المرأة وشبح الأمية



كريم عامر
2004 / 7 / 12

لم يكن هناك شىء يمثل خطرا كبيرا على المرأة كخطر الأمية الذى تعيشة الكثيرات من بنات البلاد العربية
فلقد سادت لفترة طويلة من الزمن فكرة مضمونها أن المرأة الجاهلة تكون أقل اهتماما بحقوقها ،وأكثر اهتماما بشؤو بيتها وزوجها من المرأة المثقفة ،أو المتعلمة ....ولذالك، فقد حارب المجتمع الذكورى بشدة فكرة تعليم المرأة تحت عدة حجج وذرائع منها أن تعليم المرأة هو الطريق الممهد لفسادها وخروجها على تقاليد وقيود وهادات المجتمع
وقبل أن أتطرق الى الحديث عن الأمية ينبغى ان نقسمها الى نوعين : فهناك الأمية الأبجدية او الأمية الكتابية،وهى الجهل أو عدم الالمام بمصادر التعليم الأساسية التى تتلخص فى تعلم الكتابة والقراءة وبعض مبادىء الحساب
وهذا النوع من الأمية تعانى منة الكثيرات من النساء خصوصا الريفيات والبدويات ممن لا يزلن يعشن بعيدا عن المجتمع المدنى المتحضر وتسيطر عليهن الأفكار الذكورية المؤيدة لانعزال المرأة عن المجتمع المدنى ،حتى لا تنتقل اليها المعتقدات والافكار المفسدة لأخلاقها على حد تقديرهم
أما النوع الثانى من الأمية فهو الأمية الثقافية ،أو الأمية التربوية ....وهو على الرغم من عدم تساوى اضرارة مع اضرار النوع الأول من الأمية فهو ليس بالشىء الذى يستهان بة ....فاننا نجد الكثيرات من النساء ممن حصلن على القدر الكافى من التعليم وحصلن على أعلى الدرجات والتقديرات فى تخصصاتهن العلمية الا أنهن لا يزلن يعانين من هذا المرض العضال الذى شجع على انتشارة سيادة الافكار الرجعية الذكورية المتخلفة التى يروجها المجتمع الذكورى الذى من مصلحتة أن تظل المرأة كما هى ،لا تعرف شيئا عن حقوقها المشروعة انسانيا من خلال زيادة حصيلتها الثقافية والعلمية
ولقد نظر المجتمع الذكورى الى هذا الأمر بتفحص واهتمام ،وفضول بصورة مبالغ فيها قليلا (على حسب ماتفهمة البعض) ولكن لم يكن فى الأمر ثمة مبالغة أو خلافة
فالمجتمع لاحظ منذ بداية نشأتة أن المرأة الأمية ابجديا لا يمكنها معرفة اى شىء (الا من خلال تعاملاتها المحدودة)..لأن الطريق الوحيد المعوف الى الان للوصول الى درب المعرفة هو القراءة والاطلاع على الاعمال المكتوبة ....فكيف يتسنى للمرأة للمرأة الجاهلة بأبجدية لغتها أن تتاح لها الفرصة لتقرأ وتطلع ، ومن ثم تذيد من حصيلتها الثقافية والعلمية؟....بالطبع لايتسنى لها ذالك الا من خلال القراءة والاطلاع والتى لايمكنها بالطبع أن تقوم بها دون ان تكون ملمة ولو بأقل القليل من ابجدية لغتها
لذالك فقد خاض المجتمع الذكورى الحرب بضراوة فى وجة كل من يحاول مناقشة مثل هذة الموضوعات فضلا عن المطالبة بتعليم المرأة ....وكانت الحجج التى يتسند عليها هؤلاء الذكور هى أن تعليم المرأة هو الطريق الممهد لفسادها وخروجها عن تقاليد وقيود وعادات مجتمعها المحافظ
ولكن....لم تستمر هذة الدعوى الواهية لوقت طويل فى الضحك على عقول الناس فسرعان مابدأت هذة الأفكار تتلاشى عندما وجد الناس انة لاترابط بين تعليم المرأة وفسادها ، أو خروجها عن تقاليد المجتمع ....ووجدوا انة لاضرر على المجتمع من تعلم المرأة الكتابة والقراءة ومايعقبهما من دراسة بعض الهياكل الثقافية التى لا ترقى الى الوعى الثقافى الكامل
فبدأت الفتيات الصغيرات يعرفن الطريق نحو المدرسة،والكبيرات يعرفن الطريق نحو فصول محو الأمية....ويوما بعد يوم تراجعت الأفكار اللاعقلانية التى كانت فى يوم من الأيام خلاصة فكر وتجربة المجتمعات الذكورية المتخلفة...وبدأت الجامعات تفتح ابوابها لاستقبال الطالبات ممن كن فى يوم من الأيام من ذوات الخدور جنبا الى جنب مع زملائهم الطلاب
وبدأ المجتمع يتقبل ببطء فكرة المرأة المتعلمة ،والمرأة الجامعية والمرأة الحاصلة على أعلى الدرجات العلمية ، بل وثبت أن المرأة عندما تعطى لها الفرصة كاملة لتلقى تعليمها تثبت انها أفضل بكثير من الرجل وأثبت قدما وأكثر تفوقا منة فى جميع المجالات التى خاضتها معة متعلمة ودارسة
