المرأة المصرية فى عباءة الكفيل الوهابى



أحمد محمد صالح
2004 / 6 / 17

فى شهر أغسطس من كل عام يزدحم مطار القاهرة بعشرات الطائرات التى تعود بالأسر المصرية من السعودية والخليج ، وإذا تابعت تلك الأسر قبل سفرها ، سنلاحظ بدون مشقة أن النساء رجعن مختلفات المظهر والجوهر فالسافرة رجعت محجبة ، والمحجبة أصبحت منقبة ، والمنقبة عادت إرهابية ، فهن يسافرن سافرات أو محجبات بالإيشارب المصرى البسيط الجميل ، وعند عودتهن تجدهن مرتديات الخمار والنقاب ، ممتنعات عن مشاهدة الصور والتليفزيون وكل أنشطة الفن ، واصبح لهن كتب فى السفور والحجاب ، وفتاوى فى الدين.
ومنذ هزيمة الحلم المصرى فى يونيه 1967 ، والمصريون يجرون وراء أحلام مناقضة لطبيعتهم الثقافية والقيمية ، وفى السبعينات تبلور الحلم السعودى بمكياجه الإسلامى الخادع ، وتسابقت المرأة المصرية ، لأسباب اقتصادية واجتماعية كثيرة على الهجرة للعمل إلى السعودية سواء بمفردها برفقة محرم ، أو مرافقة لزوجها ، وإذا كان الرجل المصرى يعانى فى غربة عمله من اضطهاد الكفيل ، فان المرأة المصرية هناك تعانى عدة اضطهادات فى وقت واحد ، أولا اضطهادها الطبيعى لأنها أنثى من الرجل سواء كان زوجها أو محرم من أقاربها ، ثانيا اضطهاد مجتمع المهجر لها مرتين مرة لأنها أنثى ومرة أخرى لأنها مصرية ، وثالثا اضطهادها مرة رابعة من زوجها أو من يحرم معها كتنفيس له عن اضطهاد الكفيل له .
والمرأة هناك محكومة بعقول مجموعة من الشيوخ حارسى النظام الذى يدعم الغلو فى الدين سواء بالفتاوى أو المال أو الدعاية لأئمة التشدد ، فحرية المرأة عندهم تعنى دائما تحررها الجنسى وانفلاتها ، وأثناء حرب الخليج قامت مظاهرة نسائية فى الرياض معظمهن من اساتذة الجامعات السعوديات و من العائلة المالكة يطالبن بحقهن فى قيادة السيارات بعد أن امتلأت شوارع الرياض بالكويتيات والمجندات
الأمريكيات وهن يقدن السيارات ، و نشرت تلك الحادثة فى بعض الصحف الغير سعودية ولكن الذى لم يذكره أحد نهن أى المتظاهرات طالبن بفتوى من شيوخ الأزهر وليس من شيخوهم عاجزين البصر والبصيرة هذا ما كتب فى منشور وزع سرا بين طلبة الجامعة وهذا الوصف لشيوخهم ليس من عندى بل كما يوصفهم البيان نفسه على لسان المتظاهرات .
والمرأة المصرية هناك مستهدفة دائما من هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر(البوليس الدينى ) أو المطوعون ، الذين ينزعون صور النساء التى توجد على منتجات الملابس أو الأدوات النسائية حتى يصبح كل شى إسلاميا من وجهة نظرهم ، منتهى الغباء الدينى ، و هم يتواجدون فى الأسواق دائما تحت مزاعم المحافظة على القيم الدينية والحقيقة أن عملهم الوحيد هو إجبار المسلمين الأجانب على الصلاة ، ومراقبة النساء غير السعوديات خاصة المصريات مراقبة فاحصة لأجسادهن ليعلمنهن كيفيه الحشمة ،أو يوزعون شرائط الكاسيت عليهن ، فالمرأة المصرية تسبب لهم حساسية خاصة وملخص تلك الشرائط أن كل ما يفعله المصريون كفر و حرام.
