كلّ هذا من أجل رجل!



خيري حمدان
2009 / 12 / 28


حاولت في مقالتي السابقة والتي تحمل عنوان "الأزواج الأربعة وأنسنة المجتمع" أن أتطرق للمفهوم الإنساني والعقلاني في دفاعي عن حقوق المرأة، لكنّي لم أجد تجاوبًا من الكتاب التقدميين فما بالك بالإسلاميين! يبدو بأنّ الكثير من القراء يبحثون عن التشويق والإثارة المفرطة. ونرى هذا واضحًا في التعليقات التي وردت في أسفل المقالات التي تناولت هذه القضية. فهناك من يكفّر الكاتبة، وهي بالمناسبة ليست الأولى التي تطرح هذه المسألة، فقد سبقتها توجان الفيصل في الأردن من قبل. وهناك من يعرض عليها أن يكون الزوج الثاني أو الثالث أو الخامس. وهذا يدلّ على الاستهتار بالطرح المدني، بل ويشوّه الصورة الجمالية للعلاقة ما بين الجنسين. هذه القضايا لا تهمّ أحدًا في الغرب أو في العوالم المتقدّمة بالمناسبة، فهناك أمور حياتية وعلمية تتصدّر اهتمامات الكتّاب، كظاهرة الانحباس الحراري والتصحّر ومستقبل الكرة الأرضية والنفايات النووية وغيرها من القضايا المستقبلية. بينما تقوم الدنيا ولا تقعد من أجل وجهة نظر أجدها غير ناضجة حتى، وتتعارض مع الغرائز البشرية. فتارة تطالب الكاتبة بعدّة أزواج، وتارة تفاجئنا بأنّها غير قادرة على إيجاد شخص واحد تحبّه وتقتنع به وتتواصل معه. ما يدلّ على أن السيدة نادين تعاني من خواء عاطفي، ولا بدّ أنّ هناك في هذا العالم العربي الذي تخاطبه من يقدر على إرضاء ميولها وعواطفها الجيّاشة. إلا إذا كانت تسعى نحو النجومية وقد توصلّت إليها عربيًّا، ويعود الفضل ليس لقلمها أساسًا، ولكن للأقلام المتطرفّة التي تعرف كيف تعوم في المياه العكرة. أنا لا أعرف أحدًا في القرية التي سكنتها يوما ما قد تزوّج من أكثر من امرأة واحدة! هناك استثناءات قليلة، وعانوا الأمرين نتيجة لهذا الخيار المجحف، وقد رأيت بأم عيني كيف يتحول المنزل الذي تدير مطبخه امرأتان إلى جحيم. طبعًا أتحدث عن مجتمع بلاد الشام تحديدًا.

هناك قضية أخرى أكثر إيلامًا من الجمع بين الزوجات، ألا وهي زواج البدل، وهو منتشر بكثرة في المجتمع القرويّ الفلسطيني، وغالبًا ما يتأتى عن هذا النمط من الزواج الكثير من المشاكل، لأن فشل أيّ منهما يعني بالضرورة فشل الزواج الآخر، كما أن خيارات كلا العائلتين محدودة للغاية.

مشكلة أخرى تتفاقم يومًا بعد يوم، وهي أهمّ بكثير من الطرح شديد الترف الذي نقرأه على صفحات الحوار المتمدّن، ألا وهو أميّة المرأة الشرقية. جهل المرأة يحرمها من الخيارات. يصعب على رجل ما أن يتزوج من امرأة أخرى إذا كانت زوجته مثقّفة وقادرة على الدفاع عن نفسها وحقوقها، بينما نقرأ في معظم المقالات المنشورة رغبة واضحة في أن يتّخذ الرجل القرار بمنع نفسه عن الجمع بين الزوجات. هذا وَهْم .. ولا أظنّ بأن هذا المطلب قادر على التطبيق تلقائيّا. وللعمل على خدمة أهداف المجتمع المدني الذي نسعى إليه، ولكي تحصل المرأة على حقوقها، لا بدّ من تقوية مكانتها في المجتمع لتصبح قادرة على فرض إرادتها، وإلا فستبقى تابعة للرجل، وبين الحين والآخر ستظهر مقالة هنا أو هناك لتفجّر الصمت ثم تطوى القضيّة ويستمر الحال على ما كان عليه سابقًا.

تثقيف المرأة وتعليمها وتخليصها من الجهالة والأميّة والاتّكالية هي الخطوة الأولى، ثمّ يتبع ذلك استقلال المرأة اقتصاديًا. إذا كانت المرأة قادرة على تحقيق دخل شهريّ يضمن لها حياة كريمة، عندها ستتمكن من فرض نفسها وحضورها في المجتمع وفي المنزل. وستفرض احترامها حين تتحمل جزءًا من ميزانية العائلة، عندها لن يجرؤ الرجل على التفكير بالزواج من أخرى لأنّ الزوجة ستكون قادرة على رفع الكرت الأحمر في وجهه.

أخيرًا يبقى البحث عن السعادة والحياة الهادئة ما بين الجنسين هدفًا لكلّ إنسان سويّ، لتتمكن العائلة من بناء جيلٍ سليم بعيدًا عن التعقيد والمشاكل الاجتماعية.