مصر: هل منصب كاهن هو ما ينقص المرأة القبطية؟



أميرة الطحاوي
2009 / 12 / 16

بشيء من المزاح يقول القائد الروحي للأقباط المصريين أنه لا مجال لعمل المرأة كاهنة بينما تحمل رضيعاً على يديها والآخر في أحشائها، لكن هل سيكون أهم قضايا المرأة المسيحية تولّيها منصبا دينيا؟ وهل تتعرض المسيحية لمضايقات أكثر في مجتمع ذي غالبية إسلامية تتزايد "مظاهر" تدينه؟.


في لقائه نصف الشهري قال البابا شنودة البطريرك الأكبر للأقباط الأرثوذكس بمصر أنه لا مجال لتولية المرأة منصب "قسيس" والذي لا يشترط عدم الزواج أو الرهبنة، لعائق آخر هو أنه "ما ينفعش نرسم قسيسة عشان تعمل القداس وهى شايلة عيل على إيدها والتاني في بطنها"


وليس لدى أتباع كنائس أخرى بالخارج مثلاً مشكلة في تولي امرأة لهذا المنصب، باعتبار أنه ليس لديهم سر كهنوتي أو ما يعرف بالأسرار المقدسة للكنيسة. لكن قبل أعوام أصدر أقباط بالخارج بيانا يقولون فيه أن الكنيسة المصرية تمارس تحيزا على أساس النوع (تستخدم كلمة جندر الآن) ضد المرأة القبطية عندما يمنع توليها مثل هذه المناصب.


ولا يعتبر سامح محروس مشرف صفحة أجراس الأحد بجريدة الجمهورية – شبه الرسمية – أن عدم تولي المرأة لمنصب كنسي تقليل لمكانة المرأة، مستشهدا بالقداسة التي للسيدة مريم العذراء رغم أنها لم تكن ذات صفة دينية. مضيفا في حواره مع إذاعة هولندا أن الأمر لا يختلف عما كان عليه في العهد القديم – التوراة- فلم تتقلد النساء منصب كاهن في اليهودية أيضا.

وورد في رسالة تعتمد على نص الإنجيل أعدها البابا شنودة لتُلقى نيابة عنه في مؤتمر لامبث للأنجليكان بإنجلترا عام 1988 "لست آذن للمرأة أن تُعلّم ولا تتسلط على الرجل بل تكون في سكوت" ومعروف أن الكنيسة القبطية أكثر التصاقا بحرفية معاني النصوص المقدسة في كثير من القضايا، ولن يخرج عنها الموقف من المرأة بالطبع.


كما ينطلق موقف الكنيسة من نص آخر يفهم منه أن الرجل سيد المرأة "كما أن المسيح أيضاً رأس الكنيسة" أو عمادها والقيم عليها ومن ثم لا يمكن أن تسوده هو في إقامة شعائر دينية. أو حسبما قال البابا "وكما تخضع الكنيسة للمسيح كذلك النساء لرجالهن" ولسبب آخر أورده أيضا أن المسيح كان رجلا و" رئيسا لكهان وليس رئيسا لكاهنات"بحسب تعبيره.


وتعتمد رؤية البابا أيضا إلى سياق تاريخي حيث يقول أنه " لم يسبق في التاريخ أو التقليد مثل هذا الكهنوت للمرأة" نافيا اعتبار أن السيدة مريم العذراء رغم إقراره بقداستها قد قامت بأي من أدوار رجال الدين. وتمضي حجج البابا المستقاة من النصوص الدينية والتاريخ لتغلق أي مجال أمام تولي النساء لهذه المناصب لتعارض ذلك مع تمسك الكنيسة نفسها بنصوص الإنجيل.

والطريف أنه حتى منتقدي البابا من الأقباط، أيدوه في هذا المجال: فالمستشار نجيب جبرائيل الناشط القبطي اعتبر سابقاً أنه رغم أن "الكتاب المقدس لم يحظر صراحة عمل المرأة قسيسا" ولكن "التقاليد الكنسية منعت هذا المنصب على المرأة لأن طبيعة المرأة تمنع عليها الإمساك بالقربان المقدس لأنها تحيض كما أنها ضعيفة الإحساس ومن ثم يتعذر قبول الاعتراف لديها".

لكن المفكر القبطي جمال أسعد عبد الملاك يتفق أيضا مع موقف البابا مرجعا رفضه لتولي المرأة منصبا دينيا لـ "مخالفة ذلك تعاليم الكتاب المقدس الذي حرم حتى رفع صوت المرأة داخل الكنيسة".

طلاق أم خلع :

لا تعرف الكنيسة القبطية الطلاق إلا لعلة الزنا، وعندما تفرق بين زوجين فهي تصر أن الأمر ليس طلاقا كما قد نظن " فما يوحده الرب لا يفرقه إنسان " لكنه انتهاك من قبل أحد الطرفين لعهد تم أمام الله.