والعجيب أن المطوع فى الأسواق ينهى على الاختلاط وينصح النساء بالحشمة ويتمتع هو بفحص أجسادهن لعلة يرى نافرة ، وظيفة جميلة مرتبها يبدأ بستة آلاف ريال ومنزل وسيارة وتصريح بدخول الجنة ، وتجدهم فى نواصى الأسواق يفصلون بين النساء والرجال ويدعون للفضلية وخلفهم فى فترينات المحلات قمصان نوم نسائية وملابس داخلية احدث طراز بل ومايوهات بيكنى ، منتهى التوازن الدينى ، وتصف كاتبة سعودية المرأة هناك بأنها خطيئة تسير على ساقين ، والرجل حيوان فى حالة شبق مستمر، لذلك يلزمن البنات من سن الثامنة أو التاسعة بلبس العباءة وعدم اللعب الطفو لى ، وإذا كنا نعرف أن عرب الجاهلية يمارسون وئد البنات عند ولادتهن أى دفنها وهى حية ، فالعرب الآن يمارسون عمليات وأد المرأة أى تعبئتها فى سواد الجهل والتخلف وهى حية من أجل إثبات سلطة ذكورة مزعومة تحت راية الإسلام ، فمعظم فتاويهم الدينية عن المرأة وشيطانها الذى يمثل الموضوع الأساسى للخطاب الدينى ، ومن اغرب الفتاوى وهى صادرة عن الشيخ العثيمين أحد القيادات المميزة هناك أن الحلاوة التى تصنعها النساء من السكر والليمون لأزاله الشعر حرام لماذا يا سيدى ؟ لأنها تأخذ مواد خلقها الله للأكل وتضعها على مكان خبيث لتنظيف الشعر وينصح المرأة باستعمال المواد الكيماوية الجديدة .
وتمارس المرأة المصرية هناك سلوكيات مناقضة تماما لشخصيتها وتركيبتها الثقافية ، فهى لا تستطيع كشف وجهها ألا بحساب شديد وبحذر ، ويكون ذلك فى المدن الكبيرة فقط ، ولا تستطيع أن تجهر برأيها ولابد أن يكون المحرم معها فى كل خطوة ، لتسيير حياتها ، فهى ممنوعة من الظهور فى شباك أو شرفة حتى وهى مغطاة فى العباءة، فالويل لها ، فالمرأة هناك مسجونة داخل أسوار مرتفعة من العادات والتقاليد الأسمنتية تخاف من النور ، لا تستطيع أن تضع صورتها على الشهادات الدراسية والعجيب أن إدارة تعليم البنات كلها رجال . والمناهج التعليمية للبنات تختلف عن مناهج الذكور لصالح قيم السلف والتزمت وحجب وعزل المرأة ، والمبالغة فى النزعة الذكورية ، وتفضيل الماضى ونبذ العلم ، فالمرأة هناك وهى فى حالة الولادة تحت يد الطبيب تغطى وجهها وتكشف تحتها باسم الدين لصالح زعامة هشة لرجل خشن الملامح والصوت ، محدود الإدراك ، يجمع أربع زوجات فى بيت واحد ، ويجرى للصيدلى يبحث عن المقويات الجنسية ويسميها علنا حق المرأة ، وتذهب المرأة أيضا وهى معبأة فى سواد الجهل وتطلب من الصيدلى المصرى عادة فى جراءة تحسد عليها وبجاحة عن حق الرجل .
وتعيش المرأة المصرية فى هذا المناخ سنوات طويلة معبأة فى سواد لا يظهر منها شىء ، صورتها عورة صوتها عورة ، اسمها عورة ، كل شىء فيها أو مرتبط بها عورة ، وهذا المجتمع يقرر أن دية المرأة نصف دية الرجل ويتعامل مع النساء بحواسه فقط ويعتبرهن جوارى ، وقد فوجئ مصرى مع أسرته فى أحد الأسواق بشاب سعودى يعرض عليه شراء ابنته التى تبلغ 13 عاما وتظهر عليها ملامح الجمال والأنوثة !؟ و فى المدن الكبيرة مثل جدة والرياض يوجد فى الأسواق ملاهى منفصلة قسم للرجال أخر للنساء .والكتب الدينية الأكثر انتشارا هى التى تتناول فقه النساء وفقه دورات المياه والأدعية وبجانبها بعض الكتب العلمية وكتابات مؤلفينا المرضى عنهم والذين يحضرون مؤتمر الجنادرية ويتم تسيسهم لكى يلوثوا مصر بأفكار مريضة ،وقرأت كتاب لأستاذ جامعى وطبيب أمراض نساء مصرى مشهور يعمل هناك حاول أن يثبت فيه انه ليس هناك دليل قاطع على تحريم الاتصال الجنسى من الخلف ، وهى نقطه تهمهم هناك ويفضلونها ، وهناك عالم سرى بالتليفون وحياة أخرى لدرجة ممارسة الجنس بالهاتف ، فكل شىء مباح فى السر تحت العباءة ولك أن تتخيل كل شىء بشرط السرية فتنتشر تجارة الخمر رغم منعها وأفلام البورنو ، ولا ادرى ماذا سيفعلون أمام ثورة الاتصالات الضخمة التى تجعل أى جاهل يجلس أمام الكمبيوتر ويتصل بإلأنترنيت ويستدعى أفلام البورنو أو يجلس أمام التليفزيون ويستدعى أى قناة فى العالم بل ماذا سيحدث حين ينتشر التليفون المرئى فى البيوت ، فمن اغرب المواقف التى يواجها الأجنبى هناك مكالمة تليفونية من رجل أو امرأة يقول لك أو لزوجتك ألا تبغانى إذا قلت نعم يعطى لك إشارة وميعاد ، وهذا سهل فالفتاة فى عباءة ولا أحد يعرفها والشاب يلتقطها بالسيارة عادة من الأسواق أو يقفز من فوق سور منزلها فى غياب أسرتها أو يأخذها بالسيارة إلى البر( الصحراء )، وبالتليفون تتم المواعيد بين الرجال والنساء وأماكن اللقاء عادة فى المستشفيات والأسواق وفى الحرمين حيث يختلط الكل ولا أحد يعرف الآخر فالنساء معبآت فى السواد ولا أحد يعرف من تحت العبأة، .
