حديث في الجنس



حميد كشكولي
2010 / 2 / 14


قبل حوالي 15 عاما كانت القناة التلفزيونية الرابعة السويدية تقدم برنامجا عنوانه " دردشة في الجنس"، و كان البرنامج يبدأ بالأغنية الأمريكية، لنتحدث عن الجنس. كان البرنامج ممتعا ، حيث كانت مقدمة البرنامج أوسا ( إن لم تخنّي الذاكرة) تناقش و تدردش مع ضيوفها من الرجال والنساء ، عن متع الجنس و طرائفه ، و الممارسة الجنسية وطرقها ووسائلها، بصراحة وبدون أي إحراج.
التلاميذ يتلقون دروسا في التربية الجنسية منذ الصف الخامس ( وقد بلغوا 13 عاما من العمر)، وبذلك تزول كل حالات الكبت، والعقد الناتجة عنه عند الشباب. ويتعلمون الطرق السليمة وغير المبتذلة في ممارسة الحب.
مقولة إن الجنس حاجة إنسانية ضرورية مثله مثل الحاجة إلى الشراب والطعام و النوم ، أصبحت بديهة من البديهيات ، ووفق كل الفلسفات و التيارات الاجتماعية. وطالما يتم احتكار الحاجيات البشرية، من غذاء، ووسائل العيش الأخرى، من قبل أقلية مستغلة متسلطة، في كل المراحل التي مرت بها البشرية، من عبودية وإقطاع ورأسمالية، و توابعها في الشرق، فهذه الطبقات المستغلة، احتكرت الجنس أيضا، أو قننته لصالح أربابها.

يقول الباحث العراقي الراحل علي الوردي في مكان ما في كتبه ما معناه إن رجال الدين الشيعة، عالجوا مشكلة الكبت و اللواط بتشريع زواج المتعة. لكن هذا الحل هو على حساب المرأة وكرامتها.
إن الجنس الذي نعرفه اليوم ، سواء بين الجنسين المختلفين، أو المثليات و المثليين ، ما هو إلا نتيجة مباشرة للتطور الاقتصادي و التقني ، وبالتالي النمو الثقافي الذي وصله الإنسان المعاصر. وحين نتحدث عن الجنس، تتداعى في أذهاننا صور عن ” اللذة": أي التماس و التداخل الجسديين لأجل اللذة ( الجسدية – الروحية). وعموما إن الجنس هو ابتكار إنساني ( اكتشاف ثقافي) ، وليس من المعلوم أية أشكال أخرى سوف يتخذ مستقبلا.
إن الإنسان البدائي كان يمارس الجنس بدون أن يدرك معناه، إذ أن الدراسات الإنسانية عن القبائل الأصلية من سكان غابات الأمازون بينت أن هؤلاء الناس الذين يشبهون البشر البدائيين ، غريبون عن الظاهرة التي نطلق عليها " الجنس" ، بأشكاله المتخيلة التي يتصورها الإنسان المعاصر. هؤلاء الناس يعرفون التماس الجسدي و المداعبات عند ممارسة الجنس و التهيؤ لها ، لكنهم يفتقرون إلى الفانتازيا الجنسية التي يتمتع بها الإنسان الحديث.
.
الكائن الحي الوحيد الذي يمارس الجنس في سبيل اللذة و الراحة الجسدية – الروحية ، هو قرد يطلق عليه بونوبو ، و طوله 150 سنتيمتر تقريبا ، يمارس الجنس كل 35 دقيقة ، وأنثى هذا القرد تمارس الجنس 50 مرة يوميا في فترة سقوط البويضات. و إن سبب هذه النزعة الجنسية الشديدة يعود إلى التكوين البيولوجي لهذا القرد الذي يقتات على الحشيش، إذ أن بويضة الذكر يبلغ حجمها حجم بويضة الغوريلا.
إن صعوبة وصول المني إلى البويضة في الأنثى تقتضي ضرورة الاستمرار و معاودة وتكرار ممارسة الجنس بين الذكر والأنثى.ولهذا أن ممارسة الجنس عند حيوان البونوبو تعد ظاهرة بيولوجية ، بينما عند الإنسان ظاهرة ثقافية.
رغم أن ممارسة الجنس في سبيل اللذة اقتصرت غالبا ما على الطبقات العليا في المجتمع و عبر التاريخ البشري، إلا أن الجنس لم يكن ظاهرة اجتماعية عامة. فالجنس عموما كان ظاهرة رجولية باطرياركية . فرجال طبقة النبلاء في اليونان القديمة، كانوا هم المبادرون لممارسة الجنس لكسب اللذة والمتعة مع النساء اللائي كن محرومات من هذا الحق الطبيعي ، لكن في روما القديمة حظيت نساء طبقة النبلاء إلى حد ما بممارسة الجنس في سبيل اللذة، و كن يمتلكن وسائل معينة لذلك. لكن الجنس أصلا وطوال التاريخ البشري كان ظاهرة رجولية، و تم تعريفه من منطلقات عقلية الرجل الفحل.
لقد تحولت العلاقات الجنسية عندنا إلى محرمات " تابو" بانتصار المسيحية في أوروبا ، ومن ثم الإسلام في الجنوب العالمي لفترات طويلة ، وبذلك أخذت الرابطة الجنسية تقتصر الإنجاب، و أصبحت المتعة عيبا وإثما ، يجب عدم الكلام عنها حتى في حالة نيلها. وإن مفهوم المسيحية للجنس هو أكثر تشددا مما عند الإسلام، إذ عند الأولى يبقى مبرره تنازع البقاء. إن رجال الأديان الإبراهيمية أي اليهودية ، المسيحية و الإسلام + الزرادشتية أقاموا جدارا سميكا بين النساء والرجال ، بحيث أمسى كبت الرغبات الجنسية للأمة الإبراهيمية فنا وسياسة ، و وسيلة قمع واضطهاد الرعية و الشرائح الاجتماعية الفقيرة.