وبحسب إحصائيات لعام 2000 فإن هناك " أكثر من 160 ألف حالة طلاق بين الأقباط أمام المحاكم" وفي مصر، لا يعلن عن عدد المواطنين على أساس الدين وذلك في الإحصاء السكاني الذي يجري كل عشر سنوات؛ باعتبار أن ذلك نوعا من بث الفرقة أو في عبارة أخرى "تشجيع الفتنة" بحسب المسئولين .


ويقول سامح محروس مشرف صفحة أجراس الأحد،أنه لا وجود لمشاكل اجتماعية تخص المسيحية المصرية وحدها بحكم انتمائها الديني بخلاف قضايا الزواج والطلاق، التي يعتبر أن موقف البابا شنودة منها يحتاج لمراجعة، وأنه "يجب توقف شدة غلواء الكنيسة في هذا الصدد" وينتقد عدم وجود قانون للأحوال الشخصية للمسيحيين حتى الآن، قائلا أن لائحة العام 1938 التي كانت تنظم المعاملات الأسرية للأقباط لم تقصر الطلاق على الزنا كما هو حاصل الآن، نافيا أن يؤدي ذلك لمزيد من التفكك "في كثير من الحالات تغلب الأم مصالح الأطفال و بقاء تماسك الأسرة، فتستمر في حياة زوجية عصيبة، لكن الطلاق قد يكون حلا لا مفر منه في حالات أخرى".


ويعتق محروس أن الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير مجلسي الشعب والشورى لمقر البابا مؤخرا قبل سفر الأخير، ربما تكون لنقاش قانون للأحوال الشخصية للمسيحيين..


وكانت الممثلة هالة صدقي أول امرأة قبطية تستفيد من قانون الخلع في مارس من العام 2002. رغم أنها واصلت سعيها في طلب الطلاق قبل هذا التاريخ بـ11 عاما.لكن الكثير من النسوة – مسلمات ومسيحيات- لا يملكن ترف الاستفادة من هذا القانون رغم استحالة حياتهم الزوجية جحيما، لأنه لا يعطيهن أي ضمان مالي أو نفقة لمواجهة قادم الأيام بلا معيل.


وكانت بعض النساء يضطررن للخروج من طائفتهم القبطية- حيث غالب مسيحيي مصر- لأخرى ليتسنى تطبيق قانون الأحوال المدنية العام والذي يطبق بدوره الشريعة الإسلامية عليهن التي تسمح بالطلاق لاختلاف ديانة أو ملة أحد الطرفين.


► مشاكل مجتمعية:

لكن هل تتعرض المسيحية المصرية لمضايقات في مجتمع آخذ في تدينه الظاهري بينما في ذهنه الكثير من تقليل الآخر على أساس ديني، وقد يعيقه المحيط عن إعلانه؟؟ .

بمناسبة الإعلانات : فقد تجد إعلانا في صحيفة قومية لتوظيف مربيات في حضانة تستقبل الأطفال مسيحيين ومسلمين طالما سيدفعون رسوم الخدمة : لكن الإعلان يحدد أنه يريد توظيف محجبة، فهمنا إذن: لا نريد مسيحيات.

ويقول محروس ، المشرف على الصفحة الأولى من نوعها التي تعني بشئون الأقباط في جريدة حكومية، أنه لم يرصد إجبار أية امرأة مسيحية على ارتداء الحجاب لكنه صادف حالات لتلميذات تلزمهن مدارسهن بارتداء ايشارب رغم عدم تضمين ذلك "الايشارب" في الزي الرسمي للطالبات.

معتبرا أن "تنامي المد الديني والأصولي في المجتمع منذ 1977 يزيد من معاناة المرأة المصرية ككل، كما أنه يرجع الأمر أيضا لما سماه بالثقافة الذكورية السائدة في المجتمع أصلا، والتي تجد في تفسيرها لبعض النصوص الدينية ما قد يدعمها.


ويقول محروس في حواره مع إذاعة هولندا أن المرأة القبطية ليست سلبية كما يعتقد؛ فهي تشترك في نحو 50% من خدمات مدارس الأحد التي تعني بتدريس وتربية الأطفال بالكنائس في أيام العطلات، فيما تشارك المرأة بأكثر من 80 من النشاطات الخيرية للكنائس والموجهة للأسر الفقيرة أو كبار السن. أما المشاركة السياسية لها فمرتبطة بالأحوال العامة بالبلاد التي تنظم أيضا مشاركة الآخرين مسلمين ومسيحيين، رجالا ونساء.
- عن إذاعة هولندا



ومن يدري: فربما يكون خلاص القبطيات في حل أكبر..لا يعني فقط بتنصيب كاهنة منهن، فهذا الباب موصد كما اتضح، بل في تغيير لقيم مجتمع متحيز لحد ما ضد المرأة، وضد المختلف في الدين عن الغالبية السائدة من السكان..فهل تنتظر المرأة القبطية مع المسلمة هذا الحل؟.