أخلاقية المرأة من يفرضها ؟



ناهده محمد علي
2010 / 2 / 10

إن الأخلاق العامة هي محصلة لسلسلة طويلة من ثقافة المجتمع وتراثه الحضاري وبضمنه الديني عبر القرون , والذوق العام ومستوى التعليم في هذا المجتمع , وكجزء مهم من أخلاقية أي مجتمع تأتي أخلاقية المرأة وأسلوب فهمها وتعاملها مع القيَّم الإجتماعية والإنسانية ثم تعاملها مع النصف الآخر من المجتمع وهو النصف الذكوري .
أن الأخلاق العامة نسبية , فما يصلح لمجتمع لا يصلح لمجتمع آخر , وما يصلح لهذا القرن من الزمن لا يصلح لقرن قبله أو بعده , ولذا فإن المرأة تتلبس اللبوس الحضاري لأي مكان وزمان , وإذا كان الذوق والقيَّم العامة لأي مجتمع تدعو الى المحافظة والتستر في الملابس والعلاقات الإجتماعية بين الرجال والنساء ودقة إختيار الألفاظ من قِبل المرأة وعدم ظهور النساء المحافظات في أماكن التسلية الغير بريئة , وإختيار مهن محددة لعمل المرأة , فإن المرأة لا تستطيع في هذه الحالة أن تخالف الذوق والقيَّم العامة وإلا تعتبر شذوذاً عن القاعدة وتُعاقب من قِبل المجتمع بأشكال مختلفة من العقاب , ففي العهود الماضية كان أُسلوب الرجم وأنواع مختلفة من القهر الجسدي , ثم تطور هذا الى اسلوب المقاطعة والنبذ من قِبل المجتمع , وقد إستمرت بعض المجتمعات بإستخدام القهر الجسدي وصولاً الى القتل كالمجتمع العربي , ومع هذا فإننا نجد ان البعض من النساء يتجه عكس القواعد العامة في كل المجتمعات , وشيئأ فشيئاً يصبح هؤلاء النساء هن القاعدة مع الثورة التكنولوجية والتي جعلت المجتمعات أكثر تساهلاً في تطبيق القيَّم ثم خلقت ثقافة جديدة تتفق مع هذه الثورة التكنولوجية , ووضعت قيماً جديدة لم تضع للمرأة خطوطاً حمراء بل أصبحت المسألة مسألة ذاتية وفردية بحته , وكل القيَّم القديمة والحديثة مطروحة في السوق وعلى الفرد أن يشتري ما يناسبه منه .
لقد بقيت قيَّم العلاقة ما بين الرجل والمرأة هي القيَّم الوحيدة التي توضع لها الخطوط الحمراء من قِبل مؤسسة العائلة في المجتمعات المتحضرة والمتخلفة أو النامية ومنها المجتمع العربي , لكنها تختلف ايضاً ما بين عائلة وأخرى في المكان الواحد , ولو نظرنا بجدية لوجدنا أن مؤسسة العائلة تخشى على نفسها من التفكك والإنحلال أو الإنهيار أو التلوث , وهناك الكثير من الأطفال في العالم والذين هم خارج مؤسسة الزواج , وهناك الكثير من الشباب الذين تمردوا على قوانين الزواج وأصبح القرار فردياً بحتاً بعد أن كان إجتماعياً , فزواج الكنيسة مثلاً مثله مثل الزواج في المجتمع العربي هو قرار عام ويؤخذ به رأي الآخرين مثل رجل الدين والعائلة والأقارب أحياناً , إلا أنه شيئاً فشيئاً أصبح قراراً فردياً مع أخذ الرأي العام والذي هو رأي رجل الدين والعائلة بنظر الإعتبار , ولا زال هذا يحدث في المجتمعات الشرقية .
ثم اصبح في المجتمعات الغربية شيئاً فشيئاً قراراً فرديا ولا تُعطى الأهمية نفسها للرأي العام , وبعد هذا أصبح قراراً فردياً بحتاً بدون موافقة الرأي العام , وقد إنتقد المجتمع الغربي في البداية هذا الزواج ثم خضع للأمر الواقع ثم أُجبرت البرلمانات على الموافقة على كل أنواع الزواج الحر وبضمنها ( الزواج المثلي ) .
