكد بأن حالة الإفلاس التي نعاني منها هي التي جعلتنا بدلاً من الاندفاع والتفكير بما هو أفضل إلى أن نجد مبررات وشماعة نعلق عليها كل ما نحنُ فيه ) ... سؤالي الثاني في هذه الفقرة تحديدا هل الغرب هو المنحل فقط ؟
وماذا عن مجتمعاتنا؟
( قبل عدة سنوات ظهرت إحصائية تقول أن البلاد الإسلامية عموماً والعربية خصوصاً فيها من السياحة الجنسية أكثر مما في البلاد الأوربية وجاءت المغرب ومصر وبعض البلدان الإسلامية في الترتيب الأول ) .. هل هناك فرق بيننا في الانحلال علي الرغم من تحفظي علي كلمة انحلال حيث لا أرى من يستخدمها سوانا كي نبرر رفضنا للتغير بحجة الانحلال والتآمر وننسي أننا نحن من نتآمر علي أنفسنا لنبقى متخلفين ............. نحن من يشغل نفسه بالحديث عن الغرب ليل نهار وهم منصرفون إلى العمل للحفاظ على ما أنجزوه ولا يلقون إلينا بالا فلقد كفيناهم شر أنفسنا بما وضعنا أنفسنا فيه...
( الشيء الثابت والمؤكد والظاهر للعيان .. أن المسلمين في البلاد المنحلة على حسب التعبير يعيشون في حالة أفضل مما يعيشه المسلمين أنفسهم في بلادهم الأصلية ولا ينكر هذه الحالة إلا من طبع على عقله وقلبه ) ...

تستطرد صاحبة الرسالة فتقول : ( من هنا سوف أترك باب النقاش مفتوحاً للقراء الأعزاء وأتمنى أن يرد كل واحد منهم حسب وجه نظره التي يراها وذلك تحاشياً للإطالة ) ....
تقول صاحبة الرسالة :
دعني انتقل إلى ألنقطه الهامة في مقاله السيدة وهي التناقض... فكيف تري الكاتبة أن النموذج الأول الذي يطالب بالمساواة هو نموذج منحل؟ بينما النموذج الثالث هو الأفضل؟ وهو ينادي أيضا بالمساواة... هل لان الثالث هو إسلامي؟ والأول غربي... ؟ وألا يؤدي النموذجان لو رفعنا عنهما الأيديولوجيات إلى المساواة كما أكدت الكاتبة بان النموذج الثالث يهدف إلى المساواة وتم إساءة تطبيقه...
الأمران اللذان لم أفهمهما وأتمنى أن أجد لديك إجابة هما : ما معني أن تكون المرأة ندا للرجل؟ وما معني أن تكون وتحتفظ بأنوثتها؟ هل نحن في حالة صراع؟ أم نحن في حالة إنسانية رائعة يرتبط فيها روحان لإكمال مسيرة حياتهما معا؟ أي سكينة وود إن كانت الحياة ستقام من الأساس علي مبدأ الندية والتصارع والقوامة وما إلى ذلك.؟؟ هل لابد أن تقوم حياتي مع زوجي أو حبيبي على مبدأ من منا الأقدر علي أن يقود ويكون له الريادة؟ أم الأفضل أن تقوم حياتي معه علي مبدأ التشارك والحب والتحاور والتفاهم؟ وان يكمل كل منا الآخر دون محاولة للسيطرة وإلغاء الآخر أيهما أفضل؟ أما عن بقائها أنثى فاسمح لي أن أسال لماذا يحصر دور المرأة في أنها جسد؟ هل إذا خرجت إلى عملي فانا لست أنثى؟ هل إذا طالبت بحقي أن أعامل كروح مثل الرجل؟ هنا أتخلى عن أنوثتي ... ما هو مفهوم الأنوثة لدى هؤلاء؟ هل هو جسد للاستمتاع فقط؟ هل الأنوثة أن أكون زوجة للفراش فقط؟ وماعدا ذلك فـأنا لست بأنثى أفلا يعجب الرجل بي إن حاولت أن أستميله بعقلي لا بجسدي ؟ هل لابد أن أكون دمية فقط يحركها الرجل مثلما شاء حتى أبقى أنثى؟ وأي أنثى صحيحة ألفطره تقبل أن يحق لزوجها أن يتزوج مثنى وثلاث ورباع ويطعن في أنوثتها بأنها لا تكفيه ولا تشبع الرجل الذي منحته نفسها قبل جسدها... إن كانت هي هذه الأنوثة فأمامك أستاذ شامل أعلنها بكل فخر باني لست أنثى...
