عايدة توما-سليمان: علينا تفكيك الخطاب المرتبط بمفهوم الشرف وتضمينه بعدًا إنسانيًا



رجا زعاترة
2010 / 2 / 11


مدير جمعية نساء ضد العنف وعضو سكرتارية لجنة المتابعة العليا عن الجبهة، في حوار خاص مع "الاتحاد":
عايدة توما-سليمان: علينا تفكيك الخطاب المرتبط بمفهوم الشرف
* تطوّر خطاب جماهيرنا الحقوقي يضع الجميع أمام حتمية عدم استمرار الازدواجية في المعايير

* ما يقف وراء هذه الجرائم فعلا هو موروث ثقافي ذكوري يشكّل لدى الرجال مفهوم ملكية على المرأة في حياتهن جسدًا وروحًا

* تحمّل المسؤولية الجماعية والمجتمعية يؤدي إلى إحداث التغيير المجتمعي وتغلغله إلى وعي الأفراد والجماعات

* نعتز بأن هذه الراية والقضية التي طالما حملناها وحدنا تقريبًا أصبحت همًا مشتركًا لشرائح واسعة من المجتمع *



تجري يوم السبت 6 شباط 2010 في مدينة الناصرة مظاهرة قطرية بدعوة من عشرات الهيئات السياسية والأهلية، وبدعم من لجنة المتابعة العليا والغالبية الساحقة من الأحزاب الحركات السياسية على ساحة الجماهير العربية، ضد ظاهرة قتل النساء، والتي حصدت أرواح 117 فتاة وامرأة عربية في ربع القرن الأخير.
وأجمع الداعون على ضرورة العمل الجدي والفعلي لمناهضة ظاهرة قتل النساء في المجتمع العربي الفلسطيني في البلاد ومكافحة جميع أشكال العنف ضد المرأة. واعتبروا تحمّل المسؤولية المجتمعية بمثابة "خطوة أولى نحو التّغيير المنشود من أجل مجتمع تسوده المساواة ويحافظ على حقوق أفراده؛ نساءً، رجالاً، أطفالاً وطفلات ويضمن حقّهم وحقّهنّ في حياة كريمة".
وكان لنا الحوار التالي مع عايدة توما-سليمان، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي ومندوبة الجبهة في لجنة المتابعة العليا، ومديرة جمعية "نساء ضد العنف"، صاحبة الباع الجماهيري والمهني الطويل في النضال ضد تعنيف النساء عمومًا وجرائم قتل النساء بذريعة ما يسمى بـ "شرف العائلة".


لماذا هذه المظاهرة وكيف تبلورت هذه المبادرة؟

كما تعلمون كنا في جمعية نساء ضد العنف قد نظمنا حملة كبيرة حول موضوع قتل النساء في التاسع من تشرين الثاني-نوفمبر الماضي، لشعورنا بأن هذه لجريمة المتدحرجة بدأت تأخذ أبعادًا غير مسبوقة في السنوات الأخيرة. وللأسف وقعت جرائم قتل جديدة بعد ذلك، مما حدا بنا إلى التفكير بضرورة تصعيد النضال، فبادرت الجمعية ودعت إلى اجتماع تشاوري لمجموعة واسعة من الأطر الاجتماعية والمنظمات النسوية. ولقد تبنى الاجتماع فكرة المظاهرة ومنذ تلك اللحظة أصبحت الجهود الجماعية لجميع المشاركين والمشاركات تتجه إلى إطلاق هذه الصرخة المجتمعية الرافضة لقتل النساء.


هناك انطباع بأن الموضوع يتخذ زخمًا أكبر وأوسع من قبل.. لماذا؟

إننا في الحركة النسوية وفي نساء ضد العنف نعتز بأن هذه الراية والقضية التي طالما حملناها وحدنا تقريبًا أصبحت همًا مشتركًا لشرائح واسعة من المجتمع. وأعتقد أن حوادث القتل الأخيرة والتي هزت مجتمعنا من الأعماق والعمل الدؤوب على مدى سنوات في تسليط الضوء على هذه الجرائم ساهمت في هذا الالتفاف الواسع حول الدعوة للمظاهرة. كما أنّ تطوّر الخطاب الحقوقي لدى جماهيرنا العربية الفلسطينية يضع الجميع أمام حتمية عدم استمرار الازدواجية في المعايير التي تعاطي فيها مجتمعنا وللأسف ما زال أحيانًا مع قضايا قتل النساء وقضايا أخرى متعلقة بحقوقهن.


