الحجاب والجاز والنفاق الاجتماعى



خالد منتصر
2004 / 6 / 29

فى مسألة الحجاب أعتقد أن المناقشة الدينية أو السجال بالنصوص لا يكفيان، لأن هذا بمثابة نقل المباراة إلى ملعب الخصم، فعباءة النصوص فضفاضة وباعهم طويل فى التلاعب بهذه النصوص لصالحهم ناهيك عن التفسير الرجعى لهذه النصوص والذى سيطروا به على العقول التى أقنعت تماما بأن تفسيرهم للنص هو النص نفسه ، وهذا لا يعنى ترك ساحة النصوص لهم يفسرون على هواهم ويؤولون كما يحلو لهم ولكن مطلوب أيضاً وبشكل ملح توسيع ساحة النقاش وتعدد زوايا النظر إلى نفس الموضوع وإفساح المكان للعلوم الإنسانية لكى تمنح التحليل رحابة وعمقاً.
ولذلك سأحاول تحديد بعض المفاهيم المرتبطة بموضوع الحجاب، أولها مفهوم الزى ،ولنبدأ بتساؤل : هل الزى مجرد ستر لبدن الإنسان أو بمعنى آخر هل هو مجرد الامتداد الطبيعى لورقة التوت التى غطى بها الإنسان الأول جسده العارى ؟..
بالطبع لا، فالزى له وظيفة أخرى وهى التعبير ، إنه دلالة ومعنى أيضاً ، فهو حيناً يعبر عن مهنة (الضابط – الطبيب)، وحيناً يعبر عن مكانة اجتماعية (ماركة عالمية)، أو عن ظرف زمنى مؤقت (ملابس الحداد أو العرس)، أو حيناً آخر، وهذا ما يهمنا، يعبر عن اختلاف فيصبح صرخة احتجاج عبرت عن نفسها بالزى مثل القمصان البنية والزرقاء للنازية والفاشية فى الغرب أو مصر الفتاة والإخوان المسلمين فى الشرق ، فالمرتدى لهذه الملابس يقول أنا مختلف عنكم، وفى حالة الحجاب تقول المحجبة وتعلن للأخريات السافرات أنا مختلفة عنكن بل ويزيد اننى أشرف منكن !!
وهنا نأتى إلى المفهوم الثانى والمهم وهو مفهوم الشرف، فنحن حين نطلق على رجل صفة أنه غير شريف فمن الممكن أن يكون لصاً أو مرتشياً أو نصاباً، ولكننا حين نصف امرأة بأنها غير شريفة فنحن نقصد بالضرورة انها داعرة !! فمقياس الشرف الشرقى شديد المرونة" أول سايز" بالنسبة للرجال أما بالنسبة للمرأة فهو من الحجر الصوان..
ويصرخ أحدهم قائلاً : أخضعت مفهوم الزى والشرف للتحليل وقلت أنهما من الممكن أن يتغيرا فهل العورة أيضاً مفهوم متغير ؟!..
وأقول نعم، حتى مفهوم العورة مفهوم متغير حسب الزمان والمكان مثله مثل أى سلوك ، فما هو عورة فى الماضى ممكن جداً ألا يكون عورة فى الحاضر ، وما هو عورة فى الريف محتمل ألا يكون عورة فى المدينة، وما هو عورة فى المدينة لا يعتبر كذلك على البلاج، وهكذا .. حتى تغير الموقف ممكن أن يغير من مفهوم العورة، فمثلا كثيرا ما نشاهد امرأة بملاية لف تخرج ثديها لإرضاع طفلها فى أتوبيس عام بلا خجل ويستقبل الركاب هذا الأمر بلا فزع أو استنكار ولكن إذا حذفنا الرضاعة من الموقف دخلنا فى قضية آداب !!..
وهكذا فإن تحديد العورة بشكل مطلق خارج حدود الزمان والمكان والظروف عملية مستحيلة وضد أى منطق ، بدليل أننا حين نلقى نظرة على صور فوتوغرافية لنساء مصريات فى الستينيات مثلاً نجد أن الجسد لم يكن يعامل بمثل هذه الريبه والخوف والخجل والأهم أن موضوع الحجاب هذا لم يكن مثاراً اصلاً مع أن النصوص كانت موجودة فى بطون الكتب وأذهان الناس فهل نزلت الهداية علينا فجأة أم أنها أخلاقيات البدو وسلوكيات ما بعد الجاز التى تحتقر المرأة وتعاملها فقط كمصدر للمتعة وماكينة للتفريخ .
• وإذا كنا لا نستطيع ان نناقش مسألة الحجاب بمعزل عن المفاهيم السابقة المرتبطة به فإن مسألة الحجاب لا نستطيع ان ندرسها ونحللها بعيداً عن السياق الاجتماعى الذى ظهرت فيه قديماً وحديثاً .
لا نستطيع اولاً أن ندرس الحجاب بمعزل عن النظرة البدوية القديمة المحتقرة للمرأة والمهمشة لدورها فقمة الجبل التلجى هى أنها الدرة المصونة والجوهرة المكنونة وربة الصون والعفاف أما الجزء المختفى من الجبل فإحتقار ومهانة وذل، وبنظرة واحده على أدبيات السلفيين نستنتج عمق هذه النظرة الاستعبادية للمرأة وإليكم بعض ما يبثونه فى كتاباتهم مما يتعارض كلية مع ما نعرف من أخلاق النبى الرفيعة وتكريمه للمرأة وصراعه مع التقاليد البدوية المتحجرة :
• "الكلب والحمار والمرأة تقطع الصلاة اذا مرت أمام المؤمن فاصلة بينه وبين القبلة" البخارى جـ1 ص 99 .
• سوء الحظ يوجد فى أشياء ثلاثة البيت والمرأة والفرس "البخارى جـ 3 ص 243
• "لم اترك بعد اى سبب للفوضى أكثر شؤماً للرجل سوى النساء" البخارى جـ3 ص 243
ولضيق المساحة سأكتفى بهذا القدر ولكم الحكم ..
ولا نستطيع أيضاً أن ندرس ظاهرة الحجاب بمعزل عن السلوك البدوى وقتها وجلافته وغلظته والتى فرضت وقتها مثل هذا الزى ومنها السلوك

