خديجة والنقاب



حافظ سيف فاضل
2004 / 6 / 23

من عجائب ماكتب عن الحجاب والنقاب, فتاة تدعى (سلطانة فريمان) امريكية سوداء مسلمة رفعت دعوة قضائية في بلدها من اجل السماح لها بالتصوير منتقبة على رخصة القيادة, اي (بالمعنى الدارج للنقاب) مطموسة الشخصية والهوية لاتميز أكانت انس ام شبح انسي, ترى ما الحكمة من وضع صورة لاتبدي (سلطانة) الا العينين على رخصة القيادة؟. وفي فرنسا يبحث بعض العرب والمسلمون من الاقلية (الغير صامتة) عن حقوق لاتتناسب وعلمانية وثقافة البلد, ويصرون على ان الحجاب حق (ترفي) بعد ان كانوا يستجدون الهجرة والاقامات الدائمة ومعاناة الوقوف في طوابير السفارات الاجنبية او السفر خلسة على مراكب الموت المهددة بالغرق من اجل الوصول الى بلد (الجن والملائكة) والحصول على لقمة العيش وتنفس عبق الحرية التي حرموا منها في بلدانهم الاصلية تحت مبرر ومنطق غريب وهو انه يؤخذ على فرنسا الالتزام بما تدعيه من علمنة وحرية بينما لم تدعي الدول العربية والاسلامية تلك الحرية وبذلك لايؤخذ على هذه الدول مالم تدعيه. منطق عربي معوج يوحي بأعفاء المواطنين العرب من النضال والافصاح والتعبير عن ارائهم اضافة الى انه يعيقهم عن المطالبة بحريتهم لمبرر انه لم يتم الاعلان عن الحرية والعلمنة سلفا في هذه البلدان!!. بعض المدارس الاسلامية في اوروبا, مثل مدرسة (برانس بري بارك) الاسلامية في لندن والتي تفرض على العاملات والمدرسات بمن فيهن المسيحيات والتلميذات صغيرات السن على ارتداء الحجاب. ان اجراء الحيطة برر لفرنسا ان تمنع الرموز الدينية من مدارسها ومؤسسات الدولة لمنع الفتنة الدينية وحرمان اليمين المتطرف التابع (للمستر لوبان) من استغلال جو كهذا. ان الحرية في المفهوم العربي تختلف عنها في المفهوم الاوروبي, فالعربي يخلق للحرية انتكاسة و"تفصيل حسب الطلب", بينما الحرية لاتتجزاء في الغرب, فمن "تفصيل" الحرية في المفاهيم العربية والاسلامية, المطالبة بحرية ارتداء الحجاب في فرنسا, من غير تفهم دور الحكومة الفرنسية من جراء منع الحجاب وبقية الرموز الدينية في المدارس والتي تعتقد ان اغلب فتيات هذه المرحلة التعليمية بحكم صغر السن التكليفي مجبرات من قبل اسرهن وبعض جماعات التطرف الاسلامي المرهب في مجتمع (الجتو) الجالية العربية والاسلامية هناك وانحسار عدم الاندماج في المجتمع الفرنسي. ولكن هذه الحرية في هذه الجزئية بحد ذاتها والمطلوبة من فرنسا العلمانية تحقيقها, تفتقد وتصبح لاقيمة لها اذا كانت المرأة في اغلب الدول العربية والاسلامية ملزمة بارتداء الحجاب, اما على اساس القانون التشريعي او العرف الاجتماعي او من خلال التسلط الابوي وقلما يكون الامر اختياريا او طوعيا. لقد ادرك سيد طنطاوي شيخ الازهر مسألة الفتنة الداخلية كون فرنسا ارسلت وزير داخليتها لشرح مثل هذه الاسباب ووجهة نظر الحكومة منها, وبحنكة الطنطاوي المتفهم جعل الاشكالية شأن داخلي يخص فرنسا. تلقى الطنطاوي سيلا من الهجوم الكاسح كاد يخرجه من العقيدة وهو بفقهه شيخ الازهر, اٍلا ان الغرض المبطن من هذا الهجوم كان محاولة لسحب الشرعية من صرح الازهر وتحويلها الى (دبلن) او الى ماشابه لمراكز افتاء مصطنعة اسلامية اتخذت لنفسها مسميات مثل (عالمية) براقة. وكل ذلك قد طال شيخ الازهر وسبب له الاذيه, فكيف بحال السيدة خديجة السلامي المستشارة الاعلامية في سفارتنا في فرنسا المستنيرة, التي لم تعبر الا عن رأيها وصواب منطقها وحقها في ان تثور وتبدي امتعاضها من "الخيمة السوداء" او الشرشف (العثماني التركي الدخيل على الزي اليمني) هو بمثابة شطب لشخصية المرأة وكيأنها ولايعقل ان يقوم دين على الغاء شخصية انسان ويكرس اللون الاسود الحزين كهيئة قسرية يلف جسد المرأة بحكم المؤبد. والمسألة منطقية تخضع للعقل وليست بحاجة الى جهبذ في الافتاء او ملتحي (ذكر). على عكس ماطالبت به بعض الانتقادات في الصحف المحلية الموجهة لخديجة.
