عشية 8 آذار يوم المرأة العالمي – ماذا تغير من واقع المرأة العربية ؟!



نبيل عودة
2010 / 3 / 1

عشية 8 آذار يوم المرأة العالمي – ماذا تغير من واقع المرأة العربية ؟!

رؤية متشائمة لمكانة المرأة في واقع عربي متهاو

بقلم : نبيل عودة

لن نتردد في إعلان موقفنا الداعم لحقوق المرأة، ونطرح شعاراً او اثنين يعبّران عن أصالة موقفنا.. وان حقوق النساء ضمن منهجنا ورؤيتنا. أجل، نحن من أجل حرية المرأة ومساواتها. نحن من أجل الاعتراف بأنها إنسان مساوٍ لنا تماماً. ولكن عندما يقترب الموضوع من "نسائنا" فهذا هو الحد الذي لن نسمح به.

***

يؤسفني ان أقول ان ما كتبته أعلاه، ليس نزوة طارئة، بل هي حقيقة يمارسها الكثيرون من دعاة ومؤيدي حقوق المرأة العربية تحديداً، والمعبرين عن دعمهم لمساواة المرأة في حقوقها الاجتماعية والقانونية كمواطن وإنسان.

بالطبع موقف القيمين (من أوكلهم؟) على "قيمنا" و "أخلاقنا" و "عاداتنا" و "تقاليدنا" و "ديننا".. لن أورده، لأنه نوع من الطرح العبثي الممل..

ما أراه ان واقع المرأة في تراجع نسبي كبير، يمثل مجمل التراجع في تقدم المجتمع المدني العربي. اذ لا يمكن تحقيق تقدم في قضية المرأة طالما ظل مجتمعها قبلياً في مبناه وعلاقاته، ويحرمها من الحقوق السياسية المتساوية ومن فرص النمو والتعليم والتقدم في تطوير قدراتها الخاصة ووعيها، ومشاركتها في عملية التنمية الإنسانية والاقتصادية لمجتمعها.

فهل نتوقع، في إطار واقع متعثر مدنياً، ان نحرز تقدما في مجال إنجاز نهضة نسائية واجتماعية تغير واقع المرأة، ويفتح أمامها وأمام مجتمعاتنا آفاقاً جديدة، وإمكانيات أخرى تعمق دورها ومسؤوليتها؟ هل انتهت الظاهرة القبلية لقتل النساء بحجة شرف العائلة..؟ هل تقلص العنف المنزلي ضد النساء؟ هل انتهت الظاهرة من القرون الحجرية بتشوية الأعضاء التناسلية للإناث؟

هل تغير واقع المرأة في الدول العربية ال 17 من بين ال 21 دولة عربية التي وقعت على اتفاق القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، ولكنها قيدته بتحفظات تشريعية "وطنية" او بنسف بعض بنوده التي تتعارض مع الشريعة الاسلامية. هل واقع المرأة بظل التمييز والقمع والقتل يتمشى مع الشريعة، ومع التشريع الوطني؟؟ ألا تكتمل وطنيتنا إلا بقمع المرأة؟ ولا ندخل الجنة الا اذا كنا مميزين عن النساء؟

الواقع تغير نصاً، ولكنه نفس الواقع السائد في الدول التي لم توقع على الاتفاق.
تساهم المرأة في الدول المتقدمة بحصة تكاد تكون مساوية لحصة الرجل في جميع نواحي الحياة.. في عالمنا العربي أرى ان المرأة، حتى الأكاديمية، تخضع لقيود مستهجنة، يفرضها مجتمعها ونظامها، يقررالى مدى بعيد تحركها وحجم قيودها، حتى في المجتمع الأكثر تنوراً، على صعيد الدول العربية، نجد ان واقع المرأة لا يختلف بمجمل مضمونه، وليس سراً ان مستوى دخل المرأة من نفس العمل هو ما دون مستوى دخل الرجل. ولكن هذه الظاهرة تخفي واقعاً أشد مرارة. واقع اتساع البطالة في صفوف النساء بالمقارنة مع الرجال.

ولكن الظاهرة المقلقة حقاً تقع في مجال آخر كلياً.

دأبت تقارير الأمم المتحدة خلال السنوات الماضية، على وضع اليد على واقع مذهل من التخلف في المجتمعات العربية، يطال النساء والرجال، وغني عن القول ان واقع المراة هو الواقع الأكثر سوءاً والأكثر مرارة.. خاصة في موضوعين أساسيين.

اولا البطالة التي تطال نسبة عظيمة من النساء، ومنهن جامعيات.

