عام جديد



سميرة الوردي
2010 / 2 / 12

عام جديد بدأ منذ فترة وقد يتطوى ليصبح عاما ولتأتي سنة أُخرى ، نواصل فيه تبادل رسائل جديدة وأمنيات قديمة أعيد انتاجها لتوائم الزمن والمبعوث اليه ، وقد تعاد برامج وأعمال متلفزة كثيرة سبق أن عُرضت أو أُعيد انتاجها ، حتى لم تعد لكل أعيادنا وسنيننا سوى طعم الماء المملح الذي يفرح الصادي إلا انه لا يروي عطشا .
...
كل شئ قابل للتطور وبوتائر متسارعة وبكل مجالات الحياة وأكثر المجالات التي تظهر عليها وتائر التطور السريع العلوم الطبية وعلم الفضاء وتكنولوجية الأسلحة المدمرة للحياة الإنسانية في الدول الفقيرة ، التي تعاني كل أشكال الأزمات السياسية والإقتصادية والإجتماعية .
انتهت الألفية الثانية من عمر البشرية ، بعد أن خاضت امم وشعوب تلك المرحلة من التاريخ صراعات محلية وأقليمية ، لا أول لها ولا آخر. لتختتمها بحربين عالميتين مدمرتين ، في سنواتها المحصورة بين عام 1918 ـ 1945، وبنضالات وحروب هنا وهناك ، لتترك العالم في خراب وفوضى ما زالت آثاره الى يومنا هذا ، بالرغم من المساعي والجهود المبذولة بتجاوز تلك المرحلة والإرتقاء بها وعبورها .
...
ورغم كل ما مر ، كانت هناك قوانين وقيم وحريات سائدة ، وكان للشعوب أحلامها وآمالها بالتطور والتحرر والخلاص .
...
بعد نضال مميت
أطل بابتسامته البهيجة مخفيا بها عمره الحقيقي ، ودودا كما لم نألفه من قبل متربعا على عرش السلطة والكلمة الوادعة الحنون ، ليبريءَ مجرمي الأمس وليعيد أهلية من لا أهلية له ، متناسيا أنين موتانا الذين قضوا على أيدي نازيي العربان ، من البعث وأزلامه ، هل فعلا ( التاريخ يعيد نفسه مرتين الأولى كمأساة والثانية كملهاة ) والشعب العراقي هو الضحية في كل مرة .
إن رئيسنا يبرأ قتلة الشعب العراقي ويلامسهم بكف رقيقة متناسيا الكم الهائل من الآلام والعذاب والحروب التي جاء بها البعثيون منذ انبثاق حزبهم الشوفيني والى يومنا هذا ، ولقد توجت انتصارات هذا الحزب منذ ستينات القرن الماضي والى اليوم بتزايد ضحاياه ومقابره الجماعية السرية والعلنية ، ورغم كل تلك الدموية ، وتهديداتهم العلنية والمبطنة بارتكاب أبشع أنواع الجرائم بأبناء الشعب الأبرياء ، وجدوا في رئيسنا مام جلال وفي ابتسامته الودوده وفي ذكائه وحنكته وثقافته حضنا دافئا وقلبا حنونا، ويدا ممدودة ، ليعبروا منه وبه الى ضفة الأمان والرخاء والسلطة ...
بعد مرور سنوات على سقوط الصنم ونحن ما زلنا نأمل ونبني أحلاما لا أول لها ولا آخر بانبثاق روح وطنية بعيدة عن المحاصصة بناءة فاعلة بين صفوف سياسينا ، تنأى بأجيالنا القادمة عما أصاب جيلنا من كوارث . ولكن مازلنا لم نلمس سوى جهود ضئيلة تقاوم وبشراسة ، ولم نر ظواهر وبرامج جدية تبشرنا بمستقبل أفضل مما مر .
...
ينمو العالم ويتطور وتتغير حكومات بطرق ديمقراطية سلمية ونحن ما زلنا نخضع للأهواء والمحاصصات ولغة القتل ، ومازالت شوارعنا مخابئ للموت والدمار .
...