وبدأنا نرى التفوق الأنثوى فى المجالات العلمية وقد أضحى حقيقة وأمرا واقعا لا مناص من الاعتراف بة واقرارة ، فعلى سبيل المثال لا الحصر تعودنا هنا فى مصر أن نرى نتائج الشهادات العامة وقد تصدرت الفتاة قائمتها الطويلة فى اصرار وتحدى للذكر الذى لم يعد سوى رمزا لا معنى لة بعد أن كان هو القوة الوحيدة المسيطرة على المجتمع....الأمر الذى اعتبرة البعض حقيقة لا تقبل التبديل او التغيير
هذا الى جانب تفوق الأنثى فى المجالات الأخرى التى اختارت دراستها فى الجامعة الأمر الذى لايستطيع احد انكارة
ولكن ....وعلى الرغم من كل هذا التقدم الذى لم يكن يخطر ببال من عاشوا فى القرن التاسع عشر ان تصل الية المرأة فى هذة المدة الوجيزة نسبيا ....فما زالت الغالبية العظمى من الفتيات المتعلمات يعانين من أزمة ثقافية حادة
فالمناهج الدراسية لا تكفى ....والقيود الاجتماعية ما زالت بصورة أو بأخرى مترسخة ....والخرافات ما زالت مسيطرة على بعض العقول التى يفترض انها متعلمة
فما زالت الكثيرات من الفتيات يعتقدن أن للرجل الحق فى التسلط عليهن تحت مسمى القوامة
ولا تزال الكثيرات يعتقدن أن للرجل الحق فى تعدد الزوجات ، بخلاف المرأة التى لا يحق لها ان تعدد من الأزواج
وأيضا لا تزال الكثيرات منهن يعتقدن بأن للرجل الحق فى اقامة علاقات جنسية متعددة خارج اطار الزواج ، بينمكا يعتقدن فى الاطار نفسة أن المرأة لايحق لها ممارسة الجنس قبل الزواج
واضافة الى ذالك فما زالت الكثيرات يعتقدن فىما وراء الطبيعة !!!!،فنجد الكثيرات لايزلن يؤمن بوجود الجن ، بل ودخولة الى جسد الانسان ، بل وتحدثة بالنيابة عنة
وقد لوحظ فى الفترة الأخيرة بعد الانتشار الواسع المدى للمد الاسلامى المتطرف والذى من مصلحتة نشر هذة الأفكار الهدامة ، لوحظ أن هذا الفكر قد تغلغل فى عقول النساء على وجة الخصوص ، فنجد أن اكثر حالات الصرع التى يعتقد صاحبها أنها ناتجة عن دخول الجن الى جسد الانسان هى حالات نسائية
بل وقد اذداد التطرف فى هذا الأمر حدة عندما صرح البعض بامكانية اختطاف الجن للانسان
فهناك حكاية انتشرت بشكل مخيف هنا فى الاسكندرية مضمونها أن سيدة وجدت طفلها البالغ من العمر اربع سنوات يبكى بشدة ، وحينما حاولت اسكاتة اشتد بكاؤة ، فعاقبتة بحبسة داخل دورة المياة بالمنزل ، وبعد قليل لاحظت انقطاع صوتة فظنت انة قد كف عن البكاء ففتحت الباب لتفاجىء بأنة غير موجود
بالطبع ، هذة الحكاية لا تدخل عقل طفل صغير فضلا عن عقل انسان راجح العقل ..متزن الفكر...ولكن وللأسف الشديد فقد انتشرت بصورة تبعث على التشاؤم والفزع والخوف من انتشار مثل هذة الأفكر الهدامة التى ان دلت على شىء فانما تدل على مدى الانحطاط الفكرى والأمية الثقافية التى نعاني منها والتى تسبب فى انتشارها المد الاسلامى المتطرف الذى من مصلحتة نشر مثل هذة الخرافات
لذالك ...يجب علينا أن نتفهم قبل كل شىء أن محو الأمية الثقافية للمرأة قد اضحت ضرورة ملحة لمواكبة التقدم العلمى والتكنولوجى لكى يتسنى لنا الخروج من دوامة الاستهلاك التى نعيشها على منتجات العالم المتحضر بما فيها المنتجات الثقافية والمعلوماتية....ولن يتأتى لنا ذالك الا اذا تمردنا بشكل جرىء على العادات والتقاليد والأفكار الرجعية المسيطرة على عقولنا
وكما قلت من قبل ....فالمناهج الدراسية ليست كافية لمحو الامية الثقافية لأنها لا تتناول جميع الفروع الثقافية التى ينبغى ان تلم بها الفتاة ...كما أنها قد تخضع احيانا للمصالح الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ،والدينية للدولة ....فهى بذالك تفتقر الى المصداقية والحياد التى ينبغى ان تتمتع بها المصادر المعرفية المختلفة ....ولذالك يجب علينا أن نساعد على انتشار المصادر الأخرى للمعرفة مع الأخذ بالاعتبار ضرورة التعامل معها بكل حياد وموضوعية ودون تحيز لطرف على حساب اخر
فتعدد مصادر المعرفة وعدم اقتصارها على مصدر أو اتجاة واحد يعزز من دور الثقافة كعامل اساسى لبناء مجتمع ناجح ...الأمر الذى يعتبر بشكل كبير دافعا لمحو الأمية الثقافية التى تعانى منها الكثيرات ممن يحملن القاب المتعلمات والمثقفات ...وبذالك نساهم فى بناء مجتمع مثالى قوامة الـــعلــم ، والــحرية ،والعــدل والمســـأواة