بالطبع وضع الرجل لا يقل سوءاً، والمعروف ان غياب تخطيط حقيقي للتنمية، وغياب أبحاث أكاديمية حول التنمية وآفاقها واحتياجات الأسواق العربية، والربط بين الاقتصاد ومعاهد الأبحاث (الغائبة) في الجامعات، يقود الى فوضى، او تنمية ارتجالية لا تتجاوب مع المتطلبات الملحة للمجتمعات العربية، ولا مع توفير أماكن عمل حسب احتياجات النمو السكاني. ان فرص خلق أعمال جديدة يسير ببطء شديد ويقود الى تعميق استغلال عمل النساء، وهذا يبرز بالأجور المتدنية جداً. وبات إيجاد مكان عمل، صدفة سعيدة تتمسك بها المراة وتصمت عن واقع إملاقها وسحقها كإنسان.

الصدفة ليست تخطيطاً. واذا وجد التخطيط نجده مشوهاً ويخدم "قططاً سمان" حسب التعبير المصري لأصحاب النعمة، المسيطرين على حصة الأسد من الإنتاج القومي لدولهم. حقاً هناك منظمات نسائية عديدة تنشط من أجل حقوق المرأة، ولكني لا أكاد ألمس نشاطها وما تثيره في طروحاتها، ويبدو ان هناك نهج تعتيم على نشاط تلك المنظمات.

تقارير البطالة في العالم العربي تتحدث عن أرقام رهيبة تصل الى 25 – 30 مليون عاطل عن العمل، ولا أعرف هل تشمل هذه الأرقام مجمل الراغبين بالعمل، ام فقط المسجلين رسمياً؟ وهل تشمل مجمل نساء الوطن العربي القادرات على العمل؟

حين نجد ان المرأة في المجتمعات الصناعية المتطورة تشكل ما يقارب نصف عدد العاملين، نجد انها في المجتمعات المتخلفة لا تشكل أكثر من 15% وربما أقل كثيرا - (وأعني بتعبير المتخلفة، التخلف الاجتماعي والصناعي والتقني والعلمي والثقافي والتعليمي وأسلوب إدارة الحكم، والتخلف بالضمانات الاجتماعية والصحية والبنى التحتية وغيرها)

ان خروج المرأة للعمل هو جزء من مساواتها وحريتها في القرار بما يتعلق بمصيرها أسوة بالرجل.

المرأة التي تفتقد للدخل لن تكون حرة ولن تصل الى المساواة حتى لو كانت تحمل عشرة شهادات دكتوراة.

ثانيا: المؤشر الأخر المرتبط ارتباطاً وثيقاً بهذا الواقع، هي نسبة الأمية المرتفعة جداً بين المواطنين من الجنسين، وخاصة بين النساء.

هل يتوقع أحد ان ينشأ جيل مثقف متعلم في أحضان نساء جاهلات؟

لا ليس تهجماً على المرأة، هذا الواقع ليس من مسؤوليتها. لأنها تخضع لتحكم الجاهلين حتى لو كانوا أكاديميين بتحصيلهم.

ما الذي يعطي المجتمعات العربية قوة الاستمرار، عكس التيار العالمي، من موضوع حقوق المرأة، وحقوق الإنسان بالتحديد؟

دول عدة كانت أكثر تخلفاً وعصبية تجاوزت واقعها الى مجتمع مفتوح، دمقراطي، تشكل فيه العلوم والاقتصاد قاعدة تطور تضعها في مقدمة دول العالم.. وجعلت للمرأة مكانة متقدمة في وظائفها الاجتماعية والاقتصادية، وهل من نموذج أفضل من المجتمع الياباني؟

هل تدهور وضع المرأة، من ناحية الأخلاق مثلاً... في اليابان ، نتيجة الانفتاح على الحضارة العالمية والمساهمة بنشاط في إنجاز خيرات مادية وثقافية جعلت من اليابان نموذجاً دولياً للتقدم؟

هل واقع المرأة الجاهلة في مجتمعنا العربي، والحديث عن عشرات ملايين النساء (ربما أكثر من 70 مليون امرأة أمية عدا المحرومات من حرية القرار والعمل) أفضل وأكثر احتراماً وأخلاقاً من واقع المرأة اليابانية؟

المرأة في الصين.. لم يكن وضعها أفضل من حال المرأة العربية.. ولكنها اليوم تشكل قوة علمية انتاجية في اطار المجتمع والاقتصاد في جمهورية الصين.. بعد ان أعطيت الحقوق الكاملة المساوية للرجل.

وهناك العديد من النماذج في مختلف دول العالم..

في الواقع انا لا أرى فصلاً بين واقع المرأة وواقع الرجل في مجتمعاتنا العربية.. أو غيرها من المجتمعات.. حيث التخلف والفقر من نصيب الرجل أيضا، مما يعني ان واقع المرأة في الحضيض.

لن يكون أي تغيير مأمول مع استمرار هذا الواقع العربي المتهاوي. ما أراه، ويراه العديد من المختصين والباحثين العرب، ان عالمنا العربي يعيش بوهم قاتل بأن طفرة النفط دائمة أبداً. وأرى علاقة شرطية بين الحفاظ على تخلف المرأة، وحقبة النفط التي أطلقت تشويها نفطيا للفكر الاجتماعي والديني أيضاً.

