علاقة المرأة والرجل وعدم الإقرار بالواقع



عبدالجليل الكناني
2010 / 1 / 12

من الأمور التي تثير الجدل ، في كثير من الأحيان ، هي قضية المساواة بين الرجل والمرأة أو في الحقيقة علاقة المرأة والرجل وما يشكله الرجل عموما من هيمنة على المجتمع والمفاهيم الاجتماعية ومع أن القضية تبدو شائكة إلا أنها ببساطة تنحصر بين قوسين ( عدم الإقرار بالواقع ) سواء أن كان الواقع نفسي أم فسيولوجي . وما يسمى في الغالب خيانة ليس سوى ميل غريزي منضبط ، ينحرف إلى التطبيق ، لدى البعض من الرجال والنساء , إلا أن أيا منهم لا يقر به وان مع نفسه . فليس من سبيل لدرء تبعات ذلك الميل و ترويضه سوى الفهم والتهذيب والتنازل من قبل الطرفين لضمان حقوق متبادلة .
قبل ما يقارب العشرين عام قال لي صديقي ( إن الرجل يقيد المرأة فيقوم بتقييد نفسه ) وقد كان ما يرمي إليه مبعثه استشعار معاناة أحادية الجانب ، معاناته هو وليست معاناة المرأة فقد كان عشقه للنساء يفوق قدرته النفسية على إظهار الاتزان في ذلك وان كان ظاهرا فقط مع انه شديد التهذيب ويميل إلى العقلانية . وبسبب ذلك العشق الذي تتناقض سبل الترويح عنه مع احترامه لذاته وتأدبه فقد رأى أن سبب عدم تلبية رغباته الجامحة هو تقييد الرجل للمرأة وبصفته الرجل فقد قيد نفسه أيضا. إلا أن مقولته أخذت لدي أبعادا أكثر وصرت اذكرها كلما ذكرت علاقة الرجل بالمرأة .
الغالبية العظمى من الرجال حتى المتزوجين ترى أن النساء كل النساء ، المتزوجات والعوانس والأرامل والمطلقات وحتى المراهقات والعجائز, من الممكن أو لعلهن يعشقنه أو غيره . إلا انه ينكر ويبرئ من ذلك العهر زوجته وأمه وأخته ، بسبب قدرة المرأة على إخفاء أية إشارة إلى مشاعرها أمام سادتها وحاكميها وتجاهلها بمهارة لتلك الأمور الخطرة التي تكلفها غاليا وتلك قدرة ربتها عليها سنين التسلط الرجولي حتى صارت تنتمي إلى غرائزها أو لغريزة البقاء بالذات فصارت المداهنة والتمويه والحذر قدرة دفاعية ضد تعنت وقسوة وتسلط الرجل . وكذا ترى المرأة حتى المتزوجة في الرجال ارجحية عشقهم لها او لغيرها إلا إنها لا تستثني أحدا حتى زوجها بحكم طبيعة الرجل الحرة . ذلك محض استنتاج نتيجة التفكير في مقولة صديقي وبتأملي لمعاناته التي عكستها بدوري أيضا على المرأة . وأمور أخرى نألفها في حياتنا اليومية . ففاجأته ، ذات يوم ، بالقول . ( أن في داخل كل رجل داعر وفي داخل كل امرأة عاهر ) . ومع استنكاره بتأدبه المعهود لمقولتي إلا انه أصغى إلي حين أضفت :- ولو أننا أقررنا بتلك النزعة ، والتي هي ليست شاذة إنما تكاد أن تكون غريزة ، وسمونا بها في العلاقة الثنائية الشرعية بين الرجل وزوجته أو حتى الرجل وحبيبته إن أمكن وأبيح لهما ، لتمكنا في الغالب من الحفاظ على مجتمع ملتزم ولم يبق سوى الشواذ .
ولعل تحقيق ذلك يتطلب قناعة وفهم ثنائي من الرجل والمرأة لا من الرجل فحسب . فمن الآراء السائدة منذ أمد بعيد لتبرير خيانة الرجل لزوجته هو أن الرجل يجد عند العاهرات ما لا يجده عند زوجته من جرأة وحرية في التعامل الجنسي كذلك امتلاك العاهرات للخبرة في الإغراء لتكتمل متعته التي لا يمكن لزوجته أن تلبيها . ذلك تبرير منطقي لو أننا أكملنا الصورة الواقعية ، وهي أن المرأة ، أيضا ، حينما لا تستطيع أن تتعامل مع زوجتها بحرية لإرضاء غرائزها فإنها من الطبيعي أن تميل لمعاشرة رجل داعر للوصول إلى ما ترغب فيه من كمال المتعة ، فما فرق المرأة عن الرجل في حاجاتها الجنسية ؟
إن تجاهل الرجل بصفته السيد المطلق في البيت لكون المرأة وبالذات زوجته هي صورة في المرآة له من حيث المشاعر والرغبات والنزعات والغرائز ، واستنكاره الشديد لان تكون كذلك ، خشية أن يفقد بعضا مما يملك وحفاظا على قدسية موهومة للعائلة والعلاقات العائلية كما يجب ، هو الذي جعله يتعامل معها بصيغ حاكمة فيها من القيد والحذر ما يقلقه هو ويبث في دواخله الشك والريبة ليزاد ضراوة وسطوة ، وكذا بالنسبة للمرأة التي ترى أن إظهارها لكل ما يعتمل في داخلها سيرسم لها في مخيلة زوجها صورة لامرأة عاهر تلك التي ، ربما ، بأحسن حال ، كان قد غازلها يوما ما ، وهو كذلك فعلا ، مما يفقدها احترامه لها وأهليتها لان تظل ، من وجهة نظره ، ربة عائلة مثالية مؤدبة ورزينة ! لذا فالقدسية واجبة في العلاقة بين الرجل وزوجته كما يريان . مع أن القدسية الحقيقية هي الإيمان الحق والواقعي الإيمان العميق والملهم والتأمل الذي يصل بالمرء إلى الغور في كوامن الذات واستبصار ما يعتمل فيها من حركة فاعلة ومنفعلة وتلبية للاستحقاقات الغريزية المتأصلة في غورها بكل حرية وتساوق واتساق حيث تتهاوى الحواجز ولا يبقى غير نقاء الطبيعة الإنسانية التي يفرضها واقع ما في الذات من حركة للحياة تنشد التجسد والتجلي والديمومة والرقي وتسمو بالإلهام لينهل كل من عطاء الآخر الثر المنعتق من قيد المفاهيم والإيحاءات الكابتة فتكون هي المتعة الحقة التي ينشدها الرجل التي تنشدها المرأة .
وهنا ينتهي جزء من الإشكالية ، والبقية تأتي أو لا تأتي .
واللبيب يجب أن يفهم .