نساء مثل تحف فنية معلقات على جدران الزواج



منى الطحاوي
2004 / 6 / 28

في بعض الاحيان، نجد أنفسنا مجبرين على فعل أو قول شيء أو التصرف بطريقة محددة. فالأمر يبدو وكأن صوتا داخلنا يحثنا ويدفعنا إلى فعل أشياء معينة. يرى البعض ذلك نابعا من الحدس أو البديهة، فيما يعتبره آخرون قدرا، ويصفه غيرهم بأنه العقل الباطن الذي يحاول ابلاغنا بشيء نسيناه. ربما نكون قد نسينا هذا الشيء، إما عن عمد أو أنه سقط من ذاكرتنا من دون قصد. وعلى أية حال، إننا ندرك السبب الذي يقودنا الى تلك التصرفات على نحو محدد، من خلال استعادة أحداث الماضي والتفكير فيها
هذا ما حدث لي الاسبوع الماضي، عندما كتبت لقرائي حول قصة طلاقي. فعادة ما أناقش مع نفسي قبل بضعة أيام من كتابة مقالي الاسبوعي، الموضوع الذي سأتناوله. وهذا ما حدث بالفعل إذ شعرت بضرورة أن اكتب حول قصة طلاقي

عندما خطرت لي هذه الفكرة للمرة الاولى، استبعدتها فورا، على اعتبار ان الكتابة عن الطلاق هي امر شخصي بحت، فقد اعتدت الكتابة حول القضايا السياسية الراهنة. وفي واقع الامر، شعرت بالقلق ازاء احتمال ان يكون كشف مثل هذه التفاصيل الشخصية، امرا غير مناسب. إلا ان افضل السبل لإيضاح نقطة او قضية ما احيانا، يتمثل في سرد التجربة الشخصية

ادركت في اليوم الذي نشر فيه مقالي السابق، السبب في ذلك الشعور الذي انتابني بالحاجة الى الكتابة في موضوع الطلاق، فقد صادف ذلك اليوم، 20 يونيو (حزيران)، الذكرى السنوية لزواجي

في اليوم الأول لنشر المقال، تلقيت العديد من الرسائل على بريدي الاليكتروني، وهي رسائل تعبر عن تعاطف وتأييد العديد من القراء، وأود هنا ان اتقدم اليهم جميعا بالشكر على لطفهم وتعاطفهم. فهذه الرسائل اعتبرها دليلا على ان ايراد التفاصيل والتجارب الشخصية، يعتبر في بعض الاحيان، افضل سبيل لإيجاد علاقة بين الكاتب وقرائه. هذه التفاصيل الشخصية تعكس آمالا وآلاما مشتركة
في مقالي لهذا الاسبوع أرغب في ان استعرض معكم قصة وصلتني من اخت خليجية كانت ضمن من استجبن لندائي وكتبن لي على عنوان بريدي الإلكتروني حول قصصهن، كفتيات عربيات في عالم اليوم، وطلبن مني ان اطرح هذه القضايا للنقاش مع القراء

طلبت مني الأخت الخليجية، التي سأكتفي بالإشارة اليها بحرف «ميم» ان اتناول قضية الفتيات غير المتزوجات، وطرح تجربتها كمثال
حصلت «م» على درجة جامعية في تخصص يتطلب اختلاطها بالرجال في مجال العمل. ولم توفق في العثور على زوج مناسب، فكل الذين تقدموا للزواج منها، رفضوا مسألة وجودها مع الرجال خلال العمل

وتقول ايضا، انها تشعر بأنها مقيدة بالقواعد التي تحكم الزواج، بما في ذلك التقليد الذي يقضي بأن تتزوج من احد اقربائها، أي من داخل الوسط العائلي. وقد كتبت تقول: «الاخت منى، صارت لدي عقدة من عدد حالات الطلاق التي رأيتها. شقيقتي الكبرى طلقت مرتين، والصغرى تعيش حياة تعيسة بسبب التفكير المتخلف لزوجها. كما ان كثيرات من صديقاتي يعانين من نفس التجربة»
وتقول «م» ايضا، انها كانت تفكر في البحث عن زوج عبر مواقع الزواج على شبكة الإنترنت. وكانت «الشرق الاوسط» قد نشرت الاسبوع الماضي، تقريرا حول استخدام المسلمين في الولايات المتحدة مثل هذه المواقع، كما نشرت صحف عربية تقريرا حول مواقع زواج عربية على الشبكة

