نحو فك الارتباط بين تعليم المرأة والحجاب



رائد نقشبندي
2004 / 6 / 20

مشكلتنا في الشرق أننا لكثرة مشاكلنا ننسى ترتيب الأولويات. ترى هل نسي الفكر التقدمي والعلماني أن مشكلة تعليم المرأة لها الأولوية من بين كل المسائل التي تتصل بالمساواة الكاملة بين المرأة والرجل؟
والواقع أن الحافز المباشر لكتابة هذه الورقة هي مقالة نشرت في الحوار المتمدن العدد 869 بقلم السيد ميشيل الشركسي، عن خبر مظاهرة نسائية قامت بها نساء "متحجبات" يمنيات احتجاجاً على قرار الحكومة بفرض زي مدرسي موحد. ترى ألا يدفعنا هذا الخبر إلى التعاطف مع نساء يدافعن عن حقهن في التعلم؟ ولكن من حرمهن هذا الحق؟ هنا تحتاج المسألة للتفكير.
وبداية أقول، إن التعليم الإلزامي قد يطبق بفضل قرار حكومي، والزي المدرسي الموحد كذلك؛ لكن إلغاء ثقافة الحجاب لن يكون أبداً بفعل قرار، بل بفعل جهد تنويري شامل تشكل النساء المتعلمات، وخاصة من بيئة ثقافة الحجاب ذاتها، مرتكزه الأساسي.
نعود إلى سؤالنا الأساسي وهو: كيف لمثل هذه القرارات أن تحرم، ولو شريحة من النساء، من التعليم؟
تدل الإحصائيات على أنه رغم مضي عقود من التنمية في البلدان العربية، والتنمية التعليمية، لا تحظى النساء بنفس فرص التعليم التي يحظى بها الذكور، وأن الهوة التعليمية بين الجنسين ما تزال شاسعة بالنسبة لجميع الشرائح التعليمية، ليس لأن قوانين التعليم للمراحل الإلزامية وغير الإلزامية تميز بين المرأة والرجل، ولكن لأن ثقافة التمييز في هذه المجتمعات أمكر وأقوى من هذه القوانين. فالمرأة تحرم من حقها في التعليم لعدة أسباب (كاستبقائها في البيت لمساعدة أمها، أو لأن الظروف الاقتصادية للأسرة لا تسمح بتعليم جميع الأبناء وبالتالي ستكون الأفضلية "البديهية" للأبناء الذكور، ناهيك عن القيم الثقافية في بعض المجتمعات التي تستنكر تعليم المرأة أصلاً).
والواقع أن النزوع نحو منع ارتداء الحجاب في المدارس، أثر ويؤثر سلباً على فرص تعليم المرأة في بعض البيئات الثقافية، إذ قدم ذريعة جديدة لهذه البيئات كي تحرم بناتها من التعليم، علماً أن زيادة نسبة النساء المتعلمات في هذه البيئات هي جوهر رهان عملية التنوير كلها، نظراً للأهمية البالغة لدور المرأة في إعادة إنتاج ثقافة التمييز ضد المرأة نفسها.
لذلك لا بد من وقفة متأنية للفكر العلماني والتقدمي قبل أن يعلن تأييده لهذه القرارات أو انحيازه لها. إن علينا أن نفكر في الأولويات، وفي الحقائق الملموسة: فإذا كانت مسألة تعليم المرأة هي حقاً بالنسبة لنا نقطة الانطلاق في معالجة مشكلة ثقافة التمييز، سيكون لزاماً علينا أن لا نشجع أي قرار يؤدي إلى مفاقمة هذا الجانب، ولو تعارض ذلك حالياً مع رؤيتنا لمسألة الحجاب برمتها.
يمكن لمسألة الحجاب في المدارس أن تبحث مستقبلاً، إذا نجحنا في جسر الهوة التعليمية الحالية بين الجنسين، وإذا كان لدينا ما يطمئننا أن قراراً كهذا لن يؤدي إلى حرم شريحة من النساء من التعلم لسبب بسيط هو أن ثقافة بيئتهن تفرض عليهن ارتداء الحجاب، لكي لا نأتي نحن، بنفاق علماني هذه المرة، لنزيد من وضعهن سوءاً، ونساهم في حرمانهن من التعليم.
علينا إذن نؤسس لتنوير جديد، تنوير يعرف ما يمكن للقوانين أن تفرضه، وما يمكن لها أن تشجعه، وما يمكن لها أن تحدث فيه أثراً هو عكس ما ترتجيه.