إمرأة .. وكاهنان .. ونهر ..؟



سيمون خوري
2010 / 2 / 24


تذخر ثقافات جنوب شرق أسيا ، بالعديد من القصص والروايات التي تحمل في مضمونها أحاسيس إنسانية رفيعة . تعكس أنماط من السلوك ، يماثل طبيعة الثقافة السلمية التي تتميز بها شعوب جنوب شرق أسيا عموماً. رغم كم الحروب الهائلة التي عانتها على مدار تاريخها الطويل .
في اليابان هناك ثقافة " أدب الإعتذار" و التفاني في العمل وفي الصين والكوريتين " ثقافة التواضع " فكلما إزداد الإنسان علماً كلما تعاظم تواضعة وبدى أكثر هدوءاً ورزانة وحكمة في معالجة مختلف الأمور . وفي الهند ثقافة " التسامح الديني"
من ( التيبت ) المحتلة ، بلدة الراهب السلمي العجوزالبرتقالي " دلاي لاما " هناك رواية جميلة ومعبرة تتناول علاقة الدين بالمرأة . فعمظم الأديان تعاملت مع المرأة كجسد ولم تتعامل معها كروح بشرية ، وإنسانة كاملة الحضور الدينوي مماثلة للرجل
من هي المرأة ... ؟ الأم والزوجة ، والإبنة ، وزميلة العمل ، والصديقة ، والعشيقة وحتى " المومس " هي إمرأة . هي آية الله العظمى . عطر الحياة وروحها وجنتها . ولولا المرأة أكان لهذا الوجود البشري من حضور على هذا الكوكب ..؟
تقول القصة : كان هناك راهبان يهمان بعبور نهر غزير المياه ، عندما إقتربت منهما إمرأة باكية ، قائلة أتوسل لديكم أن تساعداني في عبور هذا النهر. لقد عبرته في الصباح كي أجمع لأطفالي بعض الثمار والحطب، أما الأن فالنهر هائج ولا أستطيع عبوره بمفردي ..؟
رفض الكاهنان ، رفضاً شديداً طلب المرأة ، لأن عقيدتهم البوذية ، لا تسمح للكاهن بلمس إمرأة ، وإلا فسدت " طهارته " وخسر كهنوته . علا صراخ ونحيب المرأة ..أطفالي بإنتظاري جوعى وبيتي يشكو البرد والصقيع . ..
فر هارباً الكاهن الأول ، بينما حن َ ورق قلب الكاهن الثاني عليها . رفعها على ظهره وعبر بها النهر ، وتركها على الضفة الأخرى ورحل .
بعد عدة سنوات على الحادثة ،إلتقى الكاهنان مرة أخرى بمناسبة دينية . قال الكاهن الهارب الأول للكاهن الثاني الذي عطف على المرأة : إنني أشك في كهنوتك بعد أن لامس جسدك جسد تلك المرأة .. إستغرب الثاني الأمر متسائلاً أية إمرأة هذه ..؟
قال الأول المرأة التي حملتها على ظهرك وعبرت بها النهر ..؟
أجاب الكاهن الطيب : ياصديقي ، لقد حملت إمرأة محتشمة على ظهري وتركتها عند الضفة الأخرى للنهر ، أطفالها كانوا مثل العصافير الجميلة بإنتظار وجبة طعام أمهم . نعم حملتها للضفة الأخرى للنهر ونسيتها . أما أنت ، فمنذ ذلك اليوم وأنت تحملها عارية في ذهنك ، تضاجعها في ذاكرتك كلما شئت .. ثم تصب جام غضبك علي ، كي تهرب من عقدة الذنب التي تأكلك . ترى أنت كيف جئت الى هذه الحياة ..؟ تطلع الكاهن الطيب نحو السماء ومضى بعيداً .
نحن في بلادنا تحاصرنا آيات المنع ، تدهس عواطفنا الإنسانية بل وتسحقها كل فتاوي الحرس القديم الذي يسد باب الشمس وعلى أكفهم دماء القتلى .