تطرح قصة «م» نقاط هامة، تتعلق بحياة الكثير من النساء العربيات اليوم. ففي السعودية مثلا تبلغ نسبة الفتيات الجامعيات، 55% من مجمل عدد الملتحقات بالتعليم الجامعي، فقد شهد تعليم البنات، خلال السنوات السابقة، تحسنا سريعا في الدول العربية مقارنة بمناطق ودول اخرى، مما يعني ان هذا الجيل يعتبر الاكثر تعليما وتأهيلا. هل يقبل الرجال هذه الحقيقة؟ وهل هؤلاء الرجال على استعداد للزواج من فتيات متعلمات مثلهم، وربما يفقنهم تعليما؟

نشرت صحيفة «عرب نيوز»، دراسة اظهرت وجود 18 الف حالة طلاق في السعودية، من بين 60 الف زيجة العام الماضي. كما اشارت الدراسة ايضا، الى ان عدد النساء غير المتزوجات، يبلغ المليونين تقريبا، ومن المتوقع ان يرتفع العدد الى اربعة ملايين مع نهاية عام 2008. هذه الارقام تشير الى وجود مشكلة كبيرة عند المرأة السعودية تتعلق بقضية الزواج

أعود الى الاخت «م»، التي تفكر في اللجوء الى شبكة الإنترنت، شأن كثيرات غيرها، لتجاوز بعض العوائق الاجتماعية، والعثور على شريك حياة يناسبها، فالإنترنت غير
الكثير من الاشياء بلا شك، وكسر العديد من الحواجز

فعدد الاعضاء المسجلين في موقع «زواج دوت كوم»، بلغ نصف مليون تقريبا، فيما سجل في موقع «قران دوت كوم»، الذي انطلق في مارس (آذار) الماضي، ما يزيد على 400 الف عضو، 35 بالمائة منهم من النساء، كما يلتحق بالموقع يوميا، الف عضو من الرجال والنساء، من دول مثل باكستان ومصر والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة وبريطانيا والاردن والهند وسوريا

هناك ايضا موقع آخر باسم «نسيبك دوت كوم»، الذي تديره أم ياسر، التي كانت تعمل أصلا خاطبة، وها هي الآن تستخدم وسيلة تقنية حديثة ـ الإنترنت ـ لنشر مهارتها التقليدية القديمة

كل هذه المواقع تؤكد لأعضائها من الجنسين التزامها قواعد صارمة فيما يتعلق بالعضوية على الجميع احترامها، كما انها تجري مراجعة على نحو دوري منظم لتحاشي اساءة استخدام الموقع

ابلغتني الاخت «م» بأنها تشعر بالقلق ازاء العقبات التي ربما تواجهها، وطلبت مني ان اطلع القراء على قصتها حتى يدركوا ما تعاني منه الكثير من النساء في عدد كبير من البلاد العربية
لذا، ادعو القراء هذا الاسبوع لمناقشة القضايا الكثيرة التي طرحتها «م»

لماذا تضحي بطموحها في العمل، في نطاق المجال الذي تخصصت فيه وحصلت على مؤهل للعمل به؟ ولماذا ينبغي عليها ان تتخلى عن رغبتها في الالتحاق بمهنة اذا ارادت الزواج؟

اذا كان العالم العربي يعمل على تأهيل نسائه وفتياته بهذا المعدل الكبير غير المسبوق، فما الذي سيحدث لهؤلاء النساء عندما يتخرجن؟ هل يعلقن فقط على الجدران للزينة داخل بيت الزوجية؟ لن يكون هذا بالطبع، خيار العديد من الازواج، لأنهم سيحتاجون الى مرتبين لتأمين حياة مريحة

ويبقى السؤال قائما: «أين تلتقي كل من هؤلاء النساء شريك الحياة المناسب؟»


أدعو القراء إلى الرد على هذه الأسئلة التي طرحتها الأخت «م»