إن المجتمعات بقيت تراقب المرأة دائماً وتدينها على الأخطاء بالقيّم الأخلاقية لكونها الحلقة الأضعف في الإرتباط بينها وبين الرجل ولكونها المنتجة للأطفال , وقد تدفع المرأة لوحدها ثمن هذه الأخطاء , فقد لاحظت أن الكثير من النساء الشابات ومنهن الطالبات في الدول الغربية تجد نفسها فجأة أُماً مسؤولة عن تربية أكثر من طفل مُنتج من الزواج الحر , وتبقى مسؤولة عن هؤلاء الأطفال مادياً وإجتماعياً , وقد يتحمل الرجل المسؤولية معها أو لا يتحملها .
إن المجتمعات المحافظة تجبر المرأة بشكل أو بآخر على التستر بلباس القيّم المحافظة لكن إتساع نطاق دائرة المعلومات جعل المرأة تطمح بأن تكون مثل شقيقتها الغربية أي أن تُعطى مثل ما يُعطى للرجل من حقوق , ولا يخفى أن المجتمعات المحافظة تغفر للرجل زلاته لكنها لا تغفر للمرأة والذي يحصل أن هذه المرأة تعيش ما بين هوة سحيقة تفصل ما بينها وبين واقعها وأحلامها , فهي مثلاً تحلم بتقليد المرأة الغربية في سلوكها وأن يكون لديها أصدقاء من الذكور والإناث معاً تجلس معهم في الأماكن العامة وتسافر معهم وتتزوج بدون موافقة أحد لكن الرأي العام يقوم بمراقبتها ومراقبة ملابسها وطريقة كلامها وضحكها وهي تفاضل ما بين الأحلام المطلقة وبين إحترام المجتمع لها وكثيراً ما ترجح كفة رغبتها في إحترام المجتمع , أما المرأة الغربية فإن قيمة الإحترام الإجتماعي أصبحت لها معاني مختلفة عن ذي قبل فهي لا تعني أكثر من أن تكون مواطناً صالحاً ( لا تسرق ولا تقتل ولا تقوم بالإساءة لأحد وأن تدفع الضرائب بشكل دائم ) . أما كيف تلبس أو تتحدث ومن ستتزوج وأين ستنام الليلة فلا يعني أحداً سواك .
إن الإزدواجية التي تعيشها المرأة العربية تؤكد على أن هذه المرأة المتمسكة بالقيّم القديمة تطمح الى تغييرها ويبقى السؤال هنا ما هي القيّم التي تحتاج الى التغيير ؟ هل هو كم الحرية الجنسية المعطاة للمرأة ؟ , أم الحرية الثقافية والإبداعية ؟ , أم القيّم التي تحمي المرأة والطفل من الطغيان الذكوري ؟ , أم حماية المرأة وأطفالها من العسف العُنفي والمجتمعي أو ما يسمى بالعُنف المنظم من قِبل المجتمع ؟ .
أعتقد أن ما يهم المرأة في العالم الغير متحضر هو كم من الحقوق ستعطى لها ولطفلها , وكم من الأموال ستُنفق لتحريك التقدم الإجتماعي والذي سيعطي المزيد من الحريات الإيجابية وأُسميها الإيجابية لأنها ستزيد من عدد النساء المثقفات والمبدعات وتقلل من نسب قتل المرأة غسلاً للعار بسبب سيادة العُرف الإجتماعي والذي يجب أن يُعالج لرفع المستوى العلمي والثقافي للمرأة وتصليب شخصيتها كي لا تصبح ضحية سهلة , أما القيّم الجديدة فأعتقد أن الحداثة في كل مجتمع ستجلب معها الحداثة في القيّم ولا تنفع هنا القفزات الإجتماعية , ففي القيّم الإجتماعية لا تتحكم القفزات ولا تنجح لأنها تحتاج الى وقت طويل لكي تصبح منطقية ولكي يصدقها المجتمع ويعمل بها بعد التحديث الأساسي في القاعدة المادية والبنى التحتية , هذا وإلا ستكون هذه القفزات سكينة تُطعن بها المرأة بلا رحمة .