لوحظ امتناع الشق الشمالي للحركة الإسلامية عن الانضمام للمبادرة.. وأوساط داخل الحركة تدّعي أن تحفظها ليس على موضوع المظاهرة بل على الحركات المبادِرة إليها. ما تعقيبك؟

في الحقيقة وبقدر ما لديّ من معلومات لم يصلني هذا التحفظ الذي ذكرته. أعتقد أن الدعم الكبير الذي تلاقيه هذه المظاهرة والدعوة التي تكاد تخلق إجماعًا عزّ نظيره، ربما شابهه في الماضي القريب موضوع تمثيل النساء في لجنة المتابعة. ومن يبقى خارج هذا الإجماع أيًا كانت تبريراته عليه أن يفحص الأمر مع نفسه. نحن من طرفنا كجمعيات وناشطات نسويات نعتقد أن الموقف هو الذي يجمعنا والمبدأ الواضح الرافض لأي من جرائم القتل هو القاسم المشترك لنا في المظاهرة ولا يعني بأي حال من الأحوال أن جميع الأطراف المشاركة قد ألغت نقاشاتها واختلافاتها وخلافاتها الفكرية والسياسية.


تعرّضت الحركة النسوية والمؤسسات النسوية العربية في السنوات الأخيرة لنقد عنيف وأحيانًا اتهامات بتنفيذ أجندات غربية. هل يؤثر هذا على تعاطيكم مع قضايا حسّاسة وخارج حدود الإجماع أو السائد؟

كان هذا ليؤثر علينا لو أنه كلمة صدق يراد بها مصلحة مجتمعنا ونسائنا، لكنها كلمة باطل يراد بها باطل. لقد نبعت نضالاتنا دومًا من الالتصاق بهموم النساء أولا ومن رؤية فكرية سياسية واجتماعية واقتصادية تحلل واقعنا وتتفاعل معه، بدليل أن ما طرحناه قبل أعوام أصبح اليوم يمثل توجهًا عامًا لدى الغالبية، حتى ولو من باب فهم الموقف السياسي والاجتماعي الصحيح والرغبة بتسجيله.


ما هي أبرز المحطات في مسيرة النضال ضد ظاهرة قتل النساء؟

لقد نجحنا في جمعية نساء ضد العنف في رصد 117 حالة قتل لنساء منذ العام 1986. وطبعا لا بد أن يكون قد فاتنا تسجيل بعض الأسماء، إما بسبب عدم توفر المعلومات أو عدم النشر. بالإضافة إلى أنه وللأسف هناك حالت اختفاء لنساء وفتيات من مجتمعنا لا نعلم حتى يومنا هذا ما حلّ بهن.
حين بدأنا العمل في العام 1993 ضد هذه الجرائم كان من المتبع تسميتها القتل على خلفية شرف العائلة وكان النجاح الأول لنا حين نجحنا بإدخال مصطلح " ما يسمى" في محاولة لنزع الشرعية عن المصطلح وعن المفهوم ذاته.
في مرحلة لاحقة قمنا وبقرار خضنا خلاله نقاشات فكرية في حينه في ائتلاف البديل، بترسيخ استعمال مصطلح جرائم الشرف في محاولة لتوضيح العلاقة بين ما اتبع على تسميه الشرف وبين مصطلح الجريمة كونه يشمل أيضا كل الجرائم التي ترتكب باسم الشرف ضد النساء وقد لا تصل دائمًا إلى القتل.
اليوم وحين نؤكد على مصطلح جرائم قتل النساء نؤكد أن استنكار جريمة القتل وحدها لم يعد كافيا اليوم، وإنما علينا تفكيك الخطاب المرتبط بمفهوم الشرف في مجتمعنا وليس بهدف إلغائه وإنما تضمينه بعدا إنسانيًا، وبهدف الاعتراف والتذويت أنّ جرائم قتل النساء تختلف عن غيرها من جرائم القتل المؤسفة والمستنكرة في مجتمعنا كونها مبنية على أساس النوع الاجتماعي وليس على أي أساس أو سبب آخر.


