سامحها يا أبو هشام



نارت اسماعيل
2010 / 2 / 7

توفيت منذ مدة قريبة سيدة تقربني وأعرفها جيدآ، كانت إنسانة فاضلة رائعة، إبتسامتها لا تفارقها حتى في أحلك الظروف والمرض، كانت معروفة بين الناس بلطفها وأخلاقها العالية وتفانيها لزوجها وأولادها
زوجها المسكين هدّه الحزن على فراق رفيقة دربه
بعد الجنازة وأثناء أيام التعزية كان زوجها يتلقى التعازي ومن حين إلى آخر كان يأتيه أحدهم ويذكّره بصوت عال يسمعه كل الناس: سامحها يا أبو هشام، من الضروري أن تسامحها
كان المسكين ينتفض في كل مرة وكنت أشعر بغضبه المكبوت وكأنه يريد أن يقول لهم: وعلى ماذا أسامحها يا أغبياء؟ من منكم لم يعرف أم هشام وأخلاق أم هشام؟ ولكنه سرعان ما كان يعود ليطأطئ رأسه حزنآ وغمآ دون أن يقول شيئآ
في إحدى المرات وكنت قريبآ منه لم يستطع تحمل استفزاز هذه الجملة فتمتم بصوت منخفض خشية أن يسمعه أحد: وعلى ماذا أسامحها؟!
كم كنت حانقآ وأنا أسمع هذه الجملة، كان غضبي كبيرآ لأنني كنت أشعر أن هؤلاء الناس يضعون في الميزان كل فضائل وحسنات وتاريخ هذه المرأة مقابل أية هفوة صغيرة يمكن أن تكون قد ارتكبتها بحق زوجها، كنت غاضبآ لأنهم ومن أجل مفاهيمهم الدينية المتخلفة يتجردون من كل ذوق واحساس واحترام تجاه فقيدة كانت إنسانة رائعة محترمة، يختزلون المرأة إلى كائن ليس له قيمة، مجرد تابع لزوجها لايمكنها أن ترتكب أية هفوة بحقه مهما كانت صغيرة ولن تدخل الجنة مهما كانت رائعة متفانية إلا بجواز سفر من زوجها
ما أقبح أسلوب التعزية عند بعض الناس، فبدلآ من أن يذكروا مناقبها وفضائلها، يطلبون من زوجها أن يسامحها وكأنهم يفترضون سلفآ بأنها كانت مخطئة في حياتها، وهم يطلبون منه أن يسامحها تحديدآ على أخطاء يمكن أن تكون قد ارتكبتها بحقه هو وليس أية أخطاء أخرى تجاه أناس آخرين أو حتى تجاه أولادها أو جيرانها أو أقربائها، هم لايسألون أي واحد من هؤلاء أن يسامحها، فكل الأخطاء تهون إلا أن تكون مقصرة بتلبية رغبات زوجها
في الإسلام المرأة عندها ربّان، رب في السّماء وهو الله ، وربّ على الأرض وهو زوجها، أما الرجل فعنده ربّ واحد
"لو كنت آمرآ أحدآ أن يسجد لغير الله، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها، ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه" رواه الترمذي عن أبي هريرة
"إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها، لعنتها الملائكة حتى ترجع".حديث ثابت في الصحيحين
"إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح " رواه البخاري
هذه أمثلة قليلة فقط من( النصوص المقدسة) حول واجبات الزوجة تجاه زوجها وهي لاتدخل الجنة إذا كان زوجها غاضبآ منها، لذلك من الضروري أن يسامحها على أية هفوة قامت بها في حياتها تجاهه
حضرت مجالس عزاء كثيرة ولم أسمع أحدآ يتقدم إلى الزوجة التي توفي زوجها ليقول لها: سامحيه يافلانة ، من الضروري أن تسامحيه.
فالرجل لا يحتاج إلى غفرانها فهو عنده ربّ واحد يستطيع أن يتفاهم معه وباب المغفرة واسع، أما المرأة فباب المغفرة عندها مغلق بوجهها عندما يتعلق الأمر بحقوق زوجها التي لا نهاية لها وهي لن تدخل الجنة إذا لم يسامحها زوجها
لم أكن أسمع جملة ( سامحها يا فلان) كثيرآ في السابق أثناء التعازي وخاصة في مجتمعنا الشركسي ، ولكنها أصبحت الآن شائعة، وكم يؤلمنني أن أرى غيوم الوهابية القاتمة وهي تصل إلى مجتمعنا المتسامح
كم يحز بنفسي أن أرى القبح والتخلف يتغلغل مثل السرطان بالجسد الجميل