والمرأة المصرية تعيش لمدة طويلة فى مجتمع يعتبر النساء فيه مشكلة كبيرة ، فهن هناك رمز لكل عيب، مجتمع يؤمن تماما أن المرأة مجرد وعاء جنس ولا يجتمع رجل مع امرأة ألا ومارس معها الجنس ، وهن يعيشن فى منازل تشبه القلاع مكتفية ذاتيا بكل شىء يصلها ضوء النهار عبر شبابيك صغيرة ذات قضبان حديدية مثل السجون فالمنازل لها حوائط مرتفعة وأسوار مكهربة وبوابات إليكترونية لذلك تنتشر بينهن إصابات أمراض الصدر والعيون ، ورغم حالة الطوارئ المستمرة لفصل الرجال عن النساء تنتشر جرائم خطف واغتصاب النساء ثم القتل ونتيجة لانغلاق المجتمع انتشرت أيضا جرائم اللواط والشذوذ الجنسى بين النساء والتحرشات الجنسية بالتليفون واغتصاب الأطفال . ، ومن المتناقضات العجيبة تجد النساء المعبآت فى السواد يدخلن محلات الملابس النسائية البائعين فيها رجال ويطلبن شراء ملابس داخلية وقمصان نوم ، ويخترن أمام العامل الذكر المقاس واللون والحجم والنوع بل بعضهن يطلبن رأى البائع شخصيا وزوجها واقف بعيد مثل الأسد يحرسها منتهى الاتزان النفسى ، وفى الصيف يترك الرجال زوجاتهم الأربعة وأولادهم للسائقين والخدم من كل جنس ويذهبون للعمرة والحج ولكن عادة ما تخطىء الطائرات مسارها وتهبط فى تايلاند أو تايوان وتركيا وسوريا ومصر وأوربا وأمريكا.
وعندما يحتاجون هناك إلى المرأة لكى تعمل فى مجالات التعليم أو التمريض أو الأعلام يأتوا بنساء أجنبيات وخاصة المصريات ، لدرجة أن الوفد الذى مثل المرأة السعودية فى مؤتمر المرأة بكين كان اكبر وفد نسائى والغريب لم يكن بينهن سعودية واحدة ، و هناك يتم التدريس للبنات فى كلياتهن عن طريق دائرة تليفزيونية أو أساتذة فاقدين البصر لانهم يعتقدون أن الجنس مسيطر على تفكير الجميع ، وكان يثير حنقى إعلانات التوظيف التى تطلب أستاذ جامعى أعمى للتدريس فى كليات البنات واتذكر حكايات ألف ليلة التى تحكى عن الخواص والأغوات الذين يخدمون النساء فى القصور ثم يتضح بعد ذلك انهم فحول وتخليت إعلان مطلوب فيه أساتذة جامعيين يشترط فيهم أن يكونوا من الخواص أو الأغوات ، فالجنس شغلهم الشاغل.