وإن التقاليد الاجتماعية الرجولية هي التي طبعت هذه الأديان بميسمها، أي أن الظلم الواقع على المرأة بكل أشكاله و خاصة الجنسي نابع من التقاليد الاجتماعية التي فرضت على الأديان وطقوسها. و من حسن حظنا أنهم عجزوا عن احتكار الهواء، وإلا جعلوا منه وسيلة قاتلة لأبشع استغلال، واستعباد الطبقات الاجتماعية المحرومة !!!!
اشتداد التحريم واستمراره أديا إلى اندماج الحب و العملية الجنسية إلى درجة اعتبارهما ظاهرة واحدة، أو عملية واحدة لا تقبل التجزئة والتفكيك. هذا الاختلال الاجتماعي الثقافي خيم بظلاله على مجتمعات القرون الوسطى ، و لا نزال نعيش آثارها و عواقبها التي طبعت حياتنا و تركت آثارها النفسية العميقة في عقول ونفسيات الإنسان الشرقي ، ما يعكسه الأدب والثقافة اللذان تأثرا تأثرا شديدا بجدار التابو المرفوع بين المرأة والرجل .
فثمة عاملان مهمان وفي غاية الأهمية لعبا الدور الأساس في تحولات الجنس عند الإنسان الحديث: حرية المرأة من قيود البيت والإنجاب... ( حبوب منع الحمل منذ 1960 و وسائل أخرى لتحديد الحمل والنسل).
والعامل الأهم هو أن الرأسمالية زعزعت بنية الإقطاعية التحتية والفوقية ، وفي سبيل التوصل إلى الإنتاج الضخم أطلقت النساء أي نصف المجتمع من زوايا وخبايا البيت وشغلتهن في ميادين العمل والإنتاج.
و باستقرار الوضع الاقتصادي للمرأة، استجدت ظروف أخرى فرضت عليها الحد من إنجاب الأولاد، أو حتى عدم الإنجاب لو رغبت في ذلك. فهذا التطور الذي بدأ على وجه خاص أواسط القرن التاسع عشر، حرر شرائح واسعة من النساء من نفوذ البيت، ليلعبن أدورا مصيرية في تقدم المجتمع.
فتلك النسوة كن رائدات و طلائع المجتمع الحديث المعاصر، وبمعنى آخر هن طليعة
و لونس" الحديث.و لو القينا نظرة على تاريخ أوروبا لتنبهنا إلى أن ثورة جنسية جديدة قد بدأت أوائل العقد السابع من القرن العشرين.وهذه الثورة لا يمكن تصورها بدون مساهمة النساء مساهمة فعالة فيها. في هذه المرحلة من التاريخ، تم وضع حجر الأساس للبناء ”الجنسي" الحديث: الجنس في سبيل اللذة، حيث تتسامى فانتهازيا الإنسان. إلا أن الثورة الحقيقية، أو جوهر هذه الثورة الجنسية، كان يكمن في أن العلاقة الجنسية أمست متبادلة بين الطرفين، فلم يعد الرجل وحده هو " الفاعل" فقط، بل أن المرأة أضحت " فاعلة" أيضا على قدر المساواة مع الرجل" الفاعل".. أي يمكن القول إن كل طرف هو الفاعل و المفعول في نفس الوقت، حيث كلا الرجل والمرأة يفعلان أي يقومان بممارسة عملية " فعل" الجنس. ولأول مرة سمعت في
السويد أن فعل
أي النكاح تستخدمه الأنثى بنفس المعنى الذي يستخدمه الرجل. knulla
فلم تعد العملية الجنسية تجري في غرف مظلمة و داخل الأسرّة بعيون مغمضة ، و بصمت و بسرعة، وكأنها عمليات سرقة و سطو حرام، بل أصبحت ممارسة الجنس تجري في أماكن مضيئة نوعا ما بحيث يمكن للرجل والمرأة، طرفي العملية أن يريا كل أعضاء جسدي بعضهما بوضوح تام .

