عندما تحولت تشو يينغ تاي / الى فراشة ملونة ..؟



سيمون خوري
2010 / 2 / 21

" تشو يينغ تاي " إسم فتاة صينية ، لأسرة الراحل جين الملكية الشرقية في الصين القديمة . ( 317- 420 ميلادية ) . تعلمت " تشو " من أخيها حب الأدب والشعر خاصة النثر والغناء . ووفق التقاليد القديمة ، لم يكن مسموحاً للنساء الإلتحاق بالمدارس العامة . لذا رفض والدها رغبة إبنته بالتعلم .
الفتاة " تشو يينغ " إرتدت ثياب كاهن ، وأخبرت والدها أنه من الأفضل إرسال إبنتك الى المدارس بناءاً على قراءة كف يدها . إنطلت الحيلة على والدها، وهكذا تنكرت الفتاة بملابس شاب والتحقت في مدرسة مشهورة بمدينة " هانغ تشو " .
القصة لم تنتهي هنا ، من هنا تبدأ ، هي عبارة عن واحدة من أروع ملاحم المسرح الصيني الرومانسية الخالدة تدعى ( حب الفراشات ) أو أحباب الفراشة . ومشهورة في الأدب الشعبي الصيني . حيث تقدم كمسرحية بالية من أربعة فصول ، ترافقها مقطوعة ألة " الكمان " الموسيقية ( كنتشيرتو ) كما هي قصة " روميو وجولييت " أو أوبريت عايدة . في كافة التراث العالمي لعب الحب دوراً محورياً في التغيير ، وخلق مفاهيم أكثر إنسانية وتواصلاً مع الأخر لا سيما المختلف . في الأدب اليوناني القديم كان ( إيروتس ) حامل جعبة السهام . اصاب بسهمة ( أفروديتي ) فعشقت ( أذاونيس ) . كما كان يفر هارباً ( زيوس ) كبير الألهة مع حبيبته كيلا تكتشف زوجته ( هيرا ) مكانه ، وتقتحم عليه خلوته الغرامية . وفي مصر القديمة، دمرت قصة غرام ( كليوبترا ومارك أنطونيو ) أخر ما تبقى من إمبراطورية عجوز على يد الغزاة الرومان . حتى ( الألكسندر الكبير ) احب إبنتة ملك الفرس ، وأثار ضده حفيظة قواده العسكريين من أبناء جلدته .
في القصص الدينية ، أحب ( النبي سليمان ) إبنة ملك صيدون الفينيقي ، كما يقال أن قصة حب جمعت بين ( المسيح عيسى ومريم المجدلية ) كما في العلاقة التي ( يمكن إعتبارها قصة حب ) بين ( النبي محمد وعائشة الصغيرة ) رغم فارق العمر . في الأدب العربي هناك قصص غرامية مماثلة كقصة غرام ، قيس وليلى ، أو جميل وبثينة . أو مثل كل قصص الحب الجميلة بيد أنه في عالمنا غالباً ما تكون النهاية دراماتيكية وحتى تراجيدية بصورة مؤلمة . ربما هنا لعبت الأفلام المصرية التي كانت تدور دوماً حول قصص الحب وتنتهي بالزواج كنوع من التعويض النفسي للحالة الواقعية البائسة التي تعيشها شعوبنا . لأن بلادنا لا تعترف بالحب . لذاغالباً يجري بها سفك دماء الفتاة بحجة ( غسل العار ) ..؟ بدل الموافقة على رأي الفتاة أو الشاب وزواجهما بمن يحب أو تحب . فعندما يتحول الأب أو الأخ الى قاض وجلاد للفتاة وسارق للحياة فهو يمارس فعل القتل الشنيع الذي يستحق عليه عقاباً يتلائم مع جرمة في مصادرة حق الأخرين بالحياة . في بلادنا عادة دماء المرأة لا تساوي شيئاً فكيف روحها وأحاسيسها .؟
فمن حق الرجل ( المذكر ) أن يختار وقد لا يختار، فقد يختاروا بدلاً عنه . لكن ليس من حق الفتاة إختيار شريك عمرها . فمن الذي سيتزوج الأب أو الأم أم الفتاة والشاب ..؟ هي جزء من آلية ( تفكير ) موسومة بها المنطقة . تتلخص في مسح الشخصية وسحقها، وإذابتها بأسيد الفكر الخرافي ، كما تمت إذابة جثة ذلك المفكراللبناني في أسيد النظام خوفاً من أفكاره التحررية . لا تفكر نحن كنظام نفكر بدلاً عنك . وقد ينجب النظام أولاداً بدلاً عن الشعب فكل شئ جائز في عصر من لا عصر له . عصر هلامي ، سديمي لا تعرف أوله من أخره ، أو هل هو سبع سموات طباقاً أم غازات ونجوم ومجرات وربما كائنات أكثر ذكاءاً .
في أغنية " قيس وليلى " وبصوت عبد الوهاب الجميل ، تقول ليلى ، أقيس إبن عمي عندنا ...يامرحبا.. يا مرحباً . هنا يتدخل صوت والد ليلى الأجش بقوله، أجئت تطلب ناراً أم جئت تشعل في البيت ناراً ..؟ لنتخيل حجم المرارة والأسى . والنهاية مماثلة لروايات معظم قصص الحب التراجيدية الأخرى في عالمنا الشرقي القديمة والراهنة .
