فتيات صغيرات محكومات بالمؤبد في سجن التقاليد



منى الطحاوي
2004 / 7 / 12

تلقيت اخيرا، عبر بريدي الاليكتروني رسالتين، كانتا الأكثر حساسية من بين ما اطلعت عليه من رسائل. الاولى تميزت ببساطة وجدية مثيرتين، اما الثانية فتميزت بالقوة والشجاعة

الرسالة الاولى تلقيتها من الاخت «مي»، وهي مصرية الجنسية في السابعة عشر من عمرها

تقول مي: لقد «قررت الكتابة اليك لسبب واحد، هو انني احدى فتيات هذا الجيل المظلوم من فتيات العالم العربي والشرق الاوسط عموما». وأضافت رسالة مي تقول: «كتبت اليك ليس لأني املك قصة كفاح، بل لأني ارغب في امتلاك هذه القصص»

ومضت مي تقول، انها تؤمن بحقوق المرأة، ولكنها لا تستطيع، او بدقة اكثر، لا تعرف كيف تدافع عنها. وطلبت مني مساعدتها بتعليمها كيف تدافع عن قضايا المرأة. واوضحت: «اعرف جيدا ان التعاطف وحده لا يكفي»

خلال قراءتي للسطر الاخير من الرسالة، فكرت، حين ارد على مي، ان اقول لها، انها هي التي يجب ان تعلمني اين تعلمت اهمية الدفاع عن حقوق المرأة في سنها الصغيرة هذه. كانت مي قد قالت، ان مجرد النظر في ما حولها، يوضح لها تماما ان النساء محرومات من حقوقهن، وأنها تريد مساعدتهن. كم اود ان يتعلم الجميع في العالم العربي، كيف يرى المظالم المرتكبة ضد المرأة وكيف اود ان اجعلهم يهتمون، كما فعلت، بخصوص القضاء على تلك المظالم

اقول لمي: احييك .. انت مستقبلنا. وإذا كان المستقبل مثلك فكم هو مستقبل باهر
ونسمع الكثير عن عدم مبالاة الشباب في العالم العربي اليوم. ونسمع ان كل ما يهتمون به هو آخر صيحات الموضة، او آخر فيديوهات روبي، او نانسي عجرم، وبريتني سبيرز. ونسمع العديد من الشكاوى التي لا تنتهي، حول اهتمام الشباب بتقليد الغرب تقليدا اعمى. ولكننا نادرا ما نسمع عن شباب صغار، قلوبهم كبيرة يرغبون في مساعدة من حولهم

عندما قالت مي، انها تعرف ان التعاطف وحده لا يكفي، وأنها تريد المساعدة بدلا من التأييد عن بعد فهي استحقت التحية
ان العالم العربي هو عالم الشباب. فلديه اكبر نسبة من الشباب في العالم - 38 في المائة من العرب اقل من 14 سنة. وربما كان عالم شباب من الناحية الاحصائية، فمن الواضح، انه عالم يحكمه الكبار، الذين نادرا ما يتوقفون لسؤال الشباب رأيهم في قضايا معاصرة - وحتى القضايا التي تتعلق بهم مباشرة كشباب
ومما لاشك فيه، ان المجموعة التي تواجه التجاهل في العالم العربي، ونادرا ما يسمع صوتها هن الفتيات والنساء. وعلى النساء طيلة سنوات شبابهن، تحمل اوامر الآباء والأخوة، حول ما يجب فعله وما لا يجب. ثم يأتي دور الازواج فيما بعد. ومن المؤسف، ان على النساء في العالم العربي، ان يصبحن جدات قبل ان تُأخذ وجهات نظرهن بجدية، وقبل ان يستمتعن بالاحترام داخل الاسرة

لقد حان الوقت للانصات الى تلك الاصوات الشابة، وإجراء حوار معها. انني ادعو القراء لإرسال ردودهم على السؤال الذي طرحته مي، حول سبل الدفاع عن حقوق المرأة، على العنوان التالي: [email protected] ، وسأقوم بإطلاع مي على بعض ردود الفعل، كما سأطلب منها ابلاغنا عما ستفعله هي لقضية المرأة

أبدأ الحوار بمناقشة كيفية تنشئة البنات في العالم العربي. فقد ضمنت قارئة، سأشير اليها بالحرف الاول من اسمها (ر)، هذه القضية، رسالة أثارت في داخلي حزنا عميقا. تقول الاخت (ر)، 28 سنة، وتعيش في احدى دول المشرق العربي، انها لا تلقى أي سند وتأييد من اسرتها. وعندما بعثت لها بردي الذي ابلغتها فيه بحزني على ما سمعته منها، ردت برسالة قالت فيها انها والكثير من صديقاتها يشعرن بأن اسرهن كانت تفتقر الى الحب

سألت (ر) عن نوع التأييد الذي تحتاجه من اسرتها، ادلت بإجابة تعبر عن جوهر النقاش الذي اود ان ابدأه مع القراء. تقول الاخت (ر) ان التأييد الذي كانت تتمنى الحصول عليه من اسرتها كان امرا بسيطا، ويتلخص،على وجه التحديد، في تفهمهم واحترامهم لحقيقة انها بشر، ولها دور مهم تلعبه في المجتمع
تقول (ر) انه من غير المنطقي ان تواجه البنات مئات المشاكل خلال سنوات مراهقتهن، من اجل المحافظة على حقوقهن. وتقول (ر) انها كانت ترفض ترتيب اسرّة اشقائها عندما تطلب منها والدتها ذلك. والسؤال هنا هو: لماذا تطلب ام من ابنتها ترتيب الاسرّة للأولاد؟ لماذا لا يرتب اشقاؤها اسرّتهم بأنفسهم؟

تتذكر (ر) الدفاع عن شقيقتها عندما يحاول احد اشقائها ضربها، إلا ان الام كانت تتصدى لها باستمرار، وتطلب منها عدم التدخل، مؤكدة ان من حق الشقيق تأديب شقيقته. مرة اخرى، اود ان اسأل: لماذا تسمح الام لإبنها بضرب ابنتها؟

ادرك تماما ان الكثير من الاشياء التي تعلمها الامهات لبناتهن، هي الأشياء التي تدرك هؤلاء الامهات ان المجتمع يطلبها. إلا ان على الامهات إدراك حقيقة ان بوسعهن تشجيع المجتمع، وحثه على التغيير. وان ذلك يمكن ان يحدث من خلال تغيير الطريقة التي ينشئن بها الاطفال. الامهات والآباء على حد سواء يمكن ان يلعبوا دورا هنا. فهذه مسؤولية لا تقتصر على الامهات وحدهن. الأطفال يولودون من الامهات والآباء سويا، ولديهم فرص لتغيير المجتمع من خلال تغيير الطريقة التي ينشئون من خلالها اطفالهم

نقلت لي (ر) قصة فظيعة حول امرأة تحبس بناتها داخل حمام المنزل

وتقول هذه الام، ان البنت يجب ان تخضع للتأديب «لكي لا تفلت». هذا النوع من التفكير تجاه البنات يجب ان يتوقف. وكما تقول الاخت (ر)، فإن هذا النوع من السلوك يهدف الى كسر روحهن وإلغاء عقولهن حتى يصبحن طائعات