فإذا لمس يد إمرأة فسد " وضوءه " وإذا تغيط فسد " وضوءه " وإذا كلمته فسد " وضوئها " حتى لو كان من خلف نقاب أسود سميك يحيل لون الشمس الذهبية الى اللون الأسود . كل شئ لونه اسود مغبر بل فاحم برائحة الكربون العفن . لكن إذا كانت خمسة " رضعات مشبعات " تحول الحرام الى حلال ..؟
أحد اصدقائي ( أجنبي ) يقطن في بناء من عدة أدوار وتقيم فيه إحدى العائلات الشرق أوسطية ، في إحدى المرات ، وعلى باب المصعد تصادف وجود جارة له ترتدي كيساً أسوداً ، الصديق بكل أدب وإحترام فتح باب المصعد داعياً السيدة للدخول ، على الطريقة الأوربية ، السيدة أولاً ، بيد أنها رفضت بإشارة من ( رأسها ) دون كلمة شكر للرجل على إحترامه لها . ترى بماذا كان الرجل الأجنبي يفكر وبماذا كانت هذه ( المرأة ) تفكر ..؟ لنتخيل شعور هذا الرجل ..؟
كافة الأديان بلا إستثناء تعاملت مع المرأة بكونها جسد ورمز " للخطيئة " ترى لولا هذه الخطيئة أكان لهذه البشرية من وجود ..؟ لماذا لا يسمح للمرأة أن تكون بطريركاً أو رئيسة " لجمعية علماء المسلمين " أو حتى حاخاماً في كنيس صغير ..؟ بيد أن الأديان عندما تتحول الى آفة للناس وتتجاهل طبيعة وأصل الحياة البشرية تصبح هذه الأديان خطراً على الإنسانية يفترض عزلها في الأماكن المخصصة لها . وكل يختار المكان المناسب لها ، البعض قد يسجنها بين أربعة جدران ويقيمون لها صلوات ممهورة بالأبخرة الهندية التي تنسجم مع كل مناسبة دينية ، وآخرون في خبر كان . لكن لا يمكن أن تكون لخير وصلاح الإنسان إذا ما كانت ديانة عنصرية تفرق بين ذكر وإنثى . ترى ماذا سيكون عليه موقف رجل الدين لو أنه لم يكن ذكراً في أجهزته التناسلية ..؟ ترى لماذا خلق ( الإله ) أثداء للرجل مثلما هي في المرأة وما وظيفتها الحيوية ..؟ أسئلة ربما تعكر مزاج كاهن ما من نوع الكاهن البوذي ، كما في القصة السابقة . لكنها لا يمكن أن تعكر مزاج من يحمل في صدره عاطفة وصدقاً ومحبة إنسانية ، وعقلاً وليس سطلاً أو دلواً معدنياً ، يحمل الماء لكن لا يستفيد منه أو كمثل الحمار الذي يحمل أسفاراً .
أحياناً أتساءل ترى هل " الضرير " الأعمى يشاهد حلماً عندما يخلد الى النوم ..؟ فإذا كانت مخيلته البصرية غير قادرة على رؤية الأشياء وتكوين صورة عنها يعكسها الحلم ، فكيف بذاك الذي يملك عينيين بيد أنه غير قادر على تصور جمال ألوان الحياة ، ويصرعلى رؤية الأمور من خلال نقاب أسود ، ترى من هو الأعمى الحقيقي ..؟ .
" سلفادور دالي" عبقري الرسم اللاواقعي ، وهو علماني جداً ، أحب زوجتة " غالا " بل عشقها . وهي ملهمته في إبداعاته . لم يخونها ، ولم يمارس الحب مع غيرها . يقول دالي عن النساء : النساء عطاء رائع ، قادر على تحويل الرجل الى معتوه ، وانا لا أفكر بأي شئ سئ حينما أقول ذلك ، أنا أحب المعتوهين خصوصاً عندما يكونون في حالة هذيان ، لأنهم وقتها أشبه بالملائكة . وهكذا بفضل النساء فإن رجالاً مثل " دانتي " يصبحون معتوهين ، ويكونون في وضع يؤهلهم ليكتبوا الكوميديا الإلهية .
على كل حال ربما حان الأن موعد الوضوء والصلاة في محراب المرأة . آية الله العظمى والصغرى معاً .