لقد كان الجن بطبيعته مخفيا عن انظار البشر فتساوت (المخلوقات الطينية) النسوية المتشحات بالسواد والمغامق الى درجة (المخلوقات النارية) في التخفي والغاء الشخصية واكرمها, لان اكرم مافي الانسان وجهه, فبدلا من مساواتها بالرجل تمت المساواة بالجان في بلدان ذات موروثات وتقاليد عجيبة. لقد صدقت خديجة السلامي في حديثها عن ديكورية المرأة للاحزاب السياسية اليمنية, ولكنها اغفلت سهوا من ان تحرير المرأة واشراكها الفعلي في المجتمع لايتأتى ثماره المرجوة الا حين تكون الدولة قائمة على هذا الاشراك وبشكل دائم وان يتضمن في برامجها السياسية وتمويلاتها المالية والاخذ بيد المتنورين في المجتمع للمساهمة في نشر وعي ان الانثى كالذكر. فدولة مثل المغرب لم تكن لتتمكن من تمرير مشروع (اشراك المرأة في المجتمع) الا بعد احداث جريمة الدار البيضاء الارهابية والتي بدورها اضعفت واخفضت صوت التيار الاسلامي في البرلمان والشارع الذي ظل يعاند ويتصدى لانجاح هذا المشروع تحت مسميات تأمرية مختلقة ممجوجة, ولكن ظل هدف الدولة المغربية هو تحقيق المشروع والحث عليه ودعمه بشتى السبل. وشبيه هذا لايزال يحدث في الاردن وقضايا جرائم الشرف التي لم تتمكن الدولة من التغلب على هذه المعضلة الى يومنا هذا. وكذلك الامر مشابه لدور البرلمان الكويتي في العمل الدائم على اقصاء النساء عن ممارسة حقوقهن الشرعية والانسانية في حق الترشيح والانتخاب.
كنت منتظرا (ترانزيت) في مطار (فرانكفورت) عائدا الى اليمن, ولفت نظري في المطار الضخم الذي يبدوا كمدينة مزدحمة والاضواء الساطعة المبهرة في الوسط الاوروبي, شاب عربي انيق المظهر بهيئة عصرية وتسريحة شعر مدهنة لامعة, كان متأبطا فتاة خليجية بالبرقع والعباءة السوداء كأنها الفارس المقنع (زورو) بجانبه وجمعت التضاد بينهما كالحضارة والبربرية, وقد كان جميع من مر بجانبيهما ينظر اليهما بسخرية وتعجب لحال المرأة العربية (الاسيرة- على الاقل هكذا يجول في خاطرهم) ويسمع همس ونبس خافت يشار اليهما بالبنان والغمزات. وشخصيا لا اعلم ان كانت تلك الفتاة الخليجية قد خيرت ان تبدو بهذه الهيئة وفي هذه البيئة المغايرة لمجتمعها, ولم يكن امر اجتماعي مفروض عليها.