كل منا يحمل في ثنايا قلبه وذاكرته قصة حب مختبئة ، حتى رجل الدين هذه هي الطبيعة البشرية ، لكن البعض يطلق حريتها كنسمة هواء وماء ، وأخر يقتلها ، بل يوأدها . ما أصعب أن يعيش المرء بلا قلب وبلا حب . ما أصعب الزمن عندما يتحول قلب الإنسان الى حجر نيزكي أسود حاقد . وهل تحقد الحجارة ..؟ نعم في بلادنا كل شئ جائز. طالما أن حرية الحياة ممنوعة من الصرف . ألا ينطق الحجر ويقول يا فلان هذا فلان ورائي تعال فإقتله..؟
لنعود الى " تشو يينغ " مضت ثلاث سنوات على إلتحاق الفتاة بمدرسة متقدمة ، وهي متنكرة بثياب شاب . بيد أنها أحبت زميل دراستها الشاب " ليانغ شان بو " كان شاباً فقيراً مثقفاً ووسيماً ، لكنه لم يعرف أن صديقه هو فتاة وليست شاباً .
طلب والد الفتاة من إبنته العودة الى القصر. رافق الشاب " ليانغ " صديقه لوداعه، في الطريق كشفت ( تشو يينغ ) القناع عن نفسها ، وأخبرت صديقها بحقيقتها ، وحبها له وإتفقا على حضور ( ليانغ ) الفقير مع والده لزيارة أهلها الأثرياء بهدف الزواج .
مرت الأيام ، ولم يستطع الشاب ( ليانغ ) توفير أجرة الطريق الى قرية حبيبته . والفتاة لم تفشي سرها بإنتظار حضور حبيبها ... بيد أن والدها الثري الذي لم يعرف بقصة الحب هذه ، زوجها الى إبن حاكم قريب في بلدة مجاورة .
اخيراً وصل الشاب الفقير ( ليانغ ) مع والده الى قصر حبيبته ، بعد أيام على زواج " تشويينغ تاي " وهناك عرف ما حدث ، حيث أخبرته ( تشو ) . لكن الفقر كان السبب . أقسما على الموت معاً والدفن في قبر واحد . عاد ( ليانغ ) الى قريته حزيناً ، مريضاً ثم مات من الأسى والوجد . ودفن في بلدة ( جو لونغ شوي ) . علمت " تشو " بالخبر فقررت زيارة القبر. وعند وصولها قبر ليانغ هبت رياح عاتية ، وأمطار غزيرة ، وبرق أعقبه رعد هائل من ( إلإله ) أسفر عن شق القبر. فقفزت ( تشويينغ تاي ) الى فتحة القبر ودفنت مع حبيبها كما أقسما على ذلك . وفي تلك اللحظة توقفت العاصفة فجأة ، وإنبثق في الأفق قوس قزح جميل ، وتحولت روح الحبيبين الى فراشتين جميلتين خرجتا من القبر. فقد تعهد ( الإله ) بجمع من فرقهم المنشأ الإجتماعي . تحولت القصة في الأدب الصيني الى أحدى الملاحم الأدبية التي تمجد الحب بإبداعها الشعري الرومانسي .
المرأة هذه الإنسانة الرائعة ، هي آية الله الكبرى ، كيف يمكن حرمانها من الحب وتقرير ما تريد ، فيما نطالبها بمنح حبها وحنانها لعائلتها . أو كيف لها أن تقتنع بمحبة زوجها الذي يتنقل برأسة بين عدد من الوسائد البشرية . ترى هذا المزواج أو المتعدد الزوجات هل يعرف معنى الحب ..؟ كل شئ في العالم يتطور خاصة في مجال حقوق الإنسان الإجتماعية . العالم يسير بينما نحن في بلادنا جالسون .
الزعيم جالس في مكانه ، ورجل الأمن جالس في مكانه ، والجمجمة الفارغة جالسة في مكانها .. ورجل الدين جالس فوق الزمن ، والزمن جالس فوق الزمن ، حتى فنجان القهوة جالس في مكانه . ترى هل يعرف أحدهم معنى الزمن ..؟ أو قيمة الوردة حتى البيضاء وليس فقط الحمراء . أيام حكم الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة ، كانت الناس تتمشى في شارع الحبيب الرئيسي ، عصر كل يوم تزين صدرها ( فلة) وهي وردة بيضاء ذات رائحة جميلة ، حتى الرئيس نفسه . في زمن لاحق يقال أن الورد تحول الى مستحاثات من عصر مضى . في بلادنا كل شئ جائز
" بابلو نيرودا " شاعر الفقراء والحب والورد له هذه المقتطفات ننقلها بتصرف
" إن مت فجأة .. فلن أكف عن الغناء
مياه راكدة
أريد أن أقفز الى الماء
لأسقط في السماء . أحب الحب الذي يتقاسم بالقبل
في السرير والخبز .
حب كإله يقترب
حب كإله يمضي .