هل هناك "بروفيل" ما للنساء والفتيات اللاتي تقتلن؟ هل الظاهرة منتشرة في مناطق أو لدى فئات معيّنة أكثر من غيرها؟

لقد أثبتت حالات القتل العديدة التي رصدناها في الجمعية وخبرتنا في العمل في مجال العنف ضد النساء أنه لا يمكن الحديث عن "بروفيل" للنساء لأن الأمر غير متعلق بهن وإنما بالقاتل نفسه. فقد قتلت نساء وفتيات من أعمار مختلفة ومن خلفيات اجتماعية ودينية واقتصادية مختلفة. من الواضح أن ما يقف وراء هذه الجرائم فعلا هو موروث ثقافي ذكوري يشكّل لدى الرجال مفهوم ملكية على المرأة في حياتهن جسدًا وروحًا، ويعطيهم الحق بل وأحيانا الواجب في قمع أي تصرف من طرفها يعتبرونه تحديًا لسيطرتهم أو محاولة لبلورة رأي أو أسلوب حياة خارج عن سيطرتهم.

هل يختلف أو يجب أن يختلف تعاطينا مع هذه الظاهرة كأقلية عربية عنه في الدول العربية، خاصة من الناحية القانونية؟

القانون الإسرائيلي بنصّه الجاف لا يتفهّم ولا يقبل أي من التفسيرات الثقافية لجرائم قتل النساء ويتعامل معها على أنها جرائم قتل، لكن هذا لا يعني أننا بالضرورة في مكان أفضل بكثير من النساء في العالم العربي، حيث يعتمد النص القانوني في بعض الدول العربية ما يسمونه "العذر المخفِّف" أو "العذر المحلّ" بمعنى أن القاتل قد لا ينال عقوبة بالمرة وفي أفضل الأحوال قد تطاله عقوبة بعضة شهور في السجن. معركة النساء هناك واضحة لتغيير النصّ القانوني الصريح.
معركتنا هنا هي أيضًا من أجل تغيير الذهنيات، ذهنية القضاة والشرطة والادعاء ومن ثم المجتمع ككل، وهي محاربة لذهنية ذكورية من ناحية ولكن مدمجة بذهنية عنصرية كولونيالية بيضاء تنظر إلينا كمجموعة سكانية تعاني التخلف والأفكار الثقافية والمشوهة. لذا يتراوح موقفهم بين التعالي والشعور بالفوقية رغم وجود نفس الجرائم في المجتمع الإسرائيلي اليهودي ذاته، أو الاستخفاف وعدم المبالاة و"فخار يكسّر بعضه".
وعليه أعتقد أنه ما زال أمام مختلف المجتمعات العربية شوط كبير من العمل إلى جانب المجتمعات الإنسانية كلها في محاربة هذه الجرائم.


ما هي الاستراتيجيات لمواجهة الظاهرة، خاصة في ظل الرفض التصريحي والتفهّم الضمني؟ وكيف نخرج من حلقة "إقناع المقتنعين"؟

ما نقوم به غدًا هو إحدى استراتيجيات العمل، بمعنى حشد الدعم الجماهيري لرفض الجريمة وتجنيد مجمل القوى المجتمعية لتكوّن معًا صفًا واحدًا أمام الجريمة.
إنّ استراتيجية المسؤولية الجماعية والمجتمعية وترجمتها إلى فعاليات عينية هي برأينا أهم ما يمكن القيام به. فحين يتحوّل الموضوع إلى همّ الإعلام والسياسيين والقيادات المجتمعية ويقوم كل بدوره، بالإمكان بالفعل إحداث التغيير المجتمعي الذي يتغلغل إلى وعي الأفراد والجماعات وينعكس في تصرفاتهم.
كما أنه لا يمكن تجاهل أهمية استراتيجية مساءلة الأجهزة القانونية والقضائية في الدولة، لقد أثبت بحث أجريناه قبل سنوات أن هناك خللاً في تعامل الشرطة في التحقيق في قضايا قتل النساء العربيات، وكثيرًا ما تعقد النيابة صفقات ادعاء مع الجناة تخفِّف من التهم المنسوبة إليهم. كما أنّ عدم تقديم لوائح اتهام في أكثر من 12 حالة قتل (مثلا في الرملة أو اللد) يؤدي إلى سيطرة الخوف وأجواء الإرهاب في هذه المدن ويتيح للقتلة التجوّل بحرية.