في العالم الغربي والأوربي وحتى بعض الدول العربية المتهمة بالرجعية والتسلطية ، اهتمام متصاعد بانعاش الإقتصاد وتنمية البيئة وتطوير البنى التحتية والخدمية للمدن ، ونحن مازالت العاصمة تغفو وتستيقظ على نفس مناظر الأزبال والتهديم والتهديد والتخريب منذ النظام السابق والى يومنا هذا ، فخلف مدارسنا وبجانبها وأمام دورنا تستريح أطنان الأزبال وتتراقص أمام أي نسمة هواء .
...
نحن أبناء الخير والرفاهية والذي تميز به عراقنا منذ بدأ الخليقة ، ولكن الجوع والمرض وشحة السكن مازال يرافق شريحة واسعة من أبناء هذا الوطن ، تصاعدت وتائره بفعل الإرهاب والإجرام ، وبُطء تحقيق الوعود التي بشروا بها الشعب العراقي من منحهم لما يستحقونه من حصص نفطية واقتصادية تنعكس على ما يقدم من خدمات وبنى تنموية تديم تطور المجتمع لتعبر به الى مصاف الدول الأخرى ، بل من المفروض أن تتجاوزها .
...
يبدو أن أفلام القتل والتهميش التي امتلأت بها قنواتنا الفضائية بتزايد مستمر، حتى أصبحت مدرسة يستقي منها مجرموا الزمن الحديث أساليب وطرق لم تطرأ في خيال أعتى المجرمين ، مسيل الدم والإعتياد عليه صباح مساء في حياتنا اليومية خفف عندنا الثوابت الأخلاقية في الحياة والسياسة ، ففي الأفلام التي تعرض يوميا وبشكل مقصود أفلام الجريمة والتي لا تكاد تخلو منها أي قناة عربية وأنواع التعذيب والغدر والتي لايمكن تصورها تعاد يوميا عشرات المرات وكأنما خلا أرشيف الأمم والشعوب من الفن الأصيل البديل لما نشاهده حاليا من أفلام الخارجين عن القانون ومصاصي الدماء وما أن يصل الفلم الى نهايته بموت المجرم والقاتل حتى يعاد انتاجهما في لحظة النهاية ، وكأنهم يرسلون اشارة تنبيه وتحذير واذلال أن لا خلاص من تواجد المجرمين والقتلة والسفلة بين ظهرانينا .
هذا حال ما تبثه هذه القنوات ، فهل سيندرج سياسيونا تحت هذا اللون من إعادة انتاج من رفضهم المجتمع وتخلص من دمويتهم بآلاف آلاف الضحايا .
...
أما حقوق المرأة وتطورها واكتسابها حقوقا تضاف لحقوق سابقة حازت عليها بجهد نضال سنوات من الكفاح فأصبح أثرا بعد عين ، بسبب موقف نسائنا العربيات المستسلمات والمقنعات والمقتنعات بالأكفان والتبعية والإذلال التي يمررها ويروج لها مفتو هذا الزمان وبوسائل إعلامهم ، بلا ورع وضمير وباحتقار حاد وشديد للمرأة ، فلم يعد الزواج العرفي في بعض الدول الإسلامية وحده ساريا ، بل أصبح لدى رجالنا الأشداء الأفذاذ الأحقية بزواج المتعة والمسيار والمؤقت وما ملكت أهواؤهم وأيمانهم ، ولهم الحق في الرضاعة من كل الموظفات ، أما المرأة فليس لها الحق في الحب والإعتراض والإختيار والحياة الكريمة التي تحفظ كيانها كإنسانة خُلقت كما خلق الرجل من رحم واحد .
هذا هو حال عامنا وعصرنا الذي دخل فيه الكثير من عناصر تطور وتطوير البشر لذوي العقول النيرة ، لكننا مازلنا نحبو ونكبو كي نصل الى مراقي الأمم السليمة ، فأي عام هذا وأعوام خمسينيات وستينيات وحتى سبعينيات القرن المنصرم أفضل وأجمل وأروع وأنظف من أعوامنا هذه .
أكتب هذا وشباط الأسود مرعسى أن لاتعود ( عروس الثورات ) ـ الملطخة بالدم والعار ـ .
منتظرةَ ما تتمخض عنه أيامنا المقبلات فعيد المرأة على الأبواب وسترافقه الإنتخابات فعسى أن تلد أيامنا القادمة ، أعواما أفضل وأكثر سلاما واستقرارا من أعوام الدمار والموت والإحتقار التي مرت .
...