المُواطن والوطن.. سندريلا في بيت أبيها ..



رابحة الزيرة
2009 / 12 / 17

باغتتني بسؤال مفاجئ دون أن أدري الهدف من سؤالها: "بكلمة واحدة .. ماذا يعني الوطن بالنسبة لكِ؟" وطالبتني بإجابة سريعة .. ربما لعلمها بأن أصدق ما يكون الإنسان عندما يجيب بسرعة، وقبل أن يفكر طويلا في تنميق الإجابة المطلوبة لا الحقيقية .. فقلت بأتمّ الصدق: الوطن .. حسرة !!
فتداعى لي بيت شعر للشاعر كامل أمين:
أجتاز في وطني وفي أهلي عمراً من الحزن طالت فيه أسفاري
مهاجـر وبلادي تحت راحلتـي ولاجئ رغم أني صاحب الدارِ

يفصل بين ذكرى اليوم العالمي لإعلان حقوق الإنسان والعيد (الوطني) للبحرين ستة أيام، فأما القائمون على الاحتفال بالذكرى السنوية لإعلان حقوق الإنسان فيبادرون سنوياً في اختيار شعار عام (ثيم) يدعون منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية وغيرها من المهتمين للتركيز عليه وتفعيله، فمرّة يدعون للتسامح، وثانية لتعلّم حقوق الإنسان، وثالثة إلى نبذ التمييز ومناهضته كما هو شعارها هذا العام "احتضن التنوّع .. واقضِ على التمييز"، ولا يكون اختيارهم عبثاً بل بناء على ما يرونه سبباً جذريّاً لتراجع العمل بأسمى مبادئه: "جميع الناس وُلدوا أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق"، باغتيال السلام، وقمع الحريّات، وحكر الرفاه العام لأقلّية جشعة على حساب أكثرية مهضومة الحقوق، وانتهاك الكرامة الإنسانية بأبشع الصور وأكثرها ابتداعاً.

البحرين، كغيرها من دول العالم، تحتفي باليوم العالمي لحقوق الإنسان، فهذا الاحتفاء أصبح عرفاً حضارياً دولياً، والدول التي ترفض التوقيع على اتفاقيات حقوق الإنسان، أو اتفاقيات حقوق الطفل، أو تتحفظ على بعض بنوده وبروتوكولاته الإضافية كاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة، والتمييز ضدّ الأقليات العرقية والدينية، أو تمتنع عن الانضمام للمواثيق العالمية ذات العلاقة بها - مما بات يتكاثر كتكاثر الفطر - توصم بالتخلّف، أو يوضع اسمها على رأس قائمة منتهكي حقوق الإنسان، وتُحرم بذلك (الهالة القدسية) التي تحيط بالدول الراعية لحقوق الإنسان، أو تفقد جزءً من (الكاريزما) التي أضفتها لنفسها بالتقارير السنوية التي تدّعي فيها أنها قامت بواجبها الحقوقي والتزمت بتطبيق بنود تلك الاتفاقيات، لتحوز بذلك على رضا المجتمع الدولي الذي يهتم بالصورة المصطنعة أكثر من اهتمامه بالسيرة الحقوقية الفعلية لهذه الدولة أو تلك.

تختلط علينا المناسبات والأحداث المحلّية والعالمية لكثرتها وتنوّعها، وتختلط معها المشاعر المصاحبة لها، بأيها نسلّي أنفسنا، وعلى أيها نتأسى، أنهنّئ المجتمع الدولي الممثل في منظّماته الحقوقية على حسن اختياره لمواضيعه السنوية؟ أو نعزّيه مع انقضاء كل عام على تراجع الوضع الحقوقي العالمي القهقرى، من ممارسات للتمييز على أساس اللون والعرق والدين والمذهب والطائفة، وازدياد نسبة الفقراء والمحرومين فيه، واتساع الفجوة بينهم وبين الأغنياء، وارتفاع وتيرة الحقد والكراهية في العالم بتزايد أعداد القتلى من الأبرياء ضحايا التعصّب، وما يُنتهك من حقوق الأسرى وسجناء الرأي، والضعفاء من الأطفال، والمرضى، وغيرهم، وما ينتظر الأرض وأهلها من كوارث بيئية وطبيعية بما كسبت أيدي الناس من عبث بالبيئة وإفساد في الأرض.

فهل يحلو الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان والحال أنّ الحقوق كلها منتهكة؟ وما السبب في ذلك، هل شاخت تلك القوانين وبحاجة إلى تجديد وبعث من جديد، أم لأنها سُيّست وأصبحت في خدمة القوي وقبضته، وسوط مسلّط على الضعيف لقمعه؟

وعلى نفس المنوال، وبنفس المشاعر المختلطة نستقبل العيد الوطني، ولا ندري أنهنئ أبناء الوطن على مكتسبات حقوقية حقيقية وتكريس دولة القانون، أم نعزّيهم على تآكل وتيرة الحريّات والشفافية، وتعمّق الطائفية السياسية بين أبناء الوطن الواحد، وتجذير الخلافات، واتساع رقعة الظلم وتواصل ممارسة التمييز بشتى أنواعه، وما يتبعه من تحامل ومشاعر سلبية تجاه الآخر نتيجة للاّمساواة، وسوء إدارة الخلافات، وعدم استثمار التنوع ليكون في صالح الوطن وأبنائه عوضاً أن يكون نقمة عليه وسبباً للصراع والعداوات.

كلنا يعرف قصة سندريلا (الرمزية) .. الفتاة الجميلة التي فقدت أمها في طفولتها، واضطرت أن تعيش مع زوجة أبيها وأخواتها الأقل منها جمالاً، والأكبر سنّاً، فكانت تخدم في بيت أبيها طوال اليوم، وتُحرم من الخروج من البيت لئلاً تشاركهم في شيء، ورغم ذلك لم تسلم من غيرتهم منها وحسدهم لها .. إلى أن جاء اليوم الذي دبّرت أمرها لحضور الحفل الذي أُعدّ لاختيار زوجة للأمير .. فذهبت وتعرّف عليها وأعجب بها وقرّر الزواج منها، وعندما هربت خوفاً من انكشاف سرّها بحث عنها حتى وجدها فتزوّجها وعوّضها بالتقدير والمحبة عن سنوات الظلم والحرمان ..

تلك أمنية الحالم لتغيّر حال أبناء هذا الوطن رغم شدّة الظروف التي تحيط بهم وغموض المستقبل المجهول أمامهم، حتى باتوا وكأنهم يعيشون تحت رحمة زوجة أب قاسية، وغير منصفة، فما عليهم إلا أن يكونوا كسندريلا التي استمرت في خدمة بيت أبيها لأنها تشعر بالانتماء إليه بغض النظر كانت إدارته بيد زوجة أب قاسية، أو أخوات قبيحات النية والفعل، فبإخلاصهم الجاد في العمل، عليهم أن يثبتوا أنهم بعقولهم، وكفاءتهم العلمية، وأريحيتهم، وأخلاقهم العالية، أبناء نجباء، ومواطنون بارّون لهذا الوطن، سيحتضنون التنوّع فيه، ويعملون على نبذ ورفع كل تمييز يقع عليهم أو على غيرهم من إخوة لهم في الدين أو قرناء لهم في الخلق.