في الماضي جرى اللجوء إلى رجال الدين ليخرجوا ضد قتل النساء.. هل لموقفهم نتيجة ما؟ وما رأيك في النقد القائل بأن توجه الحركات النسوية لهم يكرّس السلطة الدينية التي بدورها تكرّس دونية المرأة في المجتمع الأبوي؟

أعتقد أن واجب أي إنسان عادي أن يستنكر هذه الجرائم، فما بالك بالقيادات على جميع أشكالها. لقد طالبنا في الماضي من جميع القيادات القيام بذلك. أنا شخصيًا أعتقد أنّ التوجّه بشكل خاص إلى رجال الدين (الأمر الذي لم أقم به عينيًا في هذه القضية) يأتي في محاولة للردّ على محاولات غربية لتفسير قتل النساء بنصوص دينية، وهو ما لا يمكننا الموافقة عليه فكريُا. إن تفسيرنا في جمعية نساء ضد العنف لقتل النساء يعتمد على تحليل لموازين القوى الاجتماعية بين الجنسين وللثقافة الذكورية السائدة ومختلف العوامل السياسية التي تميّزنا كأقلية قومية تعاني من تمييز مقصود من طرف المؤسسات الرسمية، لذا نعتمد استراتيجيات مختلفة.



في النهاية يتحمّل رجال الدين وغيرهم مسؤولية الخروج ضد الجريمة، مثلما هي مسؤوليتي ومسؤوليتنا جميعًا. وإذا كانت سلطتهم الدينية تمكنهم من التأثير في هذا الاتجاه فليكن، وذلك رغم قناعتي الشخصية بأنّ التغيير الحقيقي الذي يضمن وقف هذه الجرائم هو تغيير في البُنى الاجتماعية الذكورية وبناء مجتمع عادل يضمن المساواة والكرامة والحرية الإنسانية لجميع أفراده ولا يقبل أو يتماهى أو يكرّس أي سيطرة لطرف على آخر وفي هذه الحالة السيطرة والهيمنة الذكورية.


//////////



"قتل النساء جريمة نكراء وانعدام للشرف"
"قتل النساء هو عار وشنار وجريمة نكراء وانعدام للشرف، وهذا ليس شأن النساء فقط بل قضية المجتمع كلـّه". هذا ما قاله أمس لـ"الاتحاد" الكاتب محمد نفاع، الأمين العام للحزب الشيوعي.
وأضاف: نحن شركاء في هذه المظاهرة الهامة والضرورية. في الأشهر الثلاثة الأخيرة قتلت ست نساء، وعلينا جميعًا التصدّي لهذا التدهور الفظيع وهذه الحجج السافلة السخيفة.
وردًا على سؤال "الاتحاد" حول تنادي قوى وحركات سياسية كثيرة للمشاركة في المظاهرة في مدينة الناصرة، قال نفاع: يجب أن يلتئم الجميع في هذا النضال بدون استثناء لأنه، وعلى الجميع أن يتخذ الموقف الإنساني والشريف والشجاع".


"علينا خلق مفهوم متساو للأخلاق"
"طالما ظل مجتمعنا العربي يحاسب المرأة وحدها على سلوكها "الأخلاقي"، ويطري على "الفحولة" بالنسبة للرجل، فسنظل نحصد العنف والقتل". هذا ما قالته أمس فتحية صغير، سكرتيرة حركة النساء الديمقراطيات. وأضافت: علينا خلق مفهوم متساو للأخلاق. فغالبًا ما يتم اقتصار "الشرف" على جسد المرأة، بينما المطلوب هو إيجاد مسؤولية مشتركة للرجل والمرأة تشكّل رادعًا أمام جرائم قتل النساء بذريعة الشرف.
وقالت صغير: حركة النساء تنشط ضد قتل النساء منذ عشرات السنين، وتقيم سنويًا عشرات الأنشطة التثقيفية، فضلا عن كون الحركة من مؤسّسي جمعية "نساء ضد العنف". الحركة مجنّدة بكل قواها لمظاهرة يوم السبت ومن جميع الفروع.