وهذا المناخ العام الذى تعيشه المرأة المصرية لسنوات طويلة سواء بمفردها أو مع أسرتها يجعلها فى موقف حدى ، حيث يحاول المجتمع هناك عن تعمد أو غير تعمد أن يغرس فى وجدانهن أن الرفاهية التى يعيش فيها نتيجة أساسية لتطبيق الشريعة ، وأن الفقر والأزمات فى مصر نتيجة أساسية أيضا لعدم تطبيق الشريعة .ويظهر ذلك بطريقة مستترة فى الخطاب الإعلامى الرسمى ، وفى الخطاب الدينى على منابر المساجد بطريقة صريحة وعلانية . والنساء المصريات هناك يكتسبن بسهولة الاتجاهات الإيجابية نحو قيم التزمت ، وحجب وعزل المرأة ، والمبالغة فى النزعة الذكورية ،وتفضيل الماضى ،ونبذ العلم والتفكير العلمى ،وتضخيم النزعة العائلية والقبلية ،وتنمية الروح القدرية ويواجهن أيضا الاتهامات الموجهة إلى مصر بالكفر والإلحاد من قبل المجتمع هناك ،ويزيد على ذلك اكتساب النزعة الاستهلاكية الشرهة التى تسود فى مجتمعات الوفرة . ومن جانب آخر تتعرض النساء المصريات فى تلك الدول بصفة خاصة المدرسات والممرضات إلى ضغط مستمر وبأشكال مختلفة من قبل هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وتستجيب نسبة كبيرة منهن لتلك الضغوط ، فتتغير طريقة ملبسهن ،أما لتدعيم موقفهن أمام منافسة العمالة الآسيوية الرخيصة الأجور أو لانبهارهن عن جهل بحياة الوفرة ، حتى يمتد الموقف إلى مهاجمة بلدهن.
وهنا يجب أن نؤكد أن استعداد المصريات للاستجابة لأفكار التطرف فى الخارج يبدأ من الداخل ، حيث مازال المجتمع المصرى رغم كل التحولات الثقافية والاجتماعية التى اجتاحت بنائه الاجتماعى يمارس بعمق التمييز الجنسى بين الرجل والمرأة . ومن الأسباب الهامة أيضا التى تجعل النساء المصريات ضعيفات أمام مواجهة هذا الضغط ، انتشار الفن المصرى الهابط والفاسد فى ذلك المجتمع والذى يصور المرأة المصرية فى صورة داعرة ورخيصة ، لدرجة أن المرأة المصرية هناك لتجد فرصة للدفاع عن نفسها وبلدها أمام الشك الذى رسبه الفن الهابط فى وجدان الناس فى تلك الدول .
وعند عودة المرأة المصرية للوطن حاملة معها الأفكار المسطحة والسلوكيات المصابة بالانفصام بين الكلام والعمل ، تشكل عن قصد أو غير قصد منبعا جديدا للتطرف الدينى فى مصر ، ومنهن الزوجات وأساتذة الجامعات والمدرسات اللائى سوف ينقلن أفكارهن المريضة إلى أولادهم وتلاميذهن ، وهنا يجب على المؤسسات والمنظمات المهتمة بالمرأة وهجرة العمالة توعية وتنوير المهاجرات ويجب أن نذكرهن أن المرأة مشكلتها مع المسلمين الذين كيفوا مبادئ الإسلام وفقا لعاداتهم وتقاليدهم ، ونذكرهن بان المرأة المصرية القديمة سبقت جميع نساء العالم باستقلالها ، وان أول ملكة فى التاريخ الإنسانى كانت مصرية وهى حتشبسوت التى اعتلت العرش فى منتصف القرن الخامس عشر قبل الميلاد وان 16 مارس هو يوم المرأة المصرية حيث حاصرت مدافع الإنجليز مظاهرات الطلبة والنساء بزعامة هدى شعراوى عام 1919، ونذكرهن بنبوية موسى ، وزينب كامل حسن ، وسهير القلماوى ، وأمينة السعيد ، ونوال السعداوى ، وغيرهن من القيادات النسائية ،ويجب أن نعلمهن ونفسر لهن الحكم الأخير لمحكمتنا الدستورية فى قضية النقاب والذى أوضح واثبت فساد المنطق الذى تستند عليه جماعات الإرهاب فى مصر والدول المشجعة له فى اعتبار النقاب فريضة ، فهن فى حاجة شديدة لأعدادهن من النواحى الدينية والثقافية لمواجهة مظاهر الغلو فى الدين فى بلاد المهجر ، خاصة وأن معظمهن يتجه إلى دول الخليج خاصة السعودية ، حتى لا تتعاظم العوائد السلبية الاجتماعيه لهجرة العمالة المصرية للعمل فى دول الخليج وتصبح مصدر من مصادر تغذية أفكار التطرف.