الذى عاملوا به النبى صلى الله عليه وسلم وقت زواجه بزينب بنت جحش وبما أن الشئ بالشئ يذكر، فسأذكر واقعة ذكرت فى شرح القرآن للنيسابورى، لكى تستحضروا الصورة وتلمسوا كم كانوا أجلافاً حتى على المصطفى عليه الصلاة والسلام .. والواقعة هى أن عيينة بن حصن وهو رئيس قبيلة كبيرة شاهد عائشة اثناء زيارته للنبى فقال له من هذه الجالسة الى جانبك؟ وعندما أعلمه النبى بأن هذه عائشة أم المؤمنين إقترح عليه المبادلة بأن يأخذ هو عائشة ويعطيه بدلاً منها إمرأة أجمل منها فرد عليه النبى بهدوء أن الله منع مثل هذه الممارسات بالنسبة للمسلمين .
وأترك هذه المرة أيضاً الحكم لكم، هل تغير الزمن ام لا ؟
• ولا نستطيع فى النهاية أن ندرس ظاهرة الحجاب بدون طرح هذه القضية التى يتصور السلفيون أنها مصدر إفحام للجميع ،وهى أن الحجاب نزل للحفاظ على كرامة المرأة والواقع أن نزول الحجاب ليست له أية علاقة بمسألة الكرامة هذه ،لأن الكرامة لا تتجزأ وإذا كان إظهار الشعر إهداراً للكرامة فبماذا نسمى إمتلاك الجوارى وممارسة الجنس مع ملك اليمين ؟ بماذا نسمى الرق الذى انتهى بقانون غربى علمانى سنة 1926 ،ورفضت السعودية التوقيع عليه حتى سنة 1962 ، هل هذه الممارسات ليست إهداراً للكرامة ومجرد ظهور خصلات الشعر هو قمة الإهدار؟! ولهذا السبب تحرك السلفيون بقوة لحمايتها من عيون الذئاب بدلا من تغيير فكر هؤلاء الذئاب وتحويلهم الى حملان !! ..
والتفسير الذى أستريح له والذى يحمى عندى الإسلام وصورته المشرقة، هو أن الحجاب وقتى كما كان نظام الرق وقتياً لا يمكن الغاؤه مرة واحدة لأن هذا سيهدد المجتمع الذى يعتمد عليهم اقتصادياً بالخراب . فالمسألة ليست مسألة كرامة لأن صفة العدل الالهية تمنع هذا الفصل وتمنع أيضا ان تكون الأولوية لتغطية الشعر وان يترك جسد الاماء نهباً لمن يملك مالاً أكثر".
وأخيراً أقول أن الحجاب مجرد إشارة لظاهرة أعمق، وهى النفاق الاجتماعى الذى نعيش فيه إلى النخاع، فالمهم عندنا دائماً هو المظهر وليس الجوهر لدرجة أننا اصبحنا كصاحب البقالة الذى يعرض الطعام فى فاترينه ثلاجه انيقة .. الطعام مرصوص جيداً ومغلف بعناية لحفظه من الذباب، أما زجاج الفاترينة فلامع ومصقول ولكن التاجر للأسف نسى أن يضع الفيشة

لتوصيل الكهرباء !!
أظنكم توافقوننى على أن العفن هو المصير ..
--------------------------------------------