لا لإختيارية الزواج المدني



عبد القادر الحوت
2009 / 12 / 8

الطائفية شرّ. هذا ما يتفق عليه اللبنانيين (و العراقيين و العديد من الشعوب العربية الأخرى) منذ أكثر من مئة سنة.
و لكن قلة من يطالب فعليًا بإلغائها، و بالاخص في المجالات الأخرى الغير سياسية، أي من المجتمع و من القوانين التطبيقية.

أحد أبرز المطالب الذي يمهّد بشكل جدي لإلغاء الطائفية هو الزواج المدني "الاختياري"، و قد تم طرحه في لبنان عدة مرات منذ بداية القرن الماضي، جميعها سقط، ثم طرح عام 1998 و سقط من جديد بعد تهديد رجال الدين بشنّ حرب أهلية إذا ما أقرّ القانون!

هنا يحق لنا أن نطرح السؤال، لماذا يرفض البعض و بالاخص رجال الدين الزواج المدني الإختياري؟ هل هناك أسباب تتخطى الفقه الديني فحسب؟

كي نفهم الأسباب الحقيقية، علينا أن نعرف الفرق بين الزواج المدني و الزواج الطائفي المطبق حاليًا في لبنان.

أولا، في القسم الديني، فالزواج في الإسلام ليس إلا مجرد عقد تقليدي لا يختلف عن عقد شراء منزل سوى ببنوده.
و يحق للمسلمين (حسب المذهب) أن يعدّلوا أو يضيفوا بعضًا من المواد على هذا العقد، طبعًا برضى الطرفين. فمثلا تستطيع إمرأة أن تضيف بندًا يحرم على الرجل أن يتزوج عليها و إلا يسقط العقد أو يكون هناك عقوبة لمخالفة البند.
إذا أين المشكلة إذا ما تم تعديل العقد بحيث يصبح مشابه تمامًا لعقد الزواج المدني؟

عند المسيحيين يختلف الموضوع حيث الزواج هو سرّ من أسرار الكنسية السبعة. و هذا السر ينص على منع الطلاق طبقا لما قاله المسيح : "ان من طلق امراته الا بسبب الزنا وتزوج باخرى يزني والذي يتزوج بمطلقة يزني" (متى، 19).
في التاريخ المسيحي، تم إقرار الكثير من التعديلات على التشريعات الدينية و منها الزواج و الطلاق الذي أدى مثلا إلى إنفصال الكنيسة الإنكليكانية بعد رفض بابا روما تطليق ملك بريطانيا.
من هنا تستطيع الكنيسة المارونية مثلا بالتحليّ بنفس الشجاعة و تعديل تشريعاتها و السماح بالطلاق.
عدا عن مشكلة الطلاق، فمعظم بنود الزواج الطائفي الحالي لا يختلف عن الزواج المدني، مثلا بالنسبة للمساواة في الإرث.

بعد التأكيد أن الزواج الطائفي يستطيع أن يتطابق مع أكثر بنود الزواج المدني، نصل ثانيًا إلى دور رجال الدين.
فنلاحظ أن أكثر الناس تشددًا في منع الزواج المدني الإختياري هم رجال الدين و يحق لنا هنا أن نتساءل، هل لمعارضهم رابط مع العائدات المالية الضخمة التي يتقاضوها من أجل إبرام عقود الزواج؟
هل السبب الحقيقي هو رغبتهم بمواصلة "حلب البقرة الحلوب" التي تدرّ بالاموال و "بخشيش" الزواج؟
أليس من المعيب على رجال الدين أن يهددوا بتأزيم البلد و إحراقه فقط من أجل "ثلاثينهم من الفضة"؟

أو ربما قد يكون السبب هو الإحتفاظ بسلطتهم على المجتمع. فالزواج يُبنى عليه جزء كبير من الحياة للأفراد بما يعطيه من إستقرار و مكانة إجتماعية، و لذلك فهو أحد أهم الطقوس في مجتمعنا.
أن يسيطر عليه الكهنة و يفرضوا عليه قوانينهم و يتلاعبوا بالمشاعر و الاحاسيس البشرية كما يحلو لهم، هو خطوة أساسية في السيطرة على المجتمع ككل. و لذلك يرفضون التخلي عنه و ترك الناس تعيش حياتها بهناء و سلام.

ثالثًا، المشكلة في القانون الذي إقتُرح، أنه إختياري و ليس إلزامي.
صحيح أن وجود خيار مدني للزواج سيوفر على البعض ثمن رحلة إلى قبرص، و لكنّه لن يحلّ إطلاقًا مشكلة الطائفية في المجتمع.
فالكثير من الشباب و الشابات يتخلون عن الزواج بمن يحبون تحت ضغوط عائلية و كهنوتية كبيرة. لن يساعد الخيار المدني في شيء، فالرحلة إلى قبرص من لبنان أقصر من السفر من طرابلس أو صور إلى بيروت، و لا مشاكل إدارية في إتمام الزواج في إحدى بلديات قبرص.
ما قد يغييره القانون المدني هو في أن "كذبة قبرص" ستنتهي.
فعلى الرغم من إتمام زواج مدني في قبرص و إعتراف السلطات اللبنانية به، يبقى للمحاكم الطائفية (الدينية) السلطة في التعامل معه و تبقى نافذة القوانين الطائفية من طلاق و إرث و حضانة اطفال و غيرها.
قانون مدني إختياري سينهي هذه الاكذوبة و سيجعل من العقد المدني الأساس و من المحاكم المدنية القاضي.

رغم ذلك، فالزواج الطائفي سيبقى، و ستبقى معه الطائفية.
لذا لا حل آخر سوى بجعل القانون المدني للزواج، إلزاميًا و إلغاء كل القوانين الطائفية للزواج.
سيساهم هذا، بالإضافة إلى السماح للمسيحيين بالطلاق و بإنصاف المرأة المسلمة في زواجها (منع تعدد الزوجات، تحريم ضرب الرجل لزوجته، الخ...)، سيساهم أيضًا في إلغاء الطائفية من النفوس و عليه أيضًا من باقي النصوص.

إن إختيارية الزواج المدني ليست إلا قطعة لحم تُرمى لمجموعة كلاب حراسة يلتهون بها، كي يتسنّى للص الهرب من الباب الخلفي.
إن إختيارية الزواج المدني لن تلغي الطائفية و زواجها، بل ستحوّل عاقدي العقد المدني إلى مجموعة طائفية جديدة نحن بغنى عنها.
الحل الوحيد هو بإلغاء الزواج الطائفي، و بإقرار زواج مدني واحد موحّد إلزامي لكل اللبنانيين، يساوي بينهم في الحقوق و الواجات و ينهي كلّ تفرقة بين أبناء الوطن الواحد.