نادين البدير : وجاهلية البداوة



ثائر الناشف
2009 / 12 / 28

كان مخطئاً ابن خلدون عندما أدعى أن البداوة أصل الحضارة ، فقوله ذاك ، إذ يعني أن الجنس ( البداوة ) أصل الحضارة ، وما كانت الحضارات عبر التاريخ البشري تبنى بواسطة الجنس ، الذي إن ارتقى ، فلا يعدو كونه مجرد ثقافة في قاموس الشعوب المتحضرة .
قبل أن أدلف في عمق القضية التي أثارتها " نادين البدير" المنتمية تاريخاً إلى شبه جزيرة العرب ، استذكر ما قرأته ذات مرة في إحدى الكتب العربية ، التي تستعرض نظرة الصهاينة للعرب ، حيث يبدأ أحد المفكرين الصهاينة ، بتشخيص واقع العرب المرير ، مبتدءاً تشخيصه من الناحية الجنسية ، فيقول : العرب مهووسون جنسياً ، وكل مالهم وعقلهم ونفطهم في سبيل الجنس ، يهرولون شبقاً وراء شقراوات الغرب .
في الحقيقة أن إسرائيل ، نجحت في وضع يدها على جرح العرب النازف ، من دون أن يستطيع العرب أن يشخصوا داءهم ، ربما لأنهم مهووسون بالجنس حقاً ، ولأن ذلك عائد إلى طبيعتهم البدوية التي نظمت القوافي واستلت السيف واستنطقت الشعر في سبيل الجنس ، لا في أي سبيل أخر ، ولنا في الأساطير عبرة ، تبدأ من طبقة الفرسان ، كعنترة العبسي والزير سالم ، وصولاً إلى طبقة الصعاليك ، كعروة بن الورد ، لا بل أن الأدب العربي يتلخص كله حول المرأة قبل الإسلام .
لكن ماذا جرى اليوم في عصر الإسلام ؟ فلتاريخ الولاة والخلفاء عبرة ودرساً بليغاً ، توجه الخليفة العباسي هارون الرشيد ، الذي نكح من النساء ما عجز الرجال عن فعله في كل عصر وزمان .
فكل يوم يمضي ، وإسرائيل التي خصها القرآن في كثير من القصص ، تبعد أشواطاً وأشواط ، في كل مجالات العلم والفكر ، فيما العرب غارقون بملذاتهم وما يستثير غرائزهم وشهواتهم ، ويتمنى بعضهم لو عاد به الزمن ، إلى زمن العبيد والجواري ، وهنا مكمن الاختلاف العميق ، بين العرب كأمة منحطة أخلاقياً وفكرياً ، وبين إسرائيل الناهضة من ركام التاريخ وآلام الماضي ، الاختلاف بين عودة إسرائيل إلى التاريخ من باب القوة التحدي الذي اختطه داود وموسى ، وبين عودة العرب إلى زمن الملذات والشهوات الذي اختطه ثلة من الفرسان والصعاليك والولاة على حد سواء .
لكن مَن هم العرب ؟ هل عنت البدير ، العرب كل العرب ، أم أن للقضية وجوه أخرى ؟.
فإذا كانت تعني العرب جميعاً ، وهذا واضح من لهجة خطابها الثقافي والإعلامي ، فإن لبعض العرب حق تسجيل نقاط الاختلاف معها ، فليس كل العرب الآن ، هم عرب في حقيقة أصلهم الجيني ، وهذا ليس تشكيكاً في نظرية العروبة ، أما إذا كانت لديها مشكلة عاشتها ولمستها طويلاً في مجتمعها البدوي ، وأسلوب تعامله مع المرأة قبل الإسلام وبعده ، فلا ينبغي الحكم على المجتمعات الأخرى الناطقة بالعربية .
فمن قلب المجتمعات الآرامية سادت المرأة وتسيدت كالملكة زنوبيا ، ومن قلب المجتمعات الفرعونية ، ظهرت الملكة ايزيس واتبعتها كليوباترا ، ومن بين ضفتيهما ، أي من قلب المجتمعات الفينيقية – الكنعانية ، خضع ساحل المتوسط للإمبراطورة إليسا ، فمن حق البدير أن تسأل ، ماذا كان لدى مجتمعها في الماضي والحاضر ؟.
إن الانتهاكات العميقة التي لحقت بالمرأة العربية ، لم تكن في عصور الجاهلية ، قدر ما كانت في بداية عصر الإسلام ، وهنا تبرز مشكلة أخرى ، وعلى البدير حملها ثانية ، لأن الإسلام ، لم ينطلق من أرض الشام أو مصر ، بل انطلق من مسقط رأسها ، أي من جزيرة العرب ، ودليلنا على هذا الانتهاك ، هو رفض النساء جميعاً وبلا استثناء لسورة النساء ، التي تشرع تعدد الزوجات ، بحيث يعني رفض أي سورة ، رفضاً كاملاً لكل القرآن ، غير أن رفضها لتعدد الزوجات ، واستماتتها للدفاع عن المرأة ، ليس نابعاً في أساسه من صلب القرآن ، إنما من أسلوب الممارسة العائدة لعصور الجاهلية الأولى لأبناء جلدتها ، الذين لا تستطيع الانفصال عن ثقافتهم الجنسية مهما حاولت أو فعلت ، وحتى لو ظهرت على قنوات التلفزة الأميركية ، أو حملت الهوية الأميركية ، وما كتاباتها الأخيرة ، إلا تكسيراً وتحطيماً لمجاديف المركب ، الذي يركبه مجتمعها ، إن إسلامياً أو بدوياً ، وهو ذات المركب الذي ركبته باقي المجتمعات المعربة ، إن بفعل الإسلام ، أو بفعل العادات والطقوس .
ويبقى ثمة سؤال أخير ، ظل يراودني كثيراً ، وهو ، لماذا يحق لـ " العربي" الخليجي ( الذكر) سواء كان سعودياً أو قطرياً ، بالزواج من "عربية" ( أنثى ) سورية أو مصرية أو لبنانية ، ولا يحق لـ "العربي" الشامي أو المصري ، بالزواج من خليجية ، أليس في الأمر جاهلية متعصبة لبداوتها ولجنسها ، تنقض عرى الإسلام في أعمق جذوره ، وتعري حقيقة أننا عرب ؟.
http://thaaer-thaaeralnashef.blogspot.com/