جمع النفايات مهنة النساء والأطفال



بشرى جبار غلام
2010 / 2 / 8

منذ ساعات الفجر الأولى في بغداد ينطلق الكثير من الأطفال والمراهقين بحثاً عن النفايات وهم بعيدون عن كتبهم ومدارسهم تشاركهم مئات النساء اللواتي تكفلن بمسؤولية العيش لأولادهن بعد أن فقدن أزواجهن بسبب الحروب والعمليات الأرهابية التي شهدها العراق.
حسن 16 سنة يقول: أخرج فجر كل يوم بحثاً عن الرزق فأنا المعيل الوحيد لامي وأخوتي الصغار بعد أن فقدت والدي في إنفجار سيارة مفخخة في تموز من العام الماضي، فبدأت العمل على تجميع مخلفات القناني الفارغة والبلاستك وهو عمل شاق جداً وليس بالعمل السهل كما يتصوره البعض, فنجمع كل كيلو من هذه النفايات مقابل 1000 دينار فقط، وهو أيضاً لا يخلو من الخطورة، فقد تعرض الكثير من أصدقائي الى إنفجار العبوات التي يضعها المخربون في الصباح الباكر أو بالليل فبعد أن نجمع القناني نذهب الى المعمل لبيعها بأسعار زهيدة جداً , فعمل يوم شاق في جمع النفايات قد لايكفي مصرف يوم واحد .
داود 14 سنة قال: تركت المدرسة بعد أن تعرض أبي الى مرض أقعده عن الحركة، بحثت عن أي عمل فلم أجد غير جمع النفايات كي أستطيع ان أسهم في لقمة العيش لي ولعائلتي فالمسؤولية الملقاة على عاتقي مع أخوي لا تتطلب مني أن أفكر واقرر وأنتظر فأن عائلتي تحتاجني، وهذا العمل يؤثر صحياً أم لا يؤثر؟ هذا لا يهمني بقدر ما أفكر بأن أحمل الطعام الى عائلتي عند العودة للبيت ولكي لا نمد أيدينا للغير.
أما ميسون 22 سنة قصتها لا تخلف كثيراً عن حسن وداود فهي أبنة لأبوين مطلقين وتعيش مع أمها في دار مهجورة وسط خرابة بمعسكر الرشيد , وهي تتجول قرب المحال وفي الأسواق لتجمع القناني الزجاجية والبلاستك، قالت وهي تبكي : أني خائفة من المجهول ولا أستطيع أن أترك هذا العمل من أجل لقمة العيش رغم نظرات الاحتقار في عيون الاخرين لي ، لذا استخدم اللثام فلا تظهر إلا عيوني .
أم منذر وعمرها 55 سنة قالت: الفقر أولاً وأخيراً هو الذي يسبب لنا هذه المذلة هو ايضا الذي يجعلنا نعمل بهذا العمل الخطير على صحتنا وحياتنا ففي اعمال العنف صارت النفايات مكانا مناسبا لزرع العبوات الناسفة وقتل فيها وجرح العديد ممن يعمل في جمع النفايات من النساء والاطفال .
أما السائق أبو فلاح هو أحد سائقي السيارات الخاصة بنقل النفايات الى المكابس الخاصة فيقول : إن هذه المهنة معروفة في المجتمع، العاملون فيها من النساء والاطفال الذين يسعون لتغطية نفقات عائلاتهم ومعظمهم يعيش في مناطق تعاني من الأهمال، وقد فرضت هذه المهنة عليهم بأن يعملون بعيداً عن مناطق سكناهم وأن يعملوا بشكل سري ولا يحاول العاملون بهذه المهنة الكشف أو إظهار أنفسهم بسبب النظرة الدونية من المجتمع لهم علما انهم لايسرقون أحداً او يسلبون حق احد بل يعملون في مهنة فيها خطر كبيرعلى صحتهم ، فمن خلال عملي في نقل النفايات وجدت أن أغلبهم يعاني من صعوبة في التنفس والسعال ووجوهم شاحبة جدا .
أياد 24 سنة أحد العاملين بجمع النفايات يقول : بسبب كثرة العاملين وتزايدهم أصبح هناك تنافس كبير فيما بيننا , اذ نقوم بالتسابق الى الأماكن الكثيرة النفايات بغية الحصول على كميات كبيرة لنبيعها مما يشكل لنا دخلاً بسيطاً وقد تظهر في بعض الأحيان مزايدات على هذه القمامة التي تنقلها السيارات وهذه تتم بين المكلفين على رفعها، وأصحاب المعامل أو المستفيدين من هذه النفايات حيث تباع حمولة السيارة لليوم الواحد بمبلغ ثلاثين الف دينار عراقي .
ولو قارنا هذا الحال عندنا وذهبنا الى العاصمة البرازيلية حيث يعمل وفق شروط صحية وقانونية أكثر من 20 الف عامل في جمع الملايين من القناني الغازية واعادة تصنيعها وتعبئتها مرة اخرى وفي العراق تلاقي مهنة جمع النفايات من القناني الغازية وقطع البلاستك منافسة عالية بين عامليها وليس هناك تخطيط له او شروط صحية.
جمع النفايات في العراق مهنة النساء والاطفال من الفقراء الذين يبحثون في القمامة عن كل ما يمكن إعادة تصنيعه وبيعه غير مدركين لما يمكن أن يصيبهم من جراء ذلك، فأمراض البكتريا والفيروس تنتقل بسهولة من مخلفات المستشفيات والمصانع القمامات التي في الشوارع والتي تنقلها الى أجسامهم، مما يؤدى الى ارتفاع الأصابة بأمراض التلوث ، فطبقا لقوانين الامم المتحدة لحقوق الانسان يعد عمل المراة في جمع النفايات بدون شروط صحية يعد انتهاكا لحقوق الانسان اما عمالة الاطفال في جمع النفايات يعد انتهاك خطيرا لحقوق الطفل المتفق عليها عالميا لخطورتها على صحة الطفل .