دونية المراة بلبوس -اطلاق سراح المعتقلات- رد على مسؤول اسلامي!



فارس محمود
2004 / 6 / 9

لقد جوبهت الانتهاكات البشعة التي قامت بها القوات الامريكية تجاه الاسرى والمعتقلين العراقيين في سجن ابو غريب" بحملات استنكار وشجب لم تقتصر على العراق فحسب، بل سائر بلدان العالم. وتفاوتت هذه الاعمال من تنديد وشجب هذه الممارسات الى اقامة التظاهرات والاعتصامات والتجمعات. ومن الطبيعي ان يجبر الجميع على ان يقولوا كلامهم لان السكوت في حالات كهذه لايعني سوى ان تقوم بتهميش نفسك بمحض ارادتك. وعليه، في مثل هذه الاحداث تتناول كل جهة المسالة بشكل يعبر عن ماهيتها واهدافها وتصوراتها السياسية وفي المطاف الاخير، نظرتها للانسان. على سبيل المثال، لقد امطر الكونغرس الامريكي، على حد تعبير جريدة "واشنطن بوست"، رامسفيلد قصفا اثنا استجوابه حول فضيحة سجن ابو غريب وذلك لان هذه الممارسات تسيء الى صورة ونظرة العالم الى امريكا (!!) و"تشوه سمعتها"!! و انها ستشدد من غضب الاسلاميين والارهابيين وبالتالي تراق دماء اكثر من الشباب الامريكي في العراق!! اي ان مايقض مضجعهم ليس هو الانتهاكات ذاتها بحق اناس اسرى عزل، اي ليس انسانية الانسان المعتقل في ابو غريب وضرورة صيانة كرامته وجسده من اي تطاول، بل "سمعة امريكا" والخوف العنصري على الجنود الامريكيين النابع من الاستعلائية القومية.

بيد ان جماعة اسلامية في العراق باسم "الحزب الاسلامي العراقي" يدق قلبها لشيء اخر. اذ صرح احد اعضاء المكتب السياسي لهذه الجماعة، "تابع مكي"، اثناء اعتصام قام به الحزب امام سجن ابو غريب: ان احد المطاليب الاساسية للمعتصمين هو اطلاق سراح جميع المعتقلات فوراً. واستطرد:"ان اطلاق سراحهن جميعاً او بعضهن كفيل بانهاء هذا الاعتصام. فاطلاق سراح امراة واحدة خير لنا من اطلاق سراح 100 من الرجال"!!! (خط التاكيد مني).

بدءا اقول ان اي مطالبة باطلاق لسراح المعتقلين لهو مطلب عادل ومشروع وهو امر لايستدعي الدفاع عنه فحسب، بل النضال من اجله. ولكننا هنا امام حالة اخرى تختلف كثيراً. ان سؤالاً يطرح نفسه هنا: لماذا يعد اطلاق سراح امراة خير من اطلاق سراح 100 رجل؟! ما سر هذا الامتياز والافضلية اللذان هطلا اليوم على المراة؟! وما هي حقيقة هذه الـ"خير لنا"؟! اي عصا سحرية حولت المراة، وبين ليلة وضحاها، من كائن مسلوب الحقوق والحريات في مجتمع ذكوري يتمتع فيه الرجال بالف حق وحق حرمت منه النساء، مجتمع تتخلل كل مسامات جسده دونية المراة وعبوديتها الى كائن "خير" من 100 رجل؟!!! اي شيء عظيم اقتضى هذا التحول؟!!

علينا ان لانتوهم بالامر. ان اصرارهم حول ادامة الاعتصام لحين اطلاق سراح كل النساء او بعضهن ليس نابع من حنقهم على ما تتعرض له المراة من اذى داخل السجن. كما انه ليس نابع من كون جسد المراة "اقل تحملا" للتعذيب، وهو الامر الذي قد يعتقد به البعض. انه ليس نابع من القلق على مشاعر وجرح الاحساس الانساني للمراة بشخصها. ان مايقف وراء ذلك بالضبط هو منطق "ان شرفنا عند الاخرين". انه ليس بمكان امين!! انه يعادل ويستحق مئات الرجال. ولكن ما ان يعود "الشرف الذكوري" للبيت حتى تاخذ المراة مكانتها الواقعية والحقيقية، كائن مهمش مسلوب الارادة والحقوق عرضة لاهواء هذا او ذاك. انهم يتباكون على انفسهم.