أما عن النسب الوارد في مقالة السيدة سواء في مجال الدعارة أو الانتحار فهذا هو الضحك الأقرب للبكاء ألا تعلم هذه السيدة عما يدور حولها في مجتمعاتنا المثالية الأقرب إلى جمهورية أفلاطون.. ألا تمارس الدعارة علنا الآن؟؟ ألم تذهب إلى مدينة عربية وترى بعينها كيف تمارس الدعارة؟؟ وكيف يستخدم النقاب كي تتستر وراءه من اضطرت للجوء إلى هذا الطريق، ألم تسمع عن زواج ألمتعه والمسيار الدعارة الشرعية؟ هذا غير الدعارة الأخرى السائدة في المجتمعات الإسلامية وان لم تكن تعرف فلتسأل من حولها من الرجال ليخبروها...
وإذا كانت الكاتبة لا تزال تعيش في وهم أننا كمجتمعات مسلمة محصنة بنعمة الإيمان لا نعاني من الاغتصاب فأدعوها أن تتابع الصحافة اليومية لترى معدلات الاغتصاب اليومية والتي أصبحت امرأ عاديا في مجتمعاتنا المحصنة ولم تعد تقتصر علي الاعتداء علي الفتيات في الشوارع بل امتدت إلى أن يقوم أفراد الأسرة باغتصاب بناتهم وأخواتهم وأي فتاة تتواجد في منزلهم...
سيدتي الفاضلة اسمحي لي نحن لا نختلف عنهم في زنا المحارم كما ترينه منتشر وبشدة.... الاغتصاب وضع طبيعي لكنهم الأصرح والأصدق يحللون أوضاعهم علنا ويصارحون أنفسهم بما يدور في مجتمعاتهم علي عكسنا تماما ولذلك أرقامهم معروفه ونحن نخفي الواقع كما نفعل في كل الأمور ويجب أن تذهبي سيدتي إلى دور رعاية اللقطاء كما نسميهم نحن لتعرفي من الذي يكثر فيه نسبة الأطفال مجهولين النسب فالغرب لا يمتلك ذات ألمشكله لأنهم وضعوا الآليات القانونية التي تجبر الرجل على ألا يتخلى عن مسئوليته تجاه طفله الوليد، هناك لا طفل يرمى في الشارع سيدتي فحقه مكفول بقوة القانون منذ أن يكون في بطن أمه حتى موته...
الانحلال نحن، إن كنتِ ترين، واعتذر أن اسمع هذه الجملة تحديدا من مثقفة، أن هناك انحلالا لأن الرجل يعيش مع المرأة دون أي رابط زوجي فاسمحي لي أن أسالك؟ أليست أركان الزواج في الإسلام هي القبول والإشهار؟ إن قلت نعم سأسألك ألا ينم عيش رجل وامرأة معا عن توافر شرط القبول؟ وهل عندما يعيش الرجل والمرأة أمام العالم بأسره في بيت واحد ويعاملهم المجتمع كشريكين يحظيان بكل قبول واحترام ألا يؤدي ذلك إلى توافر شرط الإشهار؟ إذن لماذا نقول إن عيشهم معا هو انحلال وزواجنا نحن ليس كذلك؟ أتريدين الفرق؟ سأقوله لك؛ العقد عندنا هو ضمان للسيدة وحفظا لحقوقها لعجز المجتمع على أن يقوم بذلك فإن لم تقم السيدة بتوثيق عقد الزواج ستضيع حقوقها وحقوق أبنائها ويكثر مجهولون النسب. أما في الغرب فالقانون والتشريعات المدنية تحمي حقوق هذه السيدة حتى في انعدام وجود العقد. هما أمام المجتمع والناس شريكان وزوجان لهما كافة الحقوق...
سيدتي انظري إلى مملكة النحل لتعرفي أيهما أقوى وأهم بما أنك ضربت المثل بممالك الحيوان والنبات وارجعي وعودي وانظري إلى الإنسان وعملية ولادة المرأة لطفلها لتعرفي من الأقوى إن كان لابد من وجود الأقوى ومن الأكثر قدرة علي التحمل... ( وليس هذا فقط، بل إن المرأة بعدما أتيح لها في الغرب من فرص للتعلم أثبتت أهليتها وجدارتها في جميع الميادين. ) ..............
أخيرا تقول صاحبة الرسالة :
سيدتي ...... كفي أرجوكم ........... كفى تبريرا وتجميلا لواقع قبيح، لا تجعلوا الأمر وكأنه صراع تقوم به مجموعة من المنحلات يسندها فيه منحلون ... كي تجعلوا الأمر الواقع هو البديل ... نحن مثلكم بشر نريد الاعتراف بآدميتنا وإنسانيتنا .... لا نريد أن نسود أو نكون الأقوى أو كل ما تدعون نحن نريد أن نتشارك وأن نبني بيتا من الحب والتفاهم والاعتراف بنا .... فهل هذا كثير علينا؟