غبار الكلام



ابتسام يوسف الطاهر
2009 / 11 / 23


استعصى عليّ جهاز ( المونت كنترول) أو الريموت كما تسميه أمي، فانفعلت غاضبا وأنا أحاول أن أغير محطة التلفزيون لأخرى ولكن بلا جدوى! فسّرت الأمر بضعف بطارية جهاز الكسالى كما يجب أن نسميه.. حيث نتنقل من محطة لأخرى ومن بلد لآخر بلا عناء ..
رحت للتلفزيون أقلب القنوات مباشرة من أزراره التي كدنا ننساها. لكني فوجئت بصوت الوزير يرتفع ويزداد تشنجا، "ربما ليغطي على الكذب الذي كشفته الكلمات المهزوزة"..قلت أخاطبني. باءت محاولاتي بالفشل فلم افلح بالتخلص منه أو المحطة الفضائية تلك!
"ما الحكاية.. لم يمر على تصليح التلفزيون شهر.. من أين لي لأشتري آخر!".
"اذا كل واحد يشتري شيء ليبقى العمر كله معه.. ستعلن كل الشركات إفلاسها" قال لي حين تذمرت من سوء التصنيع هذه الأيام والغش في كل السلع "يا أخي كانت البطارية تواصل معي أكثر من ستة أشهر.. اليوم لا تبقى أكثر من بضعة أيام!".
ضغطت على كل الأزرار.. دون جدوى.. لم أع من كلام المسئول شيئا ، ولا جملة مفيدة واحدة.. بل ضحكت وأنا اسمعه "عندما تكون شخصا..لابد أن تشعر بشعور شخصي جدا"! وهو يؤكد على كلمة جدا كأنه اكتشفها توا!
حينها قررت أن اسحب الفيشة من النقطة الرئيسية لأطفئ الجهاز ..فوجئت بالشاشة بقيت على حالها مضيئة!! ولكن لم ينتابني الخوف الا حين صارت كلمات المسئول ومعها مقدم البرنامج تنهل علي مخترقة الشاشة دون كسرها!.. كما لو كانت الحروف أحجارا تكاد أن تشج رأسي، لم اقدر على تجنب بعضها فضربت إحداها جبهتي، صرخت وانتفضت مذعورا وأنا أتحسس وجهي..
فإذا بأحد الكتب المصفوفة على رف فوق السرير يسقط على رأسي .. الحمد لله كان حلما.. بل كابوسا.. عجيب أمر العقل الباطني، ربما أراد أن يجنبني الأذى ويحذرني من ذلك الرف فاختلق قصة التلفزيون.. سأغير مكانه اليوم حال عودتي.
تطلعت للشاشة الفضية ضاحكا وأنا أحاول أن أتذكر بعض الجمل التي نطقها الوزير!.. ترددت من تشغيل التلفزيون ، خفت لو أن ما جرى لم يكن كابوسا!..كيف سيكون رد فعلي؟ بررت ترددي على أني قد أتأخر عن العمل. فغيرت ملابسي وأسرعت خارجا وأنا اعد نفسي أن لا أشاهد التلفزيون اليوم.. سأتسكع بالشوارع حتى ينال مني التعب لكي لا تكون هناك حجة للأرق والسهر، ولأنعم بنوم خال من الكوابيس.

في الشارع لم تفاجئني أكوام النفايات التي تزداد باضطراد يوميا . ضحكت ساخرا من فكرة أن أقول لحبيبتي "احبك بحجم الزبالة التي تزداد يوميا في بلادي" هل ستفرح يا ترى..أم أنها ستوسعني ضربا وتخاصمني.. أمعقول أن تفرح لو قلت احبك بقدر الورد الذي يكاد ينقرض! ألا يسعدها أن حبي يكبر يوميا ويبقى سرمديا!.
صفعتني ريح هبت على حين غرة، ريح مع غبارها الناعم نثرت النفايات التي صارت تتقافز وتدور بكل الاتجاهات، لكني فتحت عيني على وسعها حين وجدتها كلها حروف وكلمات!.
جمل مفيدة وأخرى ضارة صارت تتعلق بالغبار تعترض المارة والكل يحاول التخلص منها.. هذا ينحني ليتجنبها، وآخر يضع منديلا على وجهه وبعضهم يسير مغمض العينين.هل هو كابوس آخر..هل مازلت نائما؟.. لقد تأخرت لابد أن أصح الآن.
لست نائما .. هاهو الشارع أمامك، هذا دكان أم علي.. وتلك مدرسة الأطفال هاهم يحملون حقائبهم يتراكضون مثل فراشات الحقول منشغلون عن كل ما حولهم ويدوسون بأرجلهم النحيلة ما تناثر من حروف وكلمات وجمل بلا معنى ..غير عابئين ولا مندهشين مثلي!.

لندن
2009