ليس لهذا المطلب اي صلة باحترام وتقدير اكبر يقر للمراة. ان الاجواء التي يستمد منها هذا الطرح ماءه هو الوجه الاخر لنفس معاداة المراة ومناهضتها. ان تباكيهم على اطلاق سراح المراة لاينبع من كونها انسان يجب ان لايعتقل بدون مبرر معلوم اواثبات تهمة. انه ينبع من انوثتها، من الخوف على "شرفها الذي يجب ان لايثلم"، من القلق على "الحط من كرامة رجال عائلتها وعشيرتها". ان وجود امراة في سجن شهد حالات كثيرة للاعتداء والاغتصاب الجنسي لهي مادة لجعل رؤوس العائلة والعشيرة "منكسة"!!. انه محوره هو النظرة الاسلامية-الشرقية العشائرية المتخلفة للمراة. ان نفس هذا التصور الذي يضخم من مسالة سجن المراة يفرض اعباء جسيمة اضافية مرهقة على المراة. انه يضع قيد رهيب على رقبتها. لايحررها. لايمد يد العون لها. لايوظف امكانات المجتمع من اجل الخلاص من اثار هذا الكابوس على حياتها او يزيله من تفكيرها. ان هذا التفكير هو الذي يضخم الكابوس ويعمق معاناة المراة. في اي مجتمع متمدن، تكون الاولوية هي كيفية ازالة الاثار النفسية والمعنوية للسجينة باسرع فترة ممكنة، وكيف توفر الاجواء الانسانية الراقية لانتشالها من هذه التجربة المريرة. تتجسد الاولوية في منح المراة القوة والزخم المعنوي لمواصلة الحياة. لكن، وبفضل سيادة هذه الاجواء الاسلامية العشائرية المدمرة والمحطمة للمراة، تدفع المراة نحو دمار وانكسار متعاظمين. بيد ان دعاة هذا الطرح ابعد من ان يكون لهم اي صلة بدفع المراة نحو منح المراة هذا الزخم.

ان عذابات المراة في ظل اجواء هيمنة هذه التصورات لهي اشد واقسى بمئات المرات من السجن. ان المراة السجينة وهي في سجنها تفكر كيف تعيش غدا خارجه. باي وجه ستقابل اهلها واناس محلتها وهي الخارجة من سجون الاغتصاب والانتهاكات الجنسية؟! ماذا سيحل بمستقبلها ونظرة الناس لها؟ سيغدو سجنها الذي لاذنب لها به عارا عليها يكتب على جبينها الى اخر عمرها. سيحدد السجن مصيرها، مستقبلها، مكانتها في العائلة ودرجة احترام المجتمع لها. انها ستدفع ثمنا غالياً. في مجتمع مناهض للمراة، يستقبل الرجال المطلق سراحهم بالزغاريد والهلاهل ونثر الحلويات من قبل الاهل والاقارب والمحلة كما تعرض ذلك القنوات الفضائية، ولكن المراة تدلس للبيت، وهي مجلببة برداء العار والفضيحة، خوفا من رؤية احد لها.

ان كلمات المذكور لهي امر يمكن فهمه (يمكن فهمه ولا اعني يمكن تبريره والدفاع عنه) لو ان دعاته كانوا جماعة فيمنستية مثلاً. بيد ان يكون صاحب هذا الطرح جماعة اسلامية فهذا شيء اخر يختلف تماماً ويتعقب اهداف تختلف كلياً. ليس لهذه الكلمات اية صلة بالدفاع عن المراة. انه الوجه الاخر لاضطهاد المراة والحط من كرامتها. ان هذا الطرح ينتمي الى نفس المنظومة الفكرية-الاجتماعية التي تستعبد المراة وتدوس على كرامتها مئات المرات يوميا. تدفع المراة ثمن هذه المنظومة في كلا الحالتين وذلك فقط لانها امراة: في الحالة اليومية وفي حالة كونها سجينة. ان نفس الرؤية التي تطالب باطلاق سراحها لن ترحمها غداً. ان هذا ما تدركه المراة جيدا وما تعاني منه اشد المعاناة. ان تاريخ التقليد السياسي-الاجتماعي لهذا التيار، الاسلام و الاسلام السياسي، لهو تاريخ دونية المراة واستعبادها. ان اول سيف تمتشقه جماعات الاسلام السياسي في اية بقعة اقتدروا فيها بوجه النساء. انهم يستهلون اعمالهم بفرض الحجاب على المراة ومصادرة حقوقها. ولهذا لايمكن ان ياتون بخير للمراة ابداً.
ان الدفاع عن المراة يستلزم الدفاع عن المعتقلين والاسرى بدون قيد او شرط. الدفاع عنهم كانسان وفقط كانسان. ليس ثمة افضلية او امتياز لاحد على احد، ناهيك عن مئة مرة!!. ان الدفاع عن المراة يستلزم الخلاص من رؤية تابع العاني وامثاله جماعات الاسلام السياسي من بن لادن والزرقاوي والصدر والحكيم الذين رغم اختلافاتهم ينهمون من نفس الماعون، ماعون الاسلام المناهض لكل شيء انساني.