حتى اليوم لا أرى ان الأنظمة النفطية، طرحت بدائل لما بعد حقبة النفط، الذي ظهر في أرضنا القاحلة.

العكس هو الصحيح. هناك انفلات في الصرف وتبذير قبلي للأموال، والعجز عن رؤية الواقع بعد عدة عقود، حين ينضب النفط، أو تبدأ دول العالم انتاج طاقة جديدة.. وقد بدأت هذه المرحلة بالفعل، ومع ذلك ما زالت أنظمتنا تعيش بخمول عقلي، مطمئنة ان جيلها على الأقل لن يواجه المشكلة التي من المتوقع ان تواجه ورثاءهم... "ومن بعدي فلتخرب الدنيا"!!..

اني أعتقد ان بدء مرحلة إنشاء اقتصاد بديل للإقتصاد النفطي، سيقود الى تغييرات اجتماعية عميقة، تنعكس أيضا على واقع المرأة العربية. ان أي نهضة اقتصادية، حتماً ستفرض تغييرات عميقة في المجتمع، لا بد ان يكون أبرزها خروج المراة للعمل، والاحتياجات العلمية والتقنية لمتخصصين ومتخصصات في برامج الانتاج الجديد.

والسؤال رغم ذلك يعيدنا الى الواقع المر: ماذا يعد العرب للمستقبل؟

ماذا يعدّون لمرحلة ما بعد النفط؟

هل يظنون ان ايرادات النفط الخيالية في العقود الأخيرة ـ لن تتوقف الا بإذنه تعالى ؟

ان الانفلات في ضبط مسألة الزيادة السكانية يطرح قضية أكثر خطورة على واقع المجتمعات العربية، وعلى الفرص أمام تغيير واقع المرأة خاصة والواقع الاجتماعي عامة.

هناك انفلات سكاني.. تسيب بعدد الزيجات.. أطفال بلا مستقبل يفدون دون تخيطيط لهذه الحياة. هل نكشف أمراً جديداً إذا قلنا بان الدول النفطية الغنية تشمل سكاناً في فقر مدقع يزدادون وسيشكلون في المستقبل مشكلة اجتماعية وأمنية لأي نظام كان؟

ما من شك بان أخطر ما ستواجهه المجتمعات العربية، هو غياب الفكر التنويري من مؤسسة صناعة القرار، الأمر الذي يعرقل طرح بدائل اجتماعية واقتصادية للمستقبل القادم بعاصفة من التغييرات في التفكير ونوعية الانتاج الاقتصادي والعلوم والتقنيات ومبنى المجتمع البشري ومبنى الأنظمة..

اذن كيف سنواجه المستقبل؟ ماذا أعددنا لما بعد حقبة النفط؟

لماذا لا تستغل الأموال الفائضة في البنوك (وتقدر بعدد كبير من ترليونات الدولارات) لإحداث نهضة اقتصادية تعتمد على الصناعات غير النفطية.

لا أظن ان أحداً من المتحكمين بالقرار العربي يعرف الإجابة. ربما يعرف كم يوجد في حسابه المصرفي ليس إلا، ومشروعه لضم الزوجة الجديدة.

اليوم يضحكون في واشنطن ولندن وباريس وبون وبكين وطوكيو بوجوهنا.. ما زال النفط طاقة أساسية. غدا لن نجد حتى وقوداً لسياراتنا، وسنجر سياراتنا بالجمال. هل سنعود الى أيام الجاهلية قبائل مشرذمة تغزو بعضها بعضاً طلباً للطعام والمشرب؟

هل من الممكن أن نواصل الحياة بشعارات براقة أشبعتنا لغواً، ولم تقدم لنا الا المزيد من التخلف؟

حان الوقت لمراجعة فترة الثورات (الانقلابات) العربية، وما أنجزته (بالمفهوم السلبي) للواقع العربي.. وبدء تحرك إصلاحي شامل.

حان الوقت لإعادة برمجة كل حياتنا.. من ألفها الى يائها.

حان الوقت لنفهم ان مجتمعا متنوراً متقدماً اجتماعياً واقتصادياً وعلمياً، لن يكون دون مشاركة كاملة للمرأة في التخطيط والإنتاج والبرمجة المستقبلية. وإقرار القوانين وشكل نظام الحكم.

ويؤسفني اني لا أرى مستقبلاً مثل الذي أحلم به.

ما أراه استمرار في السقوط الى الحضيض!!

ما أراه المزيد من الاضطهاد الشوفيني الذكوري للمرأة العربية.

ما أراه بقاء العالم العربي خارج التاريخ الإنساني.

وما أراه مزيد من التمرد للمرأة العربية، ومزيد من الهرب من مجتمعها لآفاق رحبة خارج مجتمعها..

لا أرى التغيير في المستقبل القريب.. أو الأكثر بعداً، في ظل الفكر الذكوري القمعي السائد.