مايحدث بشكل فردي ارتجالي في مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية في العاصمة صنعاء من قبل مجموعة نسوة عاملات (مشرشفات) محسوبات على وزارة الداخلية في قسم النساء لاستصدار جوازات السفر, بأنهن يعمدن الى عدم قبول طلبات بعض المواطنات المتقدمات بطلب استخراج جواز سفر بصورة من (دون حجاب) مع العلم ان القانون اليمني لايمنع, بل على العكس يشدد على بروز الاذنين ظاهرتين في الصورة وان تكون الخلفية بيضاء حسب المقاييس الدولية المطلوبة لاستصدار جوازات السفر, كما ان الصورة بغير حجاب تعمل على تهوين المتاعب ومعاناة التمييز في مطارات اوروبا وامريكا وبقية العالم الغير اسلامي, بعد طفح مستوى حالة الكراهية لكلما هو عربي واسلامي منذ احداث الحادي عشر من سبتمبر ومعززاً باحداث مدريد ونفور الرأي العالمي من حالة استخفاف المسلمين بعدم الاكتراث والتنديد والتظاهر العلني ضد مظاهر العنف وسفك الدم والارهاب التكفيري العابر للقارات.
ومن عجائب (هوس) فرض الحجاب, تشترط ايران لاستقبال وزيرات الخارجية او غيرها من المناصب الرفيعة السياسية للدول الاجنبية من النساء على ارتداء الحجاب عند الزيارت الرسمية ولم توضع هناك اي اعتبارات للاعراف السياسية والصفة الدوبلوماسية التي تحملها المرأة الوزيرة او صاحبة المنصب الرفيع والتي تعتبر ممثلة عن دولتها, كون منصبها السياسي يؤهلها لذلك وليس جنسها. وهناك غرابة اخرى هي منع ربطة العنق (الكرفتة) على الايرانيين او ظهورهم بها في وسائل الاعلام والسماح للبنطال والكوت او البذلة!!. وازداد الامر غرابة, عند قدوم فرق المساعدات الامريكية والغربية لمد يد العون لضحايا زلزال (بام) الرهيب, اجبرت العاملات والطبيبات على ارتداء الحجاب برغم هول الكارثة وضيق الوقت والسباق مع الزمن لانقاذ الضحايا, وكان لرجال (الباسيج) او حرس الثورة الايرانية دورا فاعلا في المراقبة لكي "لايفلت" الحجاب من على رؤوس المتطوعات الاجنبيات وملاحظة مدى عدم الاختلاط بالرجال, ولم يكن هناك من بد الا الترحم على ارواح (41) الف قتيل (سكهوا) شغلة التوفيق بين الرقابة الصارمة والانقاذ الجاري معا.
كان الظهور العلني لبعض النساء اللواتي اجتمعن في منتدى جدة الاقتصادي على صفحات الجرائد, والذي احدث ضيق في نفس مفتي عام المملكة, بسبب انهن ظهرن حاسرات الرأس ومختلطات مع المجتمعين, اوضح ان (قيمة) الحرية الشخصية حينها لم تكن حاضرة في ذهن سماحة المفتي التي شدد عليها وطلبها من فرنسا بثبات واصرار. لقد افادت الدكتورة ثرية العريض / مستشارة التخطيط في شركة ارامكو السعودية اكبر شركة للنفط في العالم / بانه كان يعد تعليم الفتاة في المجتمع محاربا ومرفوضا وتغلبت المرأة السعودية على هذا المفهوم المتحجر وتجاوزته, واعلنت التحدي: "بأن للريادة ضريبة, واٍننا كنساء سعوديات نتحداكم جميعا وعلى اتم استعداد لدفع هذه الضريبة".
خلاصة القول.. على جميع من يطلب العدالة الانسانية الشاملة, ان يقبل بتطبيق قيم الحرية كاملة دونما اجتزاء وان تترفع الدولة عن مراقبة سلوك الفرد الشخصي والتخلي عن التنميط في ملبسه ومطعمه ومشربه. وان تنتقل الى اهتمامات جوهرية عريضة, ساعية الى غرس مفاهيم الديموقراطية من الاسرة والمدرسة مرورا بالمجتمع وانتهاء بمؤسسات الدولة. كما ان هناك اهمية قصوى لاستحداث مادة تعليمية تعني بـ(حقوق الانسان) والمثابرة على احداث ثورة في الفكرالعربي والسماح بحرية التفكير والتعبير وبهذا يسير المجتمع والدولة على الطريق الصحيح.