ديك ٌ حَسَن الصوْت



محمد أبوعبيد
2010 / 1 / 18

"الرجل مثل الديك الذي يظن أن الشمس لم تشرق إلا لتسمع صياحه" ، هذا القول تسلل إلى أحشائي منذ زمن فسكن بين كريّات دمي بِيضها وحُمْرها ، ويسري في داخلي سريان دمي في شراييني، لدلالته على حقيقة الرجل بمعناه الجُنوسي، وهنا الشرقي نظراً لشرقيتنا ، ونظرته إلى المرأة .
الديك المقصود هنا ليس الديك الحزين الذي كان مُلْكا وسْط عشر دجاجات لربابة (وهو الصحيح وليس رباب) جارية الشاعر بشار بن برد الذي قال فيها : ربابة ربة البيتِ ...تصُبّ الخل في الزيت ِ...لها عشر دجاجات...وديك حسن الصوت ِ ، إنما الصورة مقلوبة ، فهو الديك الذي يحسب أن الدجاجات العشر مع ربابة هن مُلكٌ له ، وهو المَلِك عليهن ، ويزعم أنهن خُلقِن من أجله وسُخّرن لخدمته ومتعته كما لو كنّ جواري َ عنده ، علاوة على سوء صوته من حيث المضمون لا الحِبال ، فلا مبالغة في ذلك ولا تأجيج.
إنّ تسليط الكلام على واقع " الأنثى" الشرقية في أكثر من مقال ومقام ، لا يمكن وصفه بالمستهلَك كما يدعي البعض خصوصاً من فئة الذكور ، وهم الذين يتعاموْن عن هذا الواقع شاهرين مباضع الجراحين في أياديهم لأجراء عمليات تجميل لحقيقتنا. الأدهى هو حين لا يكتفون بإنكار ما تعانيه "أنثانا" فلا يكفّون عن محاولة تبييض الصورة من خلال الادعاء بأن " الذكر" هو الذي يجب أن يناضل من أجل حقوقه ، وهو المضطهد والمعذَب على هذه الأرض ، وهو الذي يعاني ضرب وعنف "الإناث" له ، مع أن الجنس اللطيف ،إذا ضرب ، فضربُه خفيف لا عنيف .
معتنِقو مثل هذه الأفكار والحجج ، هم ببساطة مثل مَن ينظر من خلال ثقب الباب بينما الباب يشرع على مصراعيه ، فتصبح الرؤية أكثر وضوحاً وأوسع لمن يريد حقاً أن يرى . إن وحدة قياسهم لواقع "الأنثى" هي حالات فردية مثل تفضيل منح وظيفة ما لفتاة غير مؤهلة لكنها حسنة الصوت والوجه على "ذكَر" مؤهل أحق بها منها ، فتمسي هذه الحالة مقياساً عنده ينطبق على "إناث" الشرق قاطبة . ذلك لا يعني البتة أن الجميلة غير مؤهلة ، وأن الجمال والتأهيل خطّان متوازيان لا يتقاطعان .
مشكلة بعض "ذكور" الشرق أنهم يتخذون من حالات الاستثناء قواعد ، فقيام امرأة بضرب زوجها لا ينفي إطلاقا ً حقيقة أن بعض الزوجات هن اللائي يعانين عنف أزواجهن ويكابدن ضربهم لهن . وإن امرأة تقطن في مدينة الرفاه ، وتمتلك سيارة فارهة وتسافر في كل الدنيا، وتتحدث الإنجليزية أو الفرنسية على حساب العربية مجاراة للموضة ، ليست هي المسطرة التي نقيس من خلالها واقع النساء الأخريات في أصقاع الشرق خصوصا ً في الأرياف أو المدن التي تعيش حياة الريف .فالواقع الأنثوي الشرقي مترامي المساحات وليس مختزلا ً في حالات وجد الذكر فيها نفسه محروما ً مما حازته "الأنثى" ، والواقع "الذكوري" ليس الديك الحزين صاحب الصوت الحَسين الذي امتلكته ربابة جارية بشار بن برد.