و قد تم كسر طوق الصمت أثناء العملية الجنسية، إذ يمكن لأي من الطرفين أو كليهما التعبير عن مشاعر المتعة و اللذة بالصراخ و الكلمات بصوت عال، و تزامن ذلك مع تمديد فترة العملية الجنسية للوصول إلى أقصى حالات اللذة.
إن كعب أخيل للعلاقات الشرقية الرجولية التي تنبني عليها أسس الأديان الإبراهيمية الثلاث المسيحية واليهودية و الإسلام ، وكذلك بعض الديانات الشرق أوسطية القديمة كالصابئية و اليزيدية هو انهدام جدار التابو بين الرجل والمرأة .
إن المسيحياترأة أو العضو التناسلي للمرأة والرجل في هذه الديانات تعتبر إما خطيئة أو عمل غير لائق و مكروه. إن المسيحيات كان عليهن أثناء المضاجعة ارتداء ثوب، كانت فيه فتحة مقابل جهازها التناسلي، لكي يتمكن زوجها من الإيلاج خلالها، إضافة إلى أن العملية كانت تجري في ظلام دامس. وإن إتيان النساء من دبرهن في المسيحية حرام، و يمكن للزوجة أن ترفع دعوى على زوجها عند القس، إن ابتغى منها ذلك.. لكن ذلك مجاز في الإسلام .. أو على الأقل حسب شرح المسائل لآية الله سيستاني ، إذ يمكن زيارة موقعه الالكتروني للاطلاع ، يقول إنه يجوز في حال رضا الزوجة ومن المفضل عدم الإقدام على هذا العمل المكروه.

البقرة الآية 223“نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ;
قال ابن عباس: كان هذا الحي
من الأنصار وهم أهل وثن، مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب. فكانوا يرون لهم فضلاً عليهم في العالم، فكانوا يقتدون بكثيرٍ من فعلهم. وكان من شأن أهل الكتاب أن لا يأتوا النساء إلا على حرف، وذلك أستر ما تكون المرأة. فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم. وكان هذا الحي من قريش يشرِّحون النساء شرحاً منكراً، ويتلذّذون بهنّ مُقبِلات ومُدبِرات ومستلقيات. فلما قَدِم المهاجرون المدينة تزوّج رجلٌ منهم امرأةً من الأنصار، فذهب أن يصنع بها ذلك فأنكرته عليه، وقالت: إنّا كنا نُؤتَي على حرفٍ، فاصنع ذلك، وإلا فاجتنبني . حتى سَرَى أمرُهما، فبلغ ذلك محمداً فقال: نساؤكم حرثٌ لكم، فأتوا حرثكم أنَّى شئتم أي مقبلات ومدبرات ومستلقيات، فنزلت رخصة في إتيان الدُّبُر (أسباب النزول للسيوطي. سبب نزول البقرة 223).
قوله على حرف الحرف الجانب، وحرف كل شيء جانبه. وقوله يشرّحون النساء يُقال شرح فلان جاريته إذا وطئها على قفاها. فمحمد شجَّع أصحابه على إرخاء العنان للشهوات البهيمية ولم يرضَ بعفاف أهل الكتاب. ولما كان محمد ساعياً في تكثير حزبه أتاهم بما يلائم أهواءهم

الجنس لأجل المتعة ( طبعا للرجل فقط)، لا إنجاب الأولاد أمسى في الإسلام واقعا موضوعيا بعد هذه الآية.
لم يكتب عن الجنس بكثرة في أي من الأديان الإبراهيمية مثلما كتب في الإسلام: الجنس مع النساء والغلمان والحيوان والنبات الخ... و في هذا السياق رفع الإسلام من شأن الجنس إلى حد جعله إيديولوجية رجولية مطلقة: نعم، ثمة جنس مباح، من أجل المتعة واللذة، ليس من أجل التكاثر، لكنه جنس حكر على الرجل الآمر الناهي!!!!
والآن يمكن أن يبرز هذا التساؤل، لم مخالفة التقاليد الاجتماعية عبر الأديان للجنس الحديث و بهذه الشدة؟ فإن جوهر الجنس الحديث أساسا، سواء بين الزوجة والزوج، أو بين مثليين، أو مثليتين، أو بين فتى و فتاة خارج الحالة الزوجية، إنما هو حرية شخصية، وتحرر من قيود ثقافية ودينية مكتوبة وغير مكتوبة. إنه انطلاق طاقة تاريخية محبوسة، وتنفيس عن النفس والروح، فيصفى العقل للتفكير في شؤون الحياة الأخرى.

مثلما قيل أعلاه، إن معادلة الجنس الحديث، تستلزم طرفين متساويين، كلاهما يلعبان دور" الفاعل"، و بتعبير آخر أن في الجنس الحديث، وحتى ما يتعلق بالمثليين أيضا، تلعب المرأة دورا فعالا، أو متساويا مع دور الطرف المقابل.و لهذا فإن الجنس الحديث إنما هو تعبير عن تحرر المرأة من سلطة البيت و المطبخ، أي أن النساء تجاوزن الخطوط الحمراء التي رسمتها لها التقاليد و العقلية الباطرياركية الاحتكارية عبر الأديان. فإن الأديان الإبراهيمية ليست لها مشكلة مع الجنس من طرف الرجل، لكنها تواجه أكبر مشكلة أساسية وإيديولوجية مع الجنس الحديث الذي تلعب فيه النساء دور" الفاعل" و إن أغلب صفحات التاريخ إنما هي صفحات التاريخ المذكر التي يدونها الرجل ، و إن الأدب والتراث ، إنما هما أدب وتراث فاعلية الفحل و مفعولية المرأة.فهل آن الأوان لثورة جنسية في الشرق؟؟
‏الأحد‏، 14‏ شباط‏، 2010