الأزواج الأربعة وأنسنة المجتمع



خيري حمدان
2009 / 12 / 27

هل تحتاج المرأة لأربعة رجال أو أزواج لتصبح حرّة وقادرة على مساواة الرجل الشرقيّ المسلمّ؟ بعيدًا عن العواطف، أجد بأنّ المرأة العربية قد لا تفهم أحيانًا ذاتها الأنثويّة! استشرت زوجتي الأجنبية في قضية تعدّد الأزواج فكانت دهشتها عميقة للغاية. طبعًا الموضوع لم يأت من فراغ كما يعلم الجميع، فالقضية مرتبطة بشكلٍ أساسيّ بإمكانية زواج الرجل المسلم من أربع نساء على أن يعدل بينهنّ وهكذا، حتى أصبح المال الكثير والثروة الهائلة ميزان العدل في التعامل مع المرأة، بل وانعدام المحبة والعلاقة مع الزوجة التي انقضى على الارتباط بها بضعة سنوات؛ لتحلّ مكانها فتاة أخرى في عمر الورود، لأنّ المال بات قادرًا على شراء كلّ شيء حتى المتعة الشرعية!

أولى المكتسبات التي فقدها الرجل الشرقيّ واسع الثراء هو الشعور بالحبّ الحقيقي وفهم مشاعر الأنثى التي من المفروض أن تكون شريكة حياته، فالثروة هي الخلاص من هذا العبء والطريق نحو سريرٍ آخر باسم الدين والشريعة والحلال والرجولة وحاجة الرجل لإثبات فحولته بغارات لا تنتهي مع نهاية شهر العسل وبداية آخر. قرأت في أحد المواقع الالكترونية بأنّ رجلاً في الأردن أصرّ على الدخول على زوجتيه اللتين عقد قرانه عليهما في ليلة واحدة، بل وربّما طالب الجمع بينهما في سريرٍ عريض واحد! ولم يملك أولو الأمر الرفض أو الاعتراض بعد أن أصبحت تلك النساء حلاله وملكًا له! وقرأت في موضعٍ آخر بأنّ امرأة شرقية قدّمت لزوجها جميع إمارات الطاعة إثر عودته من العمل، وبعد أن فرغ من إشباع فرجه وبطنه أخبرته بأنّ ابنهما قد مات، ولم تجرؤ على الإفصاح بذلك قبل أن ينتهي من طقوسه المعهودة. هذه علاقة تبعية تعتمد بشكلٍ أساسيّ على عامل الخوف والرهبة، ولا مكان هنا للودّ لأنّ المرأة تشيّأت في المنزل! وعاد وجودها أمرٌ رتائبيّ بالنسبة للرجل، وخالٍ من الأنسنة والعاطفة.

أنا لست بصدد رفع بيان جاهز لاتّهام الرجل الشرقيّ فهناك شريحة كبيرة من الشرقيين الذين يعرفون قيمة المرأة ويكنّون لها كامل المحبة والاحترام، فهي الزوجة والحبيبة والأخت والأم وراعية أجيال المستقبل. هي باقة الورد التي تزيّن حدائقنا ونهارنا. هذه حقائق يعرفها القاصي والداني، ولكن لنعود ثانية لتعدّد الأزواج، هذا الطرح غير موجود في كافّة دول العالم وخاصّة أوروبا إذا كان لا بدّ من اعتماد أوروبا كمثال، وذلك لأنّ طبيعة المرأة وأنوثتها لا تسمح بذلك. تصوّروا أن تمضي امرأة من بيت زوجها الأشقر بعد أن تقضي وطرها وحيث ابنتها لتذهب بعد ذلك لزيارة زوجها الأسمر حيث ابنها وبعد ذلك لثالث ورابع! يستحيل على المرأة سواءً كانت أوروبية أو شرقية أو إفريقية أن تقسم قلبها بين عوالم رجولية مختلفة، وتقسم ذات الوقت عاطفتها بين أولادها المتناثرين هنا وهناك! هذه الوضعية بلا شكّ ستؤدي إلى تعقيدات كثيرة في بنية المجتمع مما سيؤدي لاحقًا إلى هدمه وتدميره.
لا يمكن للمرأة الأم أن تقسم عاطفة أمومتها بين منزلين فما بالك بأربعة منازل! حتى وإن حدث هذا، فسيكون وضعه مؤلمًا للمرأة ويبقى ضمن الاستثناءات التي تؤكّد القاعدة.

لست بصدد التحدّث عن الشبق الجنسي لدى بعض النساء اللواتي يطالبن بتعدّد الأزواج، فهذه حالات خاصّة ولا يمكن تعميمها على المرأة. بعض النساء يلجأن لاتّخاذ عشيق لإرضاء شبقهنّ، ولكنّي وبالرغم من السنوات الطويلة التي عشتها في أوروبا لم أسمع بامرأة واحدة تزوّجت بأكثر من رجل. من الناحية البيولوجية وقد توافقني النساء في هذا الطرح، تأتي الرغبة الجنسيّة لدى المرأة في مرحلة متأخرة تلي العاطفة والحبّ وليس قبل ذلك. بينما يمكن للرجل أن يعاشر النساء دون أن يشعر تجاههن بالحب والانجذاب، ولهذا تفسير علميّ بالطبع فالرجل يعتبر المعطاء دائمًا وهو الملقّح وتدرك الخارطة الوراثية لديه هذه الأهمية، لهذا يسهل عليه إتمام العملية الجنسية، ويسهل عليه الإكثار من الزواج والإنجاب! لكن ظروف الحياة المعاصرة باتت صعبة للغاية، فمن جهة هناك مشكلة التخلّف والأميّة وعدم الاهتمام بالأطفال والشعور بالاتّكاليّة في العديد من القضايا خاصة فيما يتعلق بمستوى الحياة وتأمين المتطلبات الضرورية والأساسية لتربية سوية للأطفال، بحجة أن الرزق يأتي مع الولد، وكأن الحياة لا تعني سوى الأكل والشرب فقط! أنا لا أفهم الرجال الذين يقدمون على الزواج من أكثر من امرأة لمجرّد التغيير وتجديد الشباب كما يدّعون، ولكنها حقيقة موجودة بكثرة لدينا، وفي هذه الحالة يأتي القانون والتشريع لتزكية الجنس والتجحيش وتعدّد الزوجات دون أن تكون هناك ضرورة شرعية لذلك، ويكتفي الأثرياء بجمع أربع نساء فقط، لتكون نهاية كلّ شهر مثلاً حفلة طلاق وزواج في أنٍ واحد.
بهذا تصبح المرأة مجرّد سلعة مسلوخة الأنوثة، تفقد خصوصيتها بعد الليلة الأولى لتصبح بعد ذلك رأسًا في قطيع. هذا الواقع وهو قاسٍ بالتأكيد، أدى لظهور من تطالب بتعدّد الأزواج ومن يدري ماهية المطالب المستقبلية للمرأة العربية التي فضّلنا وأدها وتحويلها إلى سلعة جنسية! الغريب بأنّ المرأة العربية كانت في العصور الوسطى فاعلة وقادرة على أن تكون أكثر من مجرّد رقم وطني عابر في سرير الرجل كما هو الحال خلال القرن العشرين والواحد والعشرين!

هناك حقائق كثيرة قد يجهلها الرجل الشرقيّ أو يتجاهلها، ومن أهمّها إخلاص المرأة للحياة الزوجية وتفانيها من أجل تحقيق السعادة داخل عشّها المنزليّ، لهذا يصعب على المرأة أن تقبل بتعدد الأزواج عاطفيًا، ولهذا أجد بأنّ تعدّد الأزواج عقابٌ شديدٌ للمرأة، ولا توجد هناك امرأة سويّة تعيش حياة زوجية هادئة قد فكّر يومًا ما باقتناء أكثر من رجل في حياتها! المرأة إذا أحبّت فإنّها تقدّم كلّ ما تملك لإسعاد الرجل ولا يمكن لها أن تفكّر بإسعاد رجلين ذات الوقت! هذا يخالف خارطتها الوراثية، وهذا سرّ عظمة المرأة .. أنوثتها وقدرتها على الاحتراق العاطفي وتوفير جميع الظروف لإسعاد العائلة.

المجتمع الشرقيّ يحتاج للأنسنة وليس لنصوص قيمية وأخلاقية وعقائدية منافية للطبيعة البشرية. الأسرة الشرقية تحتاج لفهم جديد بل قديم منسيّ للعلاقة الزوجية ومفهوم الرابط المقدّس الذي يربط الرجل بالمرأة.

ورد في رواية بائع الكتب في كابول وهي من تأليف السيدة آستي سييرستاد، حيث تتناول الرواية بالتفصيل المملّ الحياة والعلاقات الاجتماعية في أفغانستان، ورد فيها كيف تقدّم بطل الرواية بائع الكتب سلطان لشراء عروس طفلة لا يتجاوز عمرها الثالثة عشر من العمر، بعد أن تجاوز وزوجته الأولى المثقّفة والمتعلّمة العقد السادس من العمر. وتمكن بعد جهد، وبعد تقديم الهدايا المغرية والأموال الكثيرة لأسرة معدمة وفقيرة من شراء موافقتها أقصد صمتها، وفعلت هي ذلك لينعم من تبقّى خلفها في المنزل ببعض الخيرات ثمنًا لجسدها البضّ.

لكلّ فعلٍ ردّ فعلٍ مماثل تقريبًا، وقد يكون أحيانًا أكثر قسوة ككرة الثلج المتدحرجة إلى الأسفل، حيث تصبح قوّة مدمّرة بعد أن كانت كتلة بيضاء صغيرة! أعتقد بأنّ الوقت قد حان لردّ الاعتبار للمرأة العربية، والتوقّف عن التعامل معها كسلعة جنسية، فهي في نهاية المطاف قوّة منتجة وكيان يستحقّ كلّ الحبّ والاحترام. وهذه هي الخطوة الأولى التي يجب المضيّ بها، إذا أردنا أن تصمت الأقلام المتمرّدة والساعية نحو تحسّس الطريق للخلاص من مجتمع ظالم! وإذا أردنا أن تصب المرأة طاقتها الإبداعية والإنتاجية لبناء مجتمع متكافئ وناجح. وفي هذا المقام يحضرني بعض ما قاله عنترة العبسيّ الذي قدّم أسمى آيات الحب والإخلاص لعبلة.
لنتعلّم معنى الحبّ من عنترة، وهو من أشهر الشعراء العرب في فترة ما قبل الإسلام.


هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ منْ مُتَـرَدَّمِ
أم هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بعدَ تَوَهُّـمِ
يَا دَارَ عَبْلـةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمِـي
وَعِمِّي صَبَاحاً دَارَ